تجدّد الاشتباكات في طرابلس وسط التصعيد الكلامي بين الدبيبة وباشاغا

طرابلس – تجددت الاشتباكات في العاصمة الليبية طرابلس فجر الاثنين بين قوات تابعة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة، و"الكتيبة 777" بقيادة هيثم التاجوري، الداعمة لحكومة فتحي باشاغا المكلفة من البرلمان، فيما تبادل المسؤولان الليبيان الاتهامات بـ"العدوان" و"الإجرام".
وأفادت وسائل إعلام محلية بأن الاشتباكات بين الجانبين اندلعت بمنطقة عين زارة في ضواحي العاصمة.
ويأتي هذا التصعيد مجددا عقب هدوء حذر شهدته طرابلس الأحد، بعد أن حصدت المعارك التي تفجرت ليل الجمعة/السبت، وتواصلت السبت، 32 قتيلا والعشرات من الجرحى.
ويعد هذا هو الانقلاب الثاني الفاشل الذي يقوم به باشاغا وزير الداخلية السابق لمحاولة إزاحة منافسه من السلطة التنفيذية.
وتقاذف كل من الدبيبة وباشاغا الاتهامات، وتحميل المسؤولية عن اندلاع الصراع العسكري.
وأعلن الدبيبة مساء الأحد أن مجموعات انقلابية حشدت في حدود طرابلس وفخخت أحياء سكنية بداخلها للتمكن من السيطرة عليها، مؤكدا دحر العدوان وملاحقة كل المتورطين.
وقال الدبيبة في كلمة بثتها منصة "حكومتنا" على فيسبوك إن "مجموعات انقلابية وصفها بـ'المغرر بها' قامت بالتحشيد في حدود طرابلس وتحركت بالسلاح الثقيل وجهزت خلاياها التي ستتحرك من الداخل، وفخخت أحياء طرابلس بمخازن الذخيرة والسلاح تحت بيوت الآمنين، وفي مواقع أمنية، لكي تتمكن من السيطرة على طرابلس".
وأضاف "تم دحر هذا العدوان، وولى الأدبار منهزما ورجع يجر ذيول الخيبة وهو يمشي على دماء الأبرياء التي سفكها من أجل السلطة".
واتهم الدبيبة "من يقفون وراء اشتباكات طرابلس بأنهم مطية لأجندات دولية لا تريد الاستقرار لليبيا"، ووعد "بملاحقة كل من تورط في هذا العدوان من عسكريين أو مدنيين وعدم إفلاتهم من العقاب".
وأصدر المدعي العام العسكري التابع لحكومة الدبية الأحد أمرا بالقبض على فتحي باشاغا، على خلفية اشتباكات طرابلس.
واندلعت السبت اشتباكات مسلحة في أحياء من العاصمة الليبية، بين جهاز "دعم وحفظ الاستقرار" التابع للمجلس الرئاسي ويرأسه غنيوة الككلي، و"اللواء 777" التابع لرئاسة الأركان ويقوده هيثم التاجوري، ما أوقع 32 قتيلا.
وطالب المدعي العام مسعود أرحومة في بيان نشر رسميا "الشرطة العسكرية والاستخبارات العسكرية وأجهزة المخابرات والأمن الداخلي والردع ودعم الاستقرار والبحث الجنائي بالقبض على فتحي باشاغا".
وشمل أمر القبض أيضا "اللواء أسامة جويلي (آمر المنطقة العسكرية الغربية)، وعثمان عبدالجليل (وزير الصحة بحكومة باشاغا)، ومحمد صوان (رئيس الحزب الديمقراطي)".
ووفق البيان، تأتي أوامر القبض "بالإشارة إلى التحقيقات الجارية في قضية أحداث العدوان على طرابلس".
كما أصدر المدعي العام العسكري ذاته أمرا آخر بوضع الأسماء الأربعة، بما فيها باشاغا، في "قوائم الممنوعين من السفر".
وكان الدبيبة، بصفته وزيرا للدفاع، قد أصدر قرارا بالقبض على كل المتسببين من المدنيين والعسكريين المشاركين في الاشتباكات والعمل على تقديمهم للعدالة سريعا.
كما أصدر قرارا يقضي باعتبار كل من فقد حياته نتيجة الاشتباكات "شهيد واجب"، إلى جانب تشكيل لجنة لحصر الأضرار المادية تمهيدا لصرف تعويضات لأصحابها المتضررين.
وأكد الدبيبة أن "العدوان على طرابلس انتهى دون رجعة، وانتهى معه مشروع التمديد للجاثمين على صدور الليبيين لـ10 سنوات، وأن حلم الانتخابات اقترب".
ولفت إلى أن "الشعب الليبي يعلم جيدا أن آلية الطعون هي التي عطلت الانتخابات السابقة وهي القوة القاهرة، التي وضعت بالشكل الذي تفشل فيه العملية الانتخابية برمتها".
وخاطب الدبيبة في كلمته رئيسي مجلسي النواب الليبي (البرلمان) والأعلى للدولة عقيلة صالح وخالد المشري، قائلا "لقد فشلت الحكومة الموازية، والشعب ليس قاصرا حتى يخدع بفكرة ظاهرها حكومة جديدة وباطنها التمديد لأجسامكم التي فقدت الشرعية"، وطالبهم بإصدار قاعدة دستورية للانتخابات.
ودعا الدبيبة "جميع الأطراف في المشهد السياسي إلى الرحيل عن طريق الانتخابات".
وحمّل باشاغا، حكومة الدبيبة مسؤولية الاشتباكات المسلحة في طرابلس.
وقال باشاغا في بيان مساء الأحد إن "الدبيبة ومستشاريه الخواص من أفراد عائلته ومن معه من عصابات مسلحة مسؤولون عن الدماء التي سفكت والأموال التي نهبت، ومسؤولون عما سيحدث جراء هوسهم بالمال والسلطة، وتشبثهم بها وعدم قبولهم بإرادة الليبيين ومبدأ التداول السلمي على السلطة".
وعبّر باشاغا عن أسفه حيال حالة الفوضى الأمنية وترويع المدنيين في طرابلس، والتي أحدثها من وصفهم بـ"المجموعات الإجرامية الخارجة عن القانون"، و"التي تأتمر بأمر الدبيبة".
وترحم باشاغا على روح من قضى في الاشتباكات، وأكد نبذه الدائم للعنف وتمسكه المطلق بممارسة الحقوق السياسية بالطرق السلمية، متهما الدبيبة بأنه "استغل وما زال يستغل موارد الدولة الليبية ومقدراتها لتشكيل ودعم مجموعات مسلحة ترسخ تحت حكمه وسلطانه بمنطق القوة والأمر الواقع، وأنه يؤسس لدولة دكتاتورية مستبدة تستهدف كل من يعارضها بالقبض والسجن والقتل دون أي رادع من أخلاق أو قانون".
كما أكد باشاغا أن "غايته ليست الوصول إلى السلطة، وإنما إقامة دولة مدنية ديمقراطية يسودها القانون لا الفساد والدكتاتورية والقمع والإرهاب الذي يمارس حاليا من العصابة المسؤولة عن العاصمة".
وشهدت العاصمة الليبية طرابلس يومي الجمعة والسبت الماضيين، اشتباكات عنيفة بين قوات موالية لحكومة الدبيبة ومنافستها حكومة باشاغا، بعد محاولة قوات الأخير التقدم والسيطرة على العاصمة.
واستخدمت في المعارك جميع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، وتسببت في إصابة العشرات من منازل المدنيين وتدمير جزئي لعدة مقار حكومية، وثلاثة مستشفيات رئيسة في طرابلس تعرضت لإصابات متفاوتة.
كما أصيبت محطة كهرباء (غرب طرابلس) والبعض من أبراج نقل الطاقة نتيجة تعرضها للقصف العشوائي.
وتسببت المعارك في مقتل 32 شخصا وإصابة 159 بجروح متفاوتة، بحسب وزارة الصحة.
وانسحبت كافة قوات الحكومة المعينة من مجلس النواب إلى خارج طرابلس، فيما أعلنت قوات حكومة طرابلس فرض السيطرة على جميع المقار العسكرية والمدنية وطرد المجموعات المسلحة التي تمركزت فيها.
وتواجه ليبيا حالة انقسام سياسي في ظل تواجد حكومتين، الأولى برئاسة الدبيبة، وهي منبثقة عن اتفاق سياسي قبل أكثر من عام وتعمل من طرابلس، وانتهت ولايتها بموجب اتفاق جنيف في يونيو الماضي، والأخرى برئاسة فتحي باشاغا، وهي مكلفة من قبل مجلس النواب وتمارس مهامها من سرت (وسط) ليبيا، لكنها لم تتمكن من تسلم السلطة نتيجة لرفض الدبيبة ذلك، حتى إجراء الانتخابات وتسليم السلطة التنفيذية لحكومة منتخبة.
وعانت ليبيا من فوضى أمنية وصراع على السلطة منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في العام 2011، قبل توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في أكتوبر من العام 2020، وتولي سلطة تنفيذية موحدة إدارة أمور البلاد في فبراير العام 2021.