تجار إيران يبحثون عن متنفس في الخليج من قسوة الحظر

تحمل عودة العلاقات بين طهران ودول خليجية وخاصة السعودية، للتجار الإيرانيين علامات تفاؤل لتخفيف حدة تأثيرات العقوبات الأميركية، والتي أضرت بأعمالهم، لكن الأمر قد يتطلب وقتا لتحقيق مبتغاهم، والذي قد لا يتحقق على النحو الذي يتطلعون إليه.
قشم (إيران) - يعلق التجار الإيرانيون وخاصة في المناطق المحاذية لدول الخليج العربي آمالا على أسواق المنطقة وخاصة السعودية على وجه التحديد، والتي تقود ثورة تنموية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، ستجعلهم يجنون بعض العوائد لمقاومة الحظر القاسي.
ويبقى حصول هؤلاء التجار على جرعة أوكسيجين تجارية في أكبر أسواق الخليج، والتي تتقدمها السعودية والإمارات، هربا من العقوبات، رهن اتخاذ قرارات بشأن إعادة انطلاق العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والسياحية بين الطرفين.
وتمنع العقوبات الأميركية شركات الولايات المتحدة والشركات الأجنبية من التعامل مع إيران، مما يؤثر على قطاعات الطاقة والشحن والمالية الإيرانية، وهو ما تسبب في جفاف الاستثمارات الأجنبية.
تضرر أعمال معظم سكان جزيرة قشم القريبة من مضيق هرمز أحد الأدلة على مدى تأثير الأوضاع الجيوسياسية على التجار
وكانت صادرات النفط الأكثر تضررا، وانكمش الاقتصاد حتى مع التفاف طهران على الحظر ومحاولاتها المضنية لتحقيق إيرادات أكبر من ارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية. وعلاوة على ذلك ارتفع معدل البطالة وتأثر سكان الأرياف بشكل بالغ جراء الأوضاع.
ولعل الضغوط على الأعمال في قشم أحد الأدلة على ذلك. ويقول التاجر محمد بازماندكان إنّ “المهمّ في الحياة أن نكون على علاقة طيّبة مع الجيران”، معلّقا آمالا كبرى على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين بلاده ودول الخليج بعد سبع سنوات من التوتّر.
ويستورد الرجل الخمسيني من دبي القسم الأكبر من الأدوات الكهربائية المنزلية، التي يبيعها في متجره الكبير في قشم الجزيرة الواقعة في جنوب إيران على مضيق هرمز، الممرّ البحري الإستراتيجي في الخليج.
ويوضح التاجر لوكالة فرانس برس أنّه “يتابع باهتمام” التقارب بين إيران والسعودية، القوتين الكبريين في منطقة الشرق الأوسط، اللتين ستعيدان فتح سفارتيهما رسميا خلال الأيام المقبلة في الرياض وطهران.
وأعلن البلدان في العاشر من مارس الماضي التوصّل إلى اتّفاق برعاية صينية لاستئناف العلاقات بعد قطيعة استمرت سبع سنوات، إثر مهاجمة البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران على خلفية إعدام السلطات في الرياض رجل الدين الشيعي نمر النمر.
وقبل الأزمة كان ثمة تعاون بينهما إلى درجة أن المبادلات التجارية بين البلدين ظلت تحوم في المتوسط حول 900 مليون دولار، إلى أن انخفضت إلى قرابة 15 مليون دولار بنهاية العام الماضي.
ويأمل تاجر آخر في الجزيرة هو حسن إبراهيمي (52 عاما) في أن يتيح الانفراج في المنطقة “تحسين العلاقات مع باقي أنحاء العالم”، وأن يؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية، التي يفرضها الغرب وعلى رأسه الولايات المتّحدة، على إيران.
وتعاني جزيرة قشم بفعل موقعها المركزي من تبعات الأوضاع الجيوسياسية، إذ يستمدّ قسم كبير من سكّانها البالغ عددهم 150 ألف نسمة مواردهم منذ قرون من المبادلات التجارية مع شبه الجزيرة العربية وجنوب آسيا وسواحل شرق أفريقيا.
ومن بين هؤلاء الستيني حسن رستم، الذي يبحر “منذ أربعين سنة” بين السواحل الإيرانية وإمارة دبي الواقعة على مسافة أقلّ من مئتي كيلومتر.
وقال الرجل الذي يملك “لنجا”، وهي سفينة خشبية تقليدية شائعة الاستخدام في مرافئ الخليج، “أحمل شتّى أنواع الخضار إلى الإمارات انطلاقا من قشم وبندر عباس”.
وتراجعت حركة الملاحة بين الضفتين بعد القطيعة الدبلوماسية بين دولة الإمارات وإيران في العام 2016، من غير أن تتوقف تماما بفعل استمرار الحركة التجارية والأعمال والتقاليد.
وقال بازماندكان “حتى لو أن السوق باتت أقلّ استقرارا، فإنّ علاقات الثقة المتبادلة، ثمرة سنوات من التعاون، سمحت للتجار الإيرانيين والإماراتيين بمواصلة مبادلاتهم”.
ويظهر ذلك من خلال تشكيلة البضائع الواسعة التي يوفّرها متجره في وسط قشم، من المراوح إلى أجهزة القهوة والغسالات من كبرى العلامات التجارية الدولية إلى التجهيزات الكهربائية المنزلية مثل فيليبس وتوشيبا، الآتية في الغالب من دول تفرض عقوبات على طهران.
وأوضح التاجر الإيراني، وهو يشير إلى السلع المكدسة في متجره، لفرانس برس أنّ هذه البضائع تصل “بفضل وسطائنا الإماراتيين”، مشددا على أن “90 في المئة من المنتجات” المعروضة “قادمة من دبي”.
ويقرّ الرجل بأنّ الكثير من تجار الجزيرة كافحوا في السنوات الأخيرة “لتفادي الإفلاس”، مشيرا إلى أن “أحد المنافسين توفي إثر نوبة قلبية بسبب التقلبات اليومية في الأسعار”.
ولطالما أشارت تقارير ترصد التعاملات التجارية في منطقة الخليج إلى أن العقوبات الأميركية لم تردع الإيرانيين من الحصول على السلع المحظورة، سواء تجهيزات إلكترونية أو معدات تقنية وسلع غذائية وخاصة من العراق المجاور.
90
في المئة من المنتجات ظلت تدخل المدن الساحلية الإيرانية قادمة من أسواق مثل دبي
وقال نورالدين تاتا، الذي يملك بيت ضيافة في وسط قشم، إن “بمعزل عن التجارة، انعكس قطع العلاقات على حياتنا الخاصة أيضا”.
وأوضح أنّ سكان الجزيرة عانوا “ضغطا نفسيا” بسبب صعوبات المعاملات الإدارية وحركة النقل من أجل “استقدام أو زيارة أفراد عائلتهم المقيمين” في دول الخليج.
وثمّة مئات الآلاف من الإيرانيين بين الملايين من الأجانب المقيمين في دولة الإمارات، بعضهم منذ عقود.
ومع التقارب الجاري، من المتوقع أن تستأنف إيران الرحلات الجوية مع دول الخليج. وأفادت السلطات بأنّها تعتزم تنظيم ثلاث رحلات جوية أسبوعية بين طهران والرياض.
كما تطمح طهران إلى الاستفادة من تطوير المناطق الحرة التي أقامتها منذ نحو ثلاثة عقود من أجل اجتذاب مستثمرين وسياح أجانب إلى جنوب البلد.
وتنعم قشم بفضل جزيرة كيش السياحية الصغيرة وميناء جابهار على المحيط الهندي، بإعفاءات ضريبية وحرية في استيراد وتصدير البضائع.
وتسعى الجزيرة لاجتذاب سياح إيرانيين إلى مراكزها التجارية الضخمة بحثا عن منتجات أجنبية لا يجدونها في متاجر أخرى، من الشوكولاتة إلى الملابس ذات العلامات التجارية الفاخرة.
وقال تاتا إنّ منذ القطيعة مع دول الخليج “لم تعد المتاجر تعرض التشكيلة ذاتها من البضائع، وتراجع عدد روّادها”. ولكنه يأمل اليوم على غرار العديد من سكان قشم في أن يضع استئناف العلاقات مع دول الخليج الجزيرة على خارطة القبلات الرائجة في الشرق الأوسط.
