تجاوز الخطوط الحمراء باستهداف النووي الإيراني يثير المخاوف في السعودية

الرياض/ طهران – قالت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السعودية الجمعة إن أيّ هجمات عسكرية على المنشآت النووية المدنية تنتهك القانون الدولي، وذلك في أعقاب هجمات إسرائيلية على منشآت نووية إيرانية وسط الحرب الجوية بين الجانبين، وهو موقف قانوني في ظاهره لكنه يعبّر عن رفض السعودية اجتياز القصف الخطوط الحمراء ومنها استهداف المواقع النووية بشكل يهدد أمن الخليجيين.
وراهنت السعودية على التحركات الدبلوماسية لوقف الحرب بين إسرائيل وإيران وعملت على تقليل التصريحات حتى لا تحسب على هذا الطرف أو ذاك في ظل حالة الاستنفار السياسي والإعلامي والعسكري على أمل أن تلتزم الحرب بالخطوط المسموح بها مثل تبادل القصف واستهداف المؤسسات والأجهزة العسكرية.
ويرى مراقبون أن السعودية، التي تريد أن تكون حذرة في التعاطي مع الحرب، تجد نفسها مجبرة على أن تبدي اعتراضها في ظل انتقال المعارك إلى مرحلة جديدة باستهداف المنشآت النووية وما قد ينجر عنها من تسرب إشعاعات تتضرر منها المنطقة على مستويات عدة، وأن بيان هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السعودية هو رسالة رسمية من الرياض تحذر الأطراف المعنية، وخاصة إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة، بأن الخليجيين لن يسمحوا بتضرر منطقتهم تحت أيّ مسوّغ.
وقالت الهيئة “يعد أيّ هجوم مسلح من أيّ طرف، وأيّ تهديد يستهدف المرافق النووية المخصصة للأغراض السلمية، انتهاكا للقرارات الدولية، ولمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، والنظام الأساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية.”
ويتحرك القادة الخليجيون من أجل وقف الحرب ومنع اتساعها لتشمل الإقليم في ظل تلويح أميركي بالمشاركة المباشرة وتلويح إيراني مضاد باستهداف مواقع القوات الأميركية في الخليج. لكن المحاذير التي ترتبط باستهداف المواقع النووية تعد الأكثر خطرا وتستوجب ضغوطا أكبر لمنع اتساع تأثيراتها.
◙ وكالة الطاقة الذرية تؤكد أن ضربة تستهدف محطة بوشهر ستؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من النشاط الإشعاعي
واجتاحت المخاوف من وقوع كارثة منطقة الخليج يوم الخميس عندما أعلن الجيش الإسرائيلي قصفه موقعا في بوشهر على ساحل الخليج يضم محطة الطاقة النووية الوحيدة في إيران لكنه قال لاحقا إن الإعلان كان خطأ.
وحذر رافايل غروسي رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الجمعة من أن ضربة إسرائيلية على محطة بوشهر النووية في جنوب إيران قد تؤدي إلى كارثة إقليمية. وقال غروسي أمام مجلس الأمن الدولي “إنه الموقع النووي في إيران حيث ستكون تداعيات هجوم الأكثر خطورة،” ملاحظا أن الموقع يضم آلاف الأطنان من المعدات النووية.
وأضاف “لقد تواصلت معي دول من المنطقة بشكل مباشر خلال الساعات القليلة الماضية للتعبير عن مخاوفها، وأريد أن أوضح بشكل قاطع وكامل أنه في حال وقوع هجوم على محطة بوشهر للطاقة النووية، فإن ضربة مباشرة ستؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة للغاية من النشاط الإشعاعي.”
وتابع “في شكل مماثل، فإن هجوما يتسبب بقطع الخطين الكهربائيين اللذين يغذيان المحطة يمكن أن يؤدي إلى ذوبان قلب المفاعل، ما يعني تسرب مستويات كبيرة من الإشعاعات في البيئة” المحيطة.
وقال “في أسوأ الأحوال، قد يتطلب السيناريوهان اتخاذ تدابير وقائية، مثل إجلاء السكان إلى الملاجئ، أو الحاجة إلى تناول مادة اليود، لمسافات تتراوح بين بضعة كيلومترات ومئات الكيلومترات.” ويشير خبراء إلى أن خطر الانتشار يكون أقل في المنشآت الواقعة تحت الأرض. لكن القلق الرئيسي في توجيه ضربة لمفاعل بوشهر النووي الإيراني.
ويقول ريتشارد ويكفورد الأستاذ الفخري لعلم الأوبئة في جامعة مانشستر إنه في حين أن التلوث الناجم عن الهجمات على منشآت التخصيب سيُمثل “مشكلة كيميائية في الأساس” للمناطق المحيطة، فإن إلحاق أضرار جسيمة بمفاعلات الطاقة الكبيرة “أمر مختلف”. وأضاف أن العناصر المشعة ستنطلق إما عبر سحابة من المواد المتطايرة أو في البحر.
◙ السعودية راهنت على التحركات الدبلوماسية لوقف الحرب وعملت على تقليل التصريحات حتى لا تحسب على هذا الطرف أو ذاك
وذكر جيمس أكتون المدير المشارك لبرنامج السياسات النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن الهجوم على بوشهر “قد يسبب كارثة إشعاعية كاملة،” لكن الهجمات على منشآت التخصيب “من غير المرجح أن تسبب عواقب وخيمة خارج الموقع.”
وذكر بينيت من جامعة ليستر أن مهاجمة الإسرائيليين لمحطة بوشهر سيكون “تصرفا متهورا” لأنهم قد يخترقون المفاعل ما يعني إطلاق مواد مشعة في الغلاف الجوي. ويفاقم استهداف المنشآت النووية مخاوف دول الإقليم، وليس السعودية فقط، بسبب التلوث المحتمل لمياه الخليج، ما يُعرض للخطر مصدرا حيويا للمياه المحلاة الصالحة للشرب.
وفي الإمارات، تُشكل المياه المحلاة أكثر من 80 في المئة من مياه الشرب، بينما أصبحت البحرين تعتمد كليا على المياه المحلاة في عام 2016، مع تخصيص 100 في المئة من المياه الجوفية لخطط الطوارئ، وفقا للسلطات. أما قطر فتعتمد كليا على المياه المحلاة.
وفي السعودية، التي لديها احتياطي أكبر من المياه الجوفية الطبيعية، تقول الهيئة العامة للإحصاء إن نحو 50 في المئة من إمدادات المياه تأتي من المياه المحلاة منذ عام 2023. وفي حين أن بعض دول الخليج، مثل السعودية وسلطنة عمان والإمارات، لديها إمكانية الوصول إلى أكثر من بحر لتحلية المياه، فإن دولا مثل قطر والبحرين والكويت لا تطل إلا على الخليج.
وقال نضال هلال أستاذ الهندسة ومدير مركز أبحاث المياه بجامعة نيويورك أبوظبي “إذا تسببت كارثة طبيعية أو تسرب نفطي أو حتى هجوم موجه في تعطيل محطة لتحلية المياه، فقد يفقد مئات الآلاف إمكانية الحصول على المياه العذبة على الفور تقريبا.” وأضاف “محطات تحلية المياه الساحلية معرضة بشكل خاص للمخاطر الإقليمية مثل تسرب النفط والتلوث النووي المحتمل.”
اقرأ أيضا: