تجاهل مطالب ماسبيرو.. هل قررت الحكومة المصرية تصفية التلفزيون الرسمي

خطة للتخلص من العبء المالي الذي يسببه وجود أكثر 30 ألف موظف دون تأثير ملموس في الرأي العام.
السبت 2022/02/19
قرار التصفية جرى اتخاذه بالفعل

لا تزال احتجاجات بعض العاملين باتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري مستمرة للمطالبة بصرف متأخرات مالية لهم وتحسين الأوضاع المهنية من دون أن تكون هناك تدخلات حاسمة من جانب الحكومة لتلبية مطالبهم، وهو ما فسره خبراء في الإعلام بأنه علامة على أن أجهزة الدولة تتجه نحو اتخاذ خطوات عملية لتصفية العديد من القنوات الرسمية.

القاهرة - أخذت أزمة اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري المعروف بـ”ماسبيرو” العديد من الأبعاد التي تتخطى احتجاجات عاملين بمقر عملهم، في ظل ممارسات حكومية برهنت أن قرار التصفية جرى اتخاذه بالفعل، لأن الأجهزة الرسمية لم تحرص على تنفيذ خطط تطوير شاملة تنتشله من أزماته واقتصرت تدخلات الهيئة الوطنية للإعلام المسؤولة عن إدارته على محاولات تهدئة هدفت من ورائها إلى الإيحاء بأنها تمضي شكليا في طريق الحل والإصلاح.

وأرسلت الحكومة إشارات تعزز ما يتردد حول غلق المبنى العريق مع قرار الحكومة الاستحواذ على المرآب الخاص بالعاملين وإدخاله ضمن خطط التطوير العقاري الجارية في المنطقة، وبدء الانتقال التدريجي للعاصمة الإدارية الجديدة.

ومهدت نقاشات سابقة في البرلمان المصري بشأن وقف البث الفضائي للقنوات المحلية لاتخاذ قرارات تدريجية للتقويض كي لا تؤدي إلى صدمة تعوق عملية التصفية النهائية.

ويبدو أن الحكومة تنتهج نفس سياسة رفع الأسعار بصورة تدريجية مع قرار تصفية ماسبيرو، وتسير بصورة بطيئة تصبّ في صالح هدفها على الأمد المنظور بالتخلص من العبء المالي الذي يسببه وجود أكثر 30 ألف موظف دون تأثير ملموس في الرأي العام، وهي رؤية يجري تمريرها أيضا في مؤسسات صحافية مملوكة للدولة.

الحكومة حسمت موقفها بشأن نسف الهيئات المترهلة ولن تبذل جهدا لإصلاحها كما أنها تقوم بتجهيز بدائل

وبرهن غياب الاهتمام الإعلامي عن تغطية ما يجري داخل ماسبيرو من غضب أن هناك رغبة ليظل المحتجون بلا استجابة حقيقية لما ينادون به من مطالب.

ويشير ذلك إلى أن غضب أبناء التلفزيون الرسمي أمر قد يجري توظيفه لصالح التأكيد على رسالة الحكومة للمحتجين أنها تمضي نحو تقليص إنفاقها على وسائل الإعلام.

ولم تعد الاحتجاجات التي يقوم بها العاملون في ماسبيرو تشكل هاجسًا يؤرّق الأجهزة الحكومية، كما كانت في السابق، مع وجود إعلام رسمي مواز يمكن الاعتماد عليه ويقوم بالمهمة بصورة أفضل، متمثلاً في قنوات وصحف مملوكة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي تستحوذ على غالبية وسائل الإعلام المحلية.

وقال محمد (ص)، وهو أحد المشاركين بشكل مستمر في الاحتجاجات التي ظهرت في البهو الرئيسي لمبنى التلفزيون، إن الحكومة بعثت رسائل إليهم تشير إلى عدم استعداداها للاستجابة لمطالبهم بشأن التحقيق مع قيادات في اتهامات بالفساد.

وأضاف لـ”العرب”، شريطة عدم ذكر اسمه، أن التلفزيون الرسمي وصل إلى مرحلة خطيرة من التدهور، وثمة برامج لا تجد الحد الأدنى من الوسائل التقنية لتقديمها، وهناك شبهة تعمد لترك الأوضاع تؤول إلى المزيد من السوء لتبرير تسريح العاملين.

ويؤكد متابعون أن هناك جهودا حكومية لعدم توسيع دائرة الاحتجاج وصمتها على استمرارها لا يعني أن ذلك سيكون مقبولاً به في هيئات أخرى، ما دفع الهيئة الوطنية للإعلام لإخضاع عدد من المشاركين في الاحتجاجات للتحقيق لكبحهم.

الجمهورية الجديدة تتطلب إعلاما جديدا
الجمهورية الجديدة تتطلب إعلاما جديدا

واندلعت شرارة الاحتجاج مع تطبيق الهيئة الوطنية للإعلام لنظام البصمة الذي يلزم العاملين الحضور يوميا لمقر عملهم في ماسبيرو، بصرف النظر عن ممارسة عمل حقيقي أم لا، وتحولت إلى وسيلة للتعبير عن غضب مكتوم بشأن هضم بعض الحقوق المالية للعاملين وأصحاب المعاشات.

وأكد وزير المالية محمد معيط أنه جرى توفير220 مليون جنيه (14 مليون دولار تقريبًا) دعما لماسبيرو، إلى جانب تحويل مبلغ 75 مليون جنيه إضافية (نحو 5 ملايين دولار) لحل مشكلات العاملين فيه، وهي مبالغ لم تحلّ سوى جزء بسيط من الأزمة الراهنة التي هي في حاجة إلى أضعاف هذه الأرقام، حسب بعض العاملين في التلفزيون.

وقابل محتجون عدم اكتراث الحكومة بمطالبهم التي تحولت من كونها مادية فئوية إلى مطالب مهنية ونادوا بعودة وزارة الدولة للإعلام (مجمدة حاليا) بكامل صلاحياتها للإشراف على المجالس والهيئات الإعلامية وتعيين وزير كفء، مع إعادة صياغة قانون إنشاء الهيئة الوطنية للإعلام وإعادة نصوص مواد حق البث الفضائي والأرضي فقط للهيئة الوطنية للإعلام دون غيرها.

وشددوا في بيان لهم قبل أيام حمل عنوان “قرارات وإجراءات مطلوبة” على أهمية إلغاء كافة برامج التطوير المقدمة على شاشات التلفزيون والشبكات الإذاعية وعدم الاستعانة بإعلاميين من خارج الهيئة الوطنية للإعلام والاكتفاء بالعاملين تحت مظلة الهيئة الوطنية للإعلام، وإعادة تشغيل قطاع الإنتاج الدرامي وصوت القاهرة.

وتصاعد الموقف بالمطالبة بتشكيل لجنة من أعضاء الجهاز المركزي للمحاسبات ووزارة المالية وجهاز الكسب غير المشروع لفحص التصرّفات والمستندات المالية والعقود التي تم إبرامها بين الهيئة الوطنية للإعلام والشركات الإعلامية والقنوات وشركات الخدمات والتحقق من بنود صرف الإيرادات المحققة، في إشارة توحي بعدم الثقة في الإدارة الراهنة برئاسة حسين زين التي صوّبت إليها سهام المتظاهرين.

الاحتجاجات التي يقوم بها العاملون في ماسبيرو لم تعد تشكل هاجسًا يؤرّق الأجهزة الحكومية، كما كانت في السابق

ويشير هذا التوجه إلى عمق الاحتقان في صفوف العاملين بماسبيرو بسبب صرف الحكومة مبالغ طائلة على الإعلام شبه الرسمي (الموازي) الذي تشرف عليه من خلال الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بينما أبناء ماسبيرو لا يحصلون على رواتبهم كاملة ويواجهون عثرات مادية متفاقمة، وهو ما تردّ عليه دوائر رسمية بتأكيدها أن الموازنة العامة للدولة لا تتحمل فاتورة الإنفاق على الإعلام.

وقال أستاذ الإعلام بجامعة قناة السويس المصرية حسن علي لـ”العرب” إن الإعلان عن قرار تصفية ماسبيرو مسألة وقت، وأضحى أمرا جليا واستمرار الاحتجاج بلا تدخل رسمي لتطويقها يشي بأن التلفزيون الحكومي وروافده عبء على الدولة.

وأوضح أن استمرار المظاهرات بوضعها الحالي قد يؤدي إلى تدخل حكومي، حال تفاقم الأوضاع أو خروجها عن السيطرة، حيث ستحاول بعض الأجهزة الرشيدة الوصول إلى تفاهم مع المتظاهرين عبر تقديم مسكنات تهدئ غضب الإعلاميين، لكنها لن تتمكن من إنهاء المشكلات المالية والإدارية من جذورها.

وتشير بعض التقديرات إلى أنه يجري الآن تجهيز مقر بديل لماسبيرو في العاصمة الإدارية الجديدة دون إفصاح عن نوعية وأعداد المنقولين للعمل هناك، والأمر لا يقتصر على التلفزيون الرسمي بل سيطال مؤسسات صحافية كبرى مملوكة للدولة.

ويتماشى ما يحدث من تعاطي مع الأوضاع في ماسبيرو مع شعارات إعلامية ترفعها الحكومة التي حسمت موقفها بشأن نسف الهيئات القديمة والمترهلة ولن تبذل جهدا لإصلاحها وتقوم بتجهيز بدائل تتسق مع توجهات الدولة الراهنة باعتبار أن الإعلام الرسمي القديم، على غرار ماسبيرو وملحقاته، كان يعبر عن حقب تاريخية سابقة ولها تصورات سياسية لا تنسجم مع توجهات الجمهورية الجديدة.

16