تجارة الفائدة على الليرة تحت تهديد تقلب سياسات تركيا

تواجه تجارة الفائدة على الليرة التركية ضغوطا متزايدة مع تبني أنقرة إستراتيجيات اقتصادية تهدف إلى كبح التضخم واستقرار العملة. فبينما كانت وجهة للمستثمرين الباحثين عن عوائد مرتفعة، باتت سياسات صناع القرار النقدي تأتي بنتائج عكسية، ما يؤكد التخبط في ضبط الأوضاع.
أنقرة – بدأت الإجراءات الأخيرة التي اعتمدتها تركيا وعلى رأسها العودة إلى تشديد السياسة النقدية، وزيادة الرقابة على تدفقات رؤوس الأموال، تهدد بإضعاف تجارة الفائدة على الليرة.
وفي أحدث تأكيد على هذا الأمر حذر بنك غولدمان ساكس غروب من أن أنجح إستراتيجية تجارة فائدة في العالم باتت مهددة، في وقت سمح فيه البنك المركزي التركي بتراجع قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي بوتيرة أسرع من المعتاد.
وتعني تجارة الفائدة الاقتراض في دول وبعملات بها أسعار فائدة منخفضة نسبيا، مثل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، واستثمار الأموال المقترضة في دول بها أسعار فائدة أعلى، مثل تركيا.
وقال خبيرا غولدمان ساكس، كليمنس غرافه وباشاك إديزغيل، في مذكرة للمتعاملين نُشرت الخميس، إن “سماح المركزي بانخفاض الليرة قد يكون بهدف الحد من تدفق الأموال الساخنة، والاستجابة لشكاوى المصدرين الذين يعتبرون أن العملة مبالغ في تقييمها.”
ورجّح الخبيران أن البنك قرر عدم التركيز على إعادة بناء الاحتياطيات من خلال تدفقات الأموال الأجنبية الناتجة عن تجارة الفائدة، وبالتالي قد يكون السماح بتراجع الليرة جزءا من سياسة تهدف إلى إبقاء هذه الأموال في الخارج.
وتعكس المذكرة محاولات المستثمرين المستمرة لفهم سبل تكيف المركزي التركي مع تداعيات الأزمة السياسية الداخلية التي بدأت منذ مارس الماضي.
وتنتهج الإدارة الاقتصادية الجديدة، التي شكلها الرئيس رجب طيب أردوغان بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، سياسة تعتمد على “الارتفاع الحقيقي”، أي القدرة الشرائية، وهو ما يعني السماح بضعف الليرة، ولكن بمعدل أقل من التضخم.
وتهدف هذه الخطوة إلى تقليل الضغوط السعرية الناجمة عن ضعف قيمة الليرة أمام الدولار، في واحدة من أكثر الأسواق الناشئة تضررا بفعل التقلبات الإقليمية والعالمية.
وغالبا ما ينظر المستثمرون المحليون والأجانب إلى سعر صرف الليرة مقابل العملة الأميركية بوصفه مؤشرا على قوة الاقتصاد التركي.
وتراجعت الليرة وتدهورت التوقعات التضخمية عقب اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وهو منافس بارز محتمل في الانتخابات الرئاسية، ما دفع السلطة النقدية إلى التراجع عن دورة خفض الفائدة التي بدأت في ديسمبر الماضي.
ورغم ذلك، فإن وتيرة هبوط الليرة الحالية تتناقض مع هدف صانعي السياسات في كبح التضخم من نحو 38 في المئة الشهر الماضي إلى 24 في المئة بحلول نهاية العام الجاري، ثم إلى 12 في المئة في 2026.
ويعتقد غرافه وإديزغيل أن المركزي سيتخلى على الأرجح عن سياسته الحالية بشأن سعر الصرف، مع استئناف دورة خفض الفائدة في اجتماع يوليو المقبل.
وقالا “نرى أن السياسة الحالية لسعر الصرف تمثل تحركا استباقيا من البنك لامتصاص مقدار التراجع المطلوب في قيمة الليرة.”
1.6
في المئة نسبة انخفاض الليرة مقابل الدولار خلال هذا الشهر، بعدما انخفضت 1.4 في المئة في أبريل
وانخفضت العملة التركية بما يقارب 1.6 في المئة مقابل الدولار خلال هذا الشهر، بعدما انخفضت 1.4 في المئة خلال الشهر السابق.
وعلى مدى العامين الماضيين، أسهمت الفائدة المرتفعة وقوة أداء الليرة بعد احتساب تضخم أسعار المستهلكين، في تدفق رؤوس الأموال نحو تركيا عبر تجارة الفائدة، وهي طريقة استثمارية تقوم على الاقتراض بعملة منخفضة العائد في عملة ذات عائد أعلى.
لكن تلك التدفقات فاقمت صعوبة إدارة السيولة النقدية لدى المركزي التركي، إذ استُخدمت لبناء احتياطياته من النقد الأجنبي، في وقت ضخت فيه المليارات من الليرات في النظام المالي.
ووصل الأمر في أحد المراحل إلى أن البنك كان يواجه فائضا في السيولة تجاوز تريليون ليرة (39.2 مليار دولار)، ما شكل تهديدا لسياسته النقدية المتشددة.
وعلاوة على ذلك، تحولت تلك المراكز الأجنبية إلى عبء، إذ سارع المستثمرون الدوليون إلى التخلص من أصول الليرة عقب اعتقال إمام أوغلو، ما زاد من حدة الاضطرابات في الأسواق.
ومع إنفاق صانعي السياسة النقدية المليارات من الدولارات في محاولة للحد من التدهور الحاد في الليرة خلال مارس انخفض احتياطي النقد الأجنبي لدى تركيا بمقدار 15 مليار دولار.
وسجل بذلك أكبر تراجع منذ الانتخابات الرئاسية عام 2023، ما يعكس مدى القلق الذي انتاب المستثمرين عقب سجن معارض سياسي بارز في البلاد.
وأظهرت بيانات ميزان المدفوعات، وهو أكبر مقياس لتدفقات التجارة في السلع والخدمات، عجزا بقيمة 4.1 مليار دولار في مارس الماضي، مقارنة مع عجز معدل قدره 4.3 مليار دولار في الشهر السابق.
بنك غولدمان ساكس غروب حذر من أن أنجح إستراتيجية تجارة فائدة في العالم باتت مهددة
ويواجه الاقتصاد التركي المزيد من المطبات في طريق تعافيه خلال العام الجاري، حيث تتجدد محنه على لسان المسؤولين رغم ترويجهم المتواتر لجدوى الإصلاحات التي يقودها أردوغان.
وفي وقت سابق هذا الشهر أكد وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك أن هدف خفض التضخم يُمثل جوهر برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعته الحكومة لتتمكن البلاد من تمهيد الطريق لنمو مستدام.
وقال خلال جلسة حوارية خلال منتدى قطر الاقتصادي إن قطاع التصنيع، الذي يمثل 23 في المئة من الناتج المحلي لبلاده، “لا يزال يعاني نتيجة ركود الطلب من الشركاء الرئيسيين في منطقة اليورو.”
وأقر بأن الحكومة “على دراية بأن قطاعات معينة في الاقتصاد تواجه اضطرابات، ونحن نبحث عن حلول محددة لمعالجة بعض الآثار الجانبية مع الحفاظ على مسار البرنامج.”
وأضاف “يتعين علينا تحمل بعض الصعوبات المؤقتة، فلا يوجد علاج يخلو من الآثار الجانبية،” لكنه نوّه بأن قطاعات أخرى في الاقتصاد، مثل قطاع الخدمات، تؤدي بشكل جيد ويوفر فرص عمل.
ولا يتردد المسؤولون في الدفاع عن سياساتهم، حيث يؤكدون، أن الوضع المالي للدولة قوي، وأن تركيا تتمتع باقتصاد ضخم ومتنوع وبنية تحتية جيدة وقاعدة كبيرة من العمالة المؤهلة وتكامل إقليمي.
ويقول شيمشك، الذي جاء تعيينه بمثابة صديق للسوق ويمثل تحولا عن التدابير غير التقليدية، إن هذا يضعها على رأس قائمة الأسواق الجاذبة للاستثمارات المباشرة “متى ما هدأت الأوضاع.”
وتباطأ النمو في الربع الأول من 2025 ليبلغ واحد في المئة من 1.7 في المئة قبل عام مع استمرار أسعار الفائدة المرتفعة في الضغط على النشاط الاقتصادي رغم التخفيضات الثلاثة السابقة التي تبناها المركزي.