تبون يرفض زيارة فرنسا تحت عباءة "كانوسا"

لا أفق للانفتاح السياسي خلال الولاية الرئاسية الثانية.
الاثنين 2024/10/07
تبون يرد الفعل على تقلب الموقف الفرنسي من قضايا مشتركة

أكد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون موقفه الرافض لزيارة فرنسا، في خطوة يرى مراقبون أنها تمهد لمرحلة جديدة من القطيعة في العلاقات بين البلدين خصوصا بعد تعبير باريس عن موقفها الداعم لملف الصحراء المغربية.

الجزائر - عبّر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في لقاء صحفي عن رفضه زيارة فرنسا، وألمح إلى أنه يرفض التذلل للفرنسيين في ظل النوايا والأهداف التي يسطرونها، بالقول لن أذهب إلى “كانوسا” وهي الحادثة التي ترمز للتذلل، الأمر الذي يوحي بأن تطبيع العلاقات بين البلدين ليس قريبا، خاصة في ظل التقارب الذي ظهر بين باريس والرباط، عقب إعلان قصر الإليزي عن دعمه للمقاربة المغربية في حل نزاع الصحراء.

وألغى الرئيس الجزائري الزيارة التي كانت مبرمجة نهاية الشهر الماضي أو مطلع الشهر الجاري إلى فرنسا، كرد فعل من بلاده على تقلبات الموقف الفرنسي تجاه عدد من القضايا والملفات المشتركة بين البلدين، لتعود بذلك علاقاتهما الثنائية إلى مربع الصفر.

وإذا كان الرجل قد صرح في وقت سابق بأنه لن يذهب إلى فرنسا من أجل السياحة، في تلميح إلى أي طابع شكلي يغطي على طبيعة الملفات العالقة والمشاكل المتراكمة بين البلدين، فإنه ذهب إلى أبعد من ذلك في التصريح الذي أدلى به لوسائل إعلام محلية في إطار ما يعرف بـ”اللقاءات الدورية مع وسائل الإعلام"، لما صرح بأنه لن يذهب إلى "كانوسا".

و”كانوسا” حادثة تاريخية وقعت في القرن الحادي عشر في قلعة “كانوسا” الإيطالية، مورست فيها طقوس الذل والهوان، حيث اضطر الإمبراطور هنري الرابع إلى الذهاب إلى قلعة كانوسا وقضاء ثلاثة أيام في ظروف مناخية صعبة، من أجل مقابلة البابا غريغوري بغية استرجاع ملكه.

وحملت رسالة تبون إشارة صريحة للفرنسيين بأنه لن يزور بلادهم من أجل التذلل كما يعتقد من وصفهم بـ"التيار المتطرف" الذين هيمنوا على مراكز القرار في فرنسا، في إشارة إلى اليمين واليمين المتطرف الذي يحمل نزعة استعمارية لم يتخلص منها إلى الآن، حسب المتحدث.

وكانت الجزائر قد أعلنت منذ عدة أشهر عن زيارة للرئيس تبون إلى فرنسا نهاية شهر سبتمبر الماضي أو مطلع شهر أكتوبر الجاري، وذلك حتى قبل أن يتقرر مصير ونتائج الانتخابات الرئاسية، كما ساد الاعتقاد بأن الرسائل الإيجابية التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون ستساهم في إذابة الجليد المترسب بين الطرفين، حيث كان من أوائل المهنئين له بمناسبة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، وأوفد له مستشارته الخاصة، فضلا عن تصريح له حول عزمه تسوية ملف التاريخ والذاكرة المشتركة بين البلدين حتى في ذروة التوترات.

وتسير العلاقات الجزائرية – الفرنسية بهذا التطور إلى المزيد من التوتر والفتور، خاصة في ظل عزم الجزائر إبقاء منصب السفير شاغرا منذ سحب سعيد موسي، لاسيما وأن الرجل تقرر سحبه من الجهاز الدبلوماسي، مقابل زيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي إلى المغرب، لتعزيز التقارب المسجل بين البلدين، خاصة بعد قرار الإليزي دعم مقاربة الرباط في حل نزاع الصحراء المغربية.

وشدد تبون على أن فرنسا "إذا أرادت الجد في العلاقات معنا فلتنزل إلى واد الناموس بولاية بشار لتنظيفه من نفاياتها”، في إشارة إلى المخلفات النووية التي تركتها التجارب الفرنسية في الصحراء الجزائرية على الإنسان والحيوان والبيئة.

◙ العلاقات بين الجزائر وفرنسا تسير إلى المزيد من التوتر والفتور، خاصة في ظل عزم الجزائر إبقاء منصب السفير شاغرا

ورسم الرئيس الجزائري في أول ظهور إعلامي له، بعد فوزه بولاية رئاسية ثانية، معالم السياسة الجزائرية داخليا وخارجيا، حيث كشف عن مباشرة تحريات في التناقضات التي عرفها إعلان نتائج الرئاسيات من قبل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، لأن ذلك أصبح من اهتمام الرأي العام.

وقال “نتائج التحريات في نتائج الانتخابات التي قدمتها السلطة المستقلة ستعلن للرأي العام.. نحن مقبلون على انتخابات محلية معروفة بأنها معقدة من حيث عدد المرشحين وينبغي أن تكون آليات عمل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات قادرة تقنيا على الإحاطة بها".

ولفت إلى أن الحوار الوطني الذي أعلن عنه في خطاب القسم، سيكون نهاية العام 2025 أو بداية العام 2026، وأن المسألة تتطلب تحضيرات كبيرة خاصة من حيث القوانين، التي تحضر الطريق للمخارج المنتظرة في ما يتعلق بإرساء قواعد ديمقراطية حقيقية لا مجال فيها للتشكيك والشتم والغوغائية.

ويبدو أن الرجل الأول في الدولة لا يزال متمسكا برأيه الرافض لوجود معتقلي رأي، رغم إصرار قطاع عريض من المعارضة السياسية والمجتمع المدني الداعين إلى إجراءات تهدئة تبدأ بإطلاق ما يصفونه بـ”معتقلي الرأي”، وقال “طلبت من الأحزاب السياسية منحي أسماء لسجناء رأي في الجزائر، لا أحد منهم قدم اسما واحدا".

وفي سياق تناوله للملفات الداخلية، لم ينف المتحدث ولم يؤكد إمكانية إجراء انتخابات محلية مسبقة، وعاد لضبط أولويات السلطة في المجال السياسي، في ما يتعلق بمراجعة قانون الأحزاب مع الأحزاب السياسية نفسها، والعزل بين الحزب السياسي والتنظيم النقابي والمجتمع المدني، منتقدا وجود فعاليات مهنية وجمعوية عبارة عن ملحقات سياسية بالأحزاب السياسية.

وعلى الصعيد الخارجي تطرق مجددا إلى مسألة ملف الانضمام إلى مجموعة البريكس، وقال “لما قدمنا ملف الجزائر كانت المجموعة ذات طابع وتوجه معين، لكن الآن انساقت إلى توجهات سياسية وأمزجة بعض الأعضاء”، الأمر الذي أكد ما جاء الأسبوع الماضي في صحيفة المجاهد الحكومية نقلا عن مصدر حكومي، مشددا على طي بلاده للملف دون رجعة.

وصرح تبون “حاليا لا نفكر في الانضمام إلى منظمة البريكس، واهتمامنا منصب على انضمامنا إلى بنك البريكس الذي لا يقل أهمية عن البنك الدولي". ولفت إلى أن "القانون الدولي لم يعد موجودا وحلّ محله قانون الأدغال.. القوي يأكل الضعيف، لا نفهم لماذا مثلا الجمعية العامة في الأمم المتحدة أقل سلطة من مجلس الأمن، وسنقدم ترشحنا لعضوية مجلس الأمن إذا تم تعديل منظومة الأمم المتحدة".

وفي ما يتعلق بعلاقات بلاده مع محيطها، كشف أنه “سيتم محاكمة المغاربة علنا ممن تم إلقاء القبض عليهم في إطار تحريات أمنية قادتنا لفرض التأشيرة.. الشعب المغربي شعب شقيق، ونحن نعلم بأن خطة الحكم الذاتي فكرة فرنسية وليست مغربية، وصاحبها رئيس فرنسي”.

4