تجليات راشد آل خليفة

حل الفنان البحريني راشد آل خليفة ضيف شرف على الدورة 44 للمعرض العام الذي أقيم في القاهرة. وهو معرض تشكيلي مصري تتوزع أعمال فنانيه بين قاعات عرض كبيرة مختلفة.
واختيار آل خليفة شخصية لهذا العام له دلالات كثيرة. فهو من جهة إنجازه الفني يجسد شخصية الفنان الباحث عن سبل خلاصه الأسلوبية وفق رؤية معاصرة.
كان رساما فذا وانتقل بتأثير فكر ما بعد الحداثة إلى التركيب الذي هو في سياق تجربته الفنية عالما واسعا من التجليات البصرية.
كما أن الفنان الذي يترأس المجلس الوطني للفنون في بلاده قد اختبر تجربته في عروض عالمية سعى من خلالها إلى أن يقدم صورة جديدة عن الفن في العالم العربي للآخرين.
معارض آل خليفة في عدد من المدن الأوروبية كانت ريادية، فهي لم تستعرض تجربته التشخصية إلا باعتبارها صورة عن تحولات الفن في العالم العربي. كان في معارضه سفيرا للذات العربية التي يحاول الكثيرون في الغرب طمسها.
في أعماق شخصيته وهو المبدع القلق قدر كبير من الفكر الكريم. آل خليفة فنان ينتمي بكل قوة إلى تيار ما بعد الحداثة غير أنه في الوقت نفسه لم يتخل عن جذوره فنانا عربيا.
كل ما في فنه يعيده إلى اللحظة التي اكتشف فيها العالم بعيني ابن جزيرة لا تُرى على الخريطة إلا بصعوبة. تلك الجزيرة وهبته حياته وهو وهبها مساحة خيالية على خريطة العالم.
سيُقال عنه دائما إنه مواطن استثنائي. وهو لقب يستحقه. لذلك قرر المصريون تكريمه. كنت في وقت سابق قد رأيت عمله التركيبي الكبير الذي نُصب قريبا من الأهرام.
كان ذلك العمل الذي يتألف من قطع كبيرة عديدة مهيبا. وهو يمثل محاولة لتطويع المفردات الجمالية التراثية لفكر ما بعد الحداثة.
هذا الفنان فهم عصره واستوعب معادلاته، لكن بقوة انتمائه إلى جذوره. الرسام الذي كان شديد الإعجاب بوليام تيرنر أيام دراسته في بريطانيا يقف اليوم في مقدمة الفنانين العرب الذين نجحوا في فهم معادلات الفن المعاصر من غير أن يفقد خصوصيته.
ذلك سبب رئيس لتكريمه وهو الذي قضى حياته باحثا عن المفردة الجمالية المستلهمة من روحه التي تعيش انسجاما كونيا بين التراث والمعاصرة.
تكريم راشد آل خليفة في المعرض المصري العام يهبنا شيئا من الثقة بالأمل.