تبون يمدد حالة الترقب بشأن ترشحه للانتخابات الرئاسية

الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يسقط مرة أخرى في دوامة الأرقام.
الاثنين 2024/04/01
في غياب الواقعية

الجزائر – مدد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حالة الانتظار والترقب التي تحوم حول إمكانية ترشحه لولاية رئاسية ثانية من عدمها، حيث رفض الإفصاح عن موعد الإعلان عن ذلك، لكنه أطلق في المقابل خطابا شعبويا اعتبر الكثير من محتواه حملة انتخابية مبكرة، لاسيما الحديث عن أرقام تم تحقيقها دون بيانات واضحة يستند إليها.

ورفض تبون الكشف عما إذا كان ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في السابع من سبتمبر القادم أم لا، وأعرب عن تمسكه باستكمال تنفيذ تعهداته الانتخابية حتى وإن لم يبق من عمر العهدة الرئاسية إلا أشهر  قليلة.

وذكر في تصريح أدلى به للصحافة المحلية أن “الوقت المناسب لإعلان القرار لم يحن بعد، وأن مسألة الترشح هي بيد الشعب الجزائري وهو من يقرر ذلك أو يعترض عليه، وأن الأولوية في الظرف الراهن هي لزيارات ميدانية سيقودها إلى عدة محافظات على غرار خنشلة والجلفة وتيزي وزو”.

وقطع تبون على المنافسين طريق الاستحقاق الرئاسي؛ إذ لم يترك للمرشحين الراغبين في دخول سباق قصر المرادية إلا مهلة خمسة أشهر بداية من الآن إلى غاية يوم الاقتراع، في حين أن العملية تتطلب إمكانيات بشرية ومادية ضخمة ووقتا كافيا، وهو ما لن يكون في إمكان أي منهم توفيره، باستثناء مرشح السلطة.

إرجاء إعلان الترشح ينطوي على رغبة في ترتيب أوراق السلطة المبعثرة وجس نبض الدوائر المشكوك في ولائها

وقد ينطوي إرجاء إعلان الترشح من عدمه على رغبة في ترتيب أوراق مبعثرة لدى السلطة، وجس نبض الطبقة السياسية والدوائر المشكوك في ولائها، وربما السعي لتحقيق إجماع الأجنحة النافذة حول شخصية الرئيس تبون، وتوسيع القاعدة السياسية والشعبية تفاديا لتجربة عام 2019 التي أفرزت تبون رئيسا بأقل نسبة مشاركة في تاريخ الاستحقاقات الرئاسية.

وبحسب متابعين للشأن الجزائري لا تتعلق المسألة بمرور الرئيس تبون إلى ولاية رئاسية ثانية بقدر ما تتعلق بالطريقة التي يمر بها، والتي تحدد مسار ومستقبل السنوات الخمس القادمة من عمر الجزائر؛ فكما يمكن أن تكون صكا على بياض يستلمه تبون لتدارك ما فاته في الولاية الحالية، يمكن أن تكون أيضا بوابة أزمة مجهولة العواقب، إذا تعمد الرجل ممارسة المرور القوي، بدءا من تزوير الانتخابات وتضخيم النتائج ووصولا إلى استغلال مؤسسات الدولة لدعم مرشح السلطة، ومرورا بمنافسة نفسه بنفسه عبر مجموعة ما يعرف بـ”أرانب السباق”.

وانخرط تبون في حملة الدفاع عن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية من شهر ديسمبر إلى شهر سبتمبر، بإثارة ذرائع ومبررات جرى تداولها على نطاق واسع داخل الدوائر السياسية والإعلامية الموالية للسلطة، وأعاد تكرار ما وصفه بـ”الشروط التقنية” لتقديم الموعد، وليس “فلسفة وتكهنات الدوائر المغرضة”.

وألمح تبون، من خلف المسألة التقنية، إلى “العودة للزمن الطبيعي للاستحقاقات الانتخابية، واستغلال عودة المجتمع من موسم العطل والإجازات لاستقطابه في الفعل الانتخابي، والاستفادة حتى من الظروف المناخية لضمان مشاركة واسعة، عكس شهر ديسمبر، الذي يتميز بأيامه القصيرة وطقسه المتقلب”.

وانخرط تبون مجددا في دوامة الأرقام والتعهدات والبيانات، الأمر الذي يجعل مداخلته في الإعلام الحكومي حملةً دعائية مبكرة، بعدما عاد إلى وعود بعيدة عن الواقعية الاقتصادية والسياسية، كرفع الرواتب إلى سقف مئة في المئة في غضون عام 2027، ورفع الناتج الداخلي الخام للبلاد خلال العامين القادمين إلى 400 مليار دولار، فضلا عن رفع قيمة العملة المحلية (الدينار)، وخفض مستويات التضخم في الفترة نفسها، كل ذلك دون أن يوضح تبون مصدر تمويل تلك المساهمات، ولا كيفية معالجة الاختلال الذي تسببه في الموازين والحسابات الكبرى للدولة.

هذا فضلا عما قال إنها عائدات النشاط الزراعي المقدرة بنحو 25 مليار دولار، ونمو مساهمة القطاع في الناتج المحلي الخام إلى 18 في المئة، وهي بيانات غير دقيقة بحسب مختصين، خاصة وأن البلاد مازالت من أكبر الدول المستوردة للقمح اللين والصلب ولبودرة الحليب.

ويحسب على الرئيس تبون افتقاد خطاباته المتكررة إلى الواقعية، خاصة لما يتعلق الأمر بالِشأن الاقتصادي والمالي، ما جعله في أكثر من مرة في مواجهة انتقادات خصومه، بسبب بيانات غير متحكم فيها، لاسيما حين يتحدث عن تحويلات اجتماعية ضخمة دون أن يشير إلى مصادر التمويل وتأثيراتها على السيولة وعلى الأسعار.

كما تعهد بزيارة بعض المحافظات في غضون الأشهر القليلة القادمة للاطلاع على وتيرة التنمية ومعاينتها، وهو رهان شعبوي يراد منه استمالة سكان بعض المحافظات كالجلفة وخنشلة وتيسمسيلت وتيزي وزو خلال الاستحقاق الرئاسي، فتبون غاب طيلة السنوات الماضية عن النشاط الميداني الداخلي لأسباب مجهولة، ولم يتفطن للمسألة إلا شهورا قليلة قبل نهاية العهدة.

وعلى الصعيد الدبلوماسي والإقليمي عاد الرئيس الجزائري إلى اللغط الذي أثير بشأن ميلاد تكتل إقليمي في المنطقة على أنقاض المغرب العربي، حيث أكد ما تناوله في وقت سابق وزير الخارجية بشأن الكيان المغاربي الجديد، وشدد على أن “المبادرة لن تقصي أي أحد من المنطقة، ولن تكون ضد أحد”، وهي رسالة طمأنة لدول مجاورة، خاصة بعد امتعاض المغرب من اللقاء الذي احتضنته الجزائر على هامش قمة الغاز مطلع الشهر الماضي ضم كلا من البلد المضيف وتونس وليبيا.

وصرح الرئيس تبون بأن “الاتحاد الجزائري – التونسي – الليبي ليس ضد أي دولة أو أنه يريد عزل أي طرف، هناك أمور مشتركة تهمنا، المغرب العربي ميت سريريا ومؤسساته وهيئاته مشلولة، والوضع يحتاج إلى تشاور وتنسيق جهود بين دول المنطقة في فضاء معين، لن يكون بديلا للفضاء الطبيعي والتقليدي لدول المنطقة”.

1