تبون يضع يده على جهاز الشرطة لإحداث التوازن مع أذرع الجيش

الجزائر - أجرى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حركة تغيير واسعة داخل جهاز الشرطة، لاسيما المديريات المركزية كدائرة الاستخبارات، الأمر الذي يسمح للجهاز باستعادة توازنه مقارنة مع الأجهزة الأمنية والعسكرية الأخرى، ويمكنه من اكتساب نفوذ وصلاحيات جديدة داخل مفاصل الدولة.
وعيّن الرئيس تبون أربعة مدراء مركزيين جدد في قيادة جهاز الشرطة، كما أجرى تغييرات واسعة على رأس المديريات الولائية (المحافظات) للأمن، الأمر الذي يعطي الانطباع بأن الرجل الأول في الدولة بصدد إيلاء أهمية للجهاز الذي تراجع دوره ونفوذه في السنوات الأخيرة.
ومست التعيينات الجديدة بشكل دقيق دوائر الاستعلامات العامة، وقمع الإجرام، إلى جانب الأمن العمومي والشرطة العامة، وهي مناصب حساسة في الجهاز يراهن عليها لأداء دورها بشكل أكثر فعالية وتنافسية مع الأجهزة الأمنية الأخرى، خاصة تلك التابعة للمؤسسة العسكرية والدرك الوطني.
وتعتبر هذه الحركة هي الأولى من نوعها التي أجراها الرئيس تبون، منذ انتخابه رئيسا للبلاد نهاية العام 2019، مما يوحي بأن مؤسسة الرئاسة تريد توظيف المؤسسة الشرطية الواقعة تحت وصاية وزارة الداخلية، في إحداث توازن بين المؤسسات المختصة، خاصة أن للولاءات أحكامها في استمرار النظام السياسي الجزائري.
ومنذ حادثة شحنة الكوكايين التي احتجزت من طرف الجيش في مايو 2018، هيمنت الأذرع الأمنية التابعة للجيش على إدارة الملفات الأمنية وتسييرها بما فيها تلك التي تتعلق بالحياة العامة، خاصة بعدما استعادت صلاحية الضبطية القضائية التي تتيح لها التوقيف والتحقيق والاقتحام في مختلف القطاعات والملفات.
ومنذ تهميش الجهاز آنذاك في معالجة القضية واضطلاع المؤسسة العسكرية بالملف الذي هز أركان مؤسسات مدنية وعسكرية، سجل الأمن الشرطي تراجعا لافتا في الدور والنفوذ، بما في ذلك المساهمة في صياغة القرارات الكبرى، رغم أن قائده يعتبر أحد أعضاء هيئة المجلس الأعلى للأمن الذي بات يعقد دوريا منذ انتخاب تبون رئيسا للبلاد.
◙ بصمة مؤسسة الرئاسة ظهرت جلية في الحركة الواسعة التي جرت على الجهاز والأمر على صلة بمسألة التوازنات والولاءات بين أجنحة السلطة
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن بصمة مؤسسة الرئاسة ظهرت جلية في الحركة الواسعة التي جرت على الجهاز، وأن الأمر على صلة بمسألة التوازنات والولاءات بين أجنحة السلطة، حيث أراد منه الرئيس تبون تفعيل الجهاز وغرس عناصر موالية له، لأن ولاء الأجنحة الأخرى تبقى غير مضمونة بالنسبة إليه.
ويضم جهاز الشرطة الجزائري المعزز في السنوات الأخيرة بالعديد من الفصائل المختصة في مختلف المجالات نحو 250 ألف عنصر، وهو وعاء راهنت عليه سلطة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة لإحداث التوازن مع الأجهزة الأمنية والعسكرية الأخرى، وحظي خلالها باهتمام وموازنة مالية مهمة وصلت العام 2013 إلى خمسة مليارات دولار.
وكان الجنرال المسجون عبدالغني هامل، المستقدم من جهاز الدرك الوطني التابع لوزارة الدفاع الوطني، عين من قبل بوتفليقة على الجهاز وكان ذراعه الأمنية التي زحزح بها آنذاك سطوة الجيش، غير أن التطورات المتسارعة منذ العام 2018، دفعت بالجهاز إلى الخلف، قبل أن تظهر نوايا الرئيس تبون، في تفعيله من جديد.
وأوحت العمليات الأخيرة، التي قام بها الجهاز حين أسقط عمليتين منفصلتين لإدخال نحو قنطار من مادة الكوكايين المخدرة، فضلا عن تفكيك العديد من الشبكات المتصلة بالأمن الإستراتيجي والسيبراني، بأن قيادة المؤسسة تريد توجيه رسائل حول عودتها إلى الواجهة كمؤسسة فاعلة في إرساء الأمن العام للبلاد ومحاربة مختلف أشكال الجريمة.
ويبدو أن الرئيس تبون، الذي لم تظهر بصمته في بلورة الحركة السنوية لترقية ضباط المؤسسة العسكرية وإحالة العناصر الأخرى على التقاعد، وهي العملية التي هيمن عليها الرجل الأول في المؤسسة العسكرية الجنرال سعيد شنقريحة، يريد خلق قوة موازية تخضع لتصوراته عبر تفعيل دور المؤسسة الأمنية الشرطية وإعادتها إلى وضعها الطبيعي.
ويضم جهاز الشرطة الجزائري دائرة للاستعلامات العامة، شأنها في ذلك شأن الدوائر التابعة للمؤسسة العسكرية، ولذلك فهي تمثل قوة استعلامية يمكن أن تفيد دوائر السلطة، الأمر الذي قد يغني رئيس الدولة عن التقارير التي تقدمها دائرة الأمن الداخلي التابعة لجهاز الاستخبارات، في ظل تعدد الولاءات والأجنحة داخل السلطة.
ومنذ تنحية القائد التاريخي لجهاز الاستخبارات الجنرال محمد مدين (توفيق) في العام 2015 من منصبه من طرف مؤسسة الرئاسة، أدرجت على الجهاز هيكلة جديدة، تمثلت في بداية الأمر باستحداث منصب المنسق العام للأجهزة الأمنية يقع تحت وصاية رئاسة الجمهورية، شغله الجنرال عثمان طرطاق (بشير)، إلى غاية سجنه العام 2019 ، في إطار الثورة التي أحدثها قائد الجيش الراحل الجنرال أحمد قايد صالح.