تبون يرسي تقليد الإقالة بـ"الأخطاء" بدل تعديل حكومي

أقال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الخميس وزير النقل عيسى بكاي، مبررا هذه الخطوة بارتكاب الوزير المقال خطأ لم يتم توضيحه في بيان رئاسي مقتضب، ما يعكس تكريس تبون للإقالات من الحكومة تحت ذريعة وجود أخطاء يلفها الغموض، حتى يتجنب القيام بتعديل وزاري يتحمل مسؤوليته أمام الرأي العام.
الجزائر - يتجه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى تقليد جديد في تسيير طاقمه الحكومي، عبر الإقالة بالأخطاء، بدل إجراء تعديل حكومي يتحمل مسؤولياته أمام الرأي، فبعد وزير الاتصال ووزير النقل السابقين، جاء الدور على وزير النقل الحالي، دون توضيح طبيعة الخطأ الذي ارتكبه الوزير.
وأقال تبون وزير النقل عيسى بكاي دون تقديم أي توضيحات للرأي العام، واكتفى بيان الرئاسة المقتضب بتبرير القرار بـ”خطأ” ارتكبه الوزير، دون ذكر طبيعة ذلك الخطأ، وذكر أن “الوزارة ألحقت بوزارة الأشغال العمومية مؤقتا”، في انتظار تعيين وزير جديد للقطاع.
وصار الخطأ مبرر الرئيس في التغييرات الوزارية التي أدرجها للمرة الثانية، خارج ما يعرف بـ”التعديل الحكومي”، الذي يعد التقليد الذي سارت عليه البلاد إلى غاية تنحية رئيس الوزراء السابق عبدالعزيز جراد، الأمر الذي يثير الاستفهام حول دلالة ومغزى تعاطي الرجل الأول مع الحكومة ككيان إداري يقيل ويعين فيها دون المرور على تقليد التعديل.
وكان وزيران سابقان قد أقيلا من منصبيهما وفق النمط الجديد في التسيير الحكومي، ويتعلق الأمر بكل من وزير الاتصال السابق عمار بلحيمر، ووزير النقل أيضا لزهر هاني، وبرر القرار حينها بـ”الخطأ”، لكن دون تقديم توضيحات لطبيعة تلك الأخطاء التي ارتكبها الرجلان.
ولا يزال الغموض يكتنف مصير الحكومة، فبعد التسريبات التي تحدثت منذ عدة أشهر عن تعديل عميق، اكتفى الرئيس تبون حينها بإقالة وزيرين فقط، مع استقدام عبدالرحمن راوية لحقيبة المالية، بعدما ألحقت لعدة أشهر بمهام رئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن.
وفيما تحدثت بعض المصادر عن خلافات عميقة بين دوائر السلطة حول هوية وشكل الحكومة آنذاك، حيث كان كل طرف يضغط من أجل وضع الموالين له في مناصب وزارية، اكتفى الرئيس تبون بالقول في تصريح لوسائل إعلام محلية إن “التغيير سيكون في حالة ارتكاب الأخطاء، ولن يكون رد فعل على الحملات، لأن العناصر التي تشتغل هي التي تلفت الانتباه”.
الغموض لا يزال يكتنف مصير الحكومة، فبعد التسريبات التي تحدثت عن تعديل عميق، اكتفى تبون بإقالة وزيرين فقط
وكانت العديد من الوجوه الوزارية مرشحة للإبعاد بسبب فشلها في تسيير قطاعاتها وتسجيل اختلالات كبيرة فيها، على غرار التجارة، حيث لا يزال الوزير كمال رزيق يحتفظ بمنصبه، رغم الانتقادات التي توجه له بسبب أزمة الندرة التي طالت بعض المواد الغذائية واسعة الاستهلاك، فضلا عن قرارات غير مفهومة اتخذها على غرار “حظر بيع زيت الطبخ للقصر.
وبهذا القرار يكون قطاع النقل قد استهلك وزيرين في ظرف 13 شهرا، الأمر الذي يكرس حالة عدم الاستقرار التي تسوده، ويترجم حجم المشاكل التي يتخبط فيها، لاسيما تلك المتصلة بالشركات المملوكة للدولة، على غرار الخطوط الجوية والنقل البحري، ووضع سفن النقل، فضلا عن بواخر البضائع التي باتت تحجز تباعا في بعض الموانئ الأجنبية.
وأثار مبرر “الخطأ الفادح” استغراب الرأي العام من طريقة تسيير الحكومة والتعديل في المناصب، دون إطلاع الشارع الجزائري على طبيعة وشكل الخطأ المعلن من طرف الرئاسة، بعدما طال ثلاثة وزراء خلال الأشهر الأخيرة، بينما كانت الأنظار تتطلع إلى تعديل حقيقي يقطع مع الفشل ويترجم نية السلطة في إصلاح الوضع والنهوض بالقطاعات المأزومة.
وكان وزير النقل المقال عيسى بكاي، قد اصطدم بالعديد من الاختلالات الكبيرة في قطاعه، وهو ما عبّر عنه في أحد تصريحاته بقوله “إنني وجدت إحدى شركات النقل تسير بـ15 مديرا وتدفع الرواتب بالقروض البنكية”، دون أن يشير إلى هوية تلك المؤسسة، لكن الأصابع تتوجه في الغالب إلى الجوية الجزائرية أو إلى مؤسسة النقل البحري.
كما كان قد انتقد بدوره تسيير وإدارة الخطوط الجوية، التي تشغّل نحو عشرة آلاف موظف، وقدم تطمينات لهؤلاء بعدم اللجوء إلى التسريح، لكنه ذكر بأن إعادة التوزيع والتنظيم حتمية لا مفر منها لإنقاذ الشركة من الإفلاس، وتعرف الجوية الجزائرية بـ”الشركة العائلية” نظير المحسوبية والمحاباة في التوظيف، واستحواذ أبناء ومقربي المسؤولين في الدولة على مناصبها الحساسة.
كما نقل عن الوزير المقال قوله إن “نوايا خبيثة كانت تخطط لبيع باخرة طارق بن زياد حديدا بالميزان، وأن براثن الفساد لا تزال موجودة بشركة النقل البحري للمسافرين، وأن حجز السفن الجزائرية الخمس كان معضلة تنم عن فساد كبير، ولقد قمنا بتغييرات في مسيّري شركات النقل البحري لتحسين خدماتها، خاصة وأن بعض شركات النقل البحري توجد في وضعية صعبة”.
وتتجه الجزائر إلى فتح المجال أمام القطاع الخاص والأجنبي للاستثمار في النقل الجوي والبحري، مما سينهي حالة الاحتكار التي ظلت بيد الشركتين الحكوميتين، وهو ما يطرح فرضية اللوبيات والمصالح في ظل الضبابية التي تخيم على الاستثمار، وهو ما يكون قد عجّل بتنحية الوزير الذي أبان خلال الأسابيع الأخيرة عن نواياه في تحريك المياه الراكدة، ولذلك جاءت إقالته مفاجئة.
وتم في هذا الشأن منح 11 رخصة في النقل البحري للمسافرين والبضائع، و15 رخصة في النقل الجوي، لكن وضع النقل بالسكك الحديدية كان أكثر إزعاجا، فقد كشف الوزير عيسى بكاي أن كتلة الرواتب تمثل أربعة أضعاف المداخيل المحققة، وأن التبذير كان واضحا في تسييرها لأنها تتضمن 52 مديرا.