تبون يسعى لتوحيد الجبهة الداخلية خلفه من دون أي تنازلات سياسية

جدد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون من خطابه الداعي إلى وحدة الصف في مواجهة التحديات القائمة، لكن نشطاء يرون أن تحقيق الوحدة يتطلب تفهم مشاغل القوى السياسية والمجتمع المدني، والاستجابة لمطالبها المشروعة لاسيما في علاقة بإنهاء سياسة تكميم الأفواه.
الجزائر - عاد خطاب توحيد الجبهة الداخلية ورص الصفوف على لسان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وحليفه السياسي رئيس حركة البناء الوطني ومرشح الانتخابات الرئاسية السابقة عبدالقادر بن قرينة، مع تزايد التحديات الداخلية والمخاطر الإقليمية، لكن في المقابل يسود غموض حول إجراءات تهدئة محل طلب ملح، خاصة بالنسبة للمعارضين السياسيين، وهي الخطوة التي ينتظرها هؤلاء للدخول في أي مبادرة تضع الجميع في خندق واحد.
استغل الرئيس الجزائري فرصة الذكرى الثانية والستين لعيد النصر المصادف للتاسع عشر من مارس، ليجدد خطاب الجبهة الداخلية ورص الصفوف، تحسبا لما أسماه بـ”مناورات عدائية ومؤامرات وتوترات إقليمية تستهدف أمن واستقرار البلاد”.
وتقاطعت رسالة الرئيس الجزائري مع محتوى التصريح الذي أدلى به حليف السلطة بن قرينة، في أعقاب استقباله من طرف تبون في مكتبه بقصر المرادية، مما يوحي بأن السلطة مدعومة بأذرعها السياسية، بصدد تجديد خطاب “الجبهة الداخلية ورص الصفوف” و”للتحذير من مخاطر قريبة”، لكن الدعوة تبقى معلقة على موقف وردود فعل أطراف سياسية معارضة تدعى في كل مرة للانخراط في مقاربة معينة دون الالتفات حتى إلى مطالبها الأساسية.
ويشن ناشطون سياسيون وإعلاميون ومدونون منذ أيام حملة على شبكات التواصل الاجتماعي بعنوان “أطلقوهم”، ويقصد بذلك “إطلاق سراح 228 موقوف رأي”، وتدعو الحملة إلى توسيع التضامن والضغط على السلطة من أجل إطلاق سراح سجناء الرأي، الذين تنفي السلطة وجودهم تماما.
نشطاء وإعلاميون يشنون منذ أيام حملة على شبكات التواصل الاجتماعي تحمل عنوان "أطلقوهم"، في إشارة إلى سجناء الرأي
وقال الرئيس تبون، في رسالة وجهها للجزائريين بمناسبة الذكرى الـ62 لعيد النصر المصادف للتاسع عشر من كل شهر مارس “نحتفي بهذه الذكرى الخالدة في ظروف إقليمية ودولية تستوجب تكاتف جهود الجميع لرص الصفوف وتقوية الجبهة الداخلية وتستدعي ترتيب الأولويات من منظور وطني إستراتيجي ومن منطلق ضرورة الاضطلاع بالمسؤوليات على أكمل وجه إزاء التحديات التي تواجه بلادنا”.
وتأتي في مقدمة هذه الأولويات، بحسب الرئيس الجزائري، “الحرص على المساهمة الجماعية الواسعة في حفظ الاستقرار الذي ينعم به الشعب الجزائري في جوار يتسم بالتوتر المنذر بتهديد السلم والأمن في المنطقة وفي عالم تطبعه نزاعات وصراعات واستقطابات معقدة”.
وأشاد بـ”المواطنات والمواطنين لما يتحلون به من وعي وطني عال، وبالجهود المحمودة للفاعلين في ساحة النشاط الجمعوي والمجتمع المدني، وبالرجال الأشداء المرابطين على الحدود من أفراد الجيش الوطني الشعبي وبما يبذله الساهرون على الطمأنينة والسكينة في المجتمع من أسلاك الأمن الذين يحرصون بأقصى درجات اليقظة على أداء مهامهم النبيلة”.
واكتفى الرئيس الجزائري بإطلاق رسائل مهادنة للقوى السياسية والفعاليات الأهلية الموالية للسلطة، ولم يورد أي إشارة إلى الأطراف الوازنة في المشهد السياسي والقادرة على تحقيق مقاربة الجبهة الداخلية المتماسكة والصفوف المرصوصة، خاصة في ظل التراجع غير المسبوق لمساحات الحريات السياسية والإعلامية والتعبير عن الرأي المعارض للسلطة.
ولا تزال السلطة تنفي وجود معتقلي رأي في سجون البلاد، رغم الحملات المفتوحة التي تخوضها هيئات ومنظمات حقوقية وإقليمية، وكان آخرها مقررو مؤسسات أممية شددوا على ضرورة احترام الجزائر لمدونة الحقوق الأساسية للإنسان وتوفير الحد الأدنى من مناخ التعبير الحر للفرد، لكن في المقابل تعتبر السلطة هؤلاء الموقوفين من المحكوم عليهم في إطار الحق العام وليس بسبب النشاط السياسي أو التعبير عن الرأي.
وتقاطعت رسالة الرئيس الجزائري مع ما صرح به رئيس حركة البناء الوطني عقب اللقاء مع تبون، حيث أكد على “أهمية تمتين الجبهة الداخلية لمواجهة مختلف التحديات لاسيما محاولات بعض الأطراف الساعية لزعزعة استقرار البلاد”.
وقال “اللقاء كان إيجابيا ومثمرا، وتم خلاله التطرق إلى عدة قضايا وطنية ودولية، وتركز على ضرورة تمتين الجبهة الداخلية حتى لا يتم ترك أي منفذ لاختراق الساحة الجزائرية وتمزيق الصفوف، وعلى ضرورة أن يعي الجزائريون حقيقة المخاطر الخارجية التي دمرت دولا أخرى، ومحاولات تمزيق الصف الوطني”.