تبون يراهن على الشراكة الصينية لإطلاق نهضة اقتصادية مأمولة

الجزائر تلعب آخر حظوظها في بكين لقبول عضويتها في مجموعة بريكس.
الاثنين 2023/07/17
تبون يسعى لفك عزلة الجزائر الاقتصادية

تراهن الجزائر على تفعيل الشراكة الاقتصادية والتجارية مع الصين عبر السعي لإطلاق مشاريع استثمارية ضخمة تنهض باقتصادها المحلي وتمكنها من قبول عضويتها في مجموعة بريكس، خصوصا بعد تحقيق أرقام إيجابية خلال العقدين الأخيرين.

الجزائر - شرع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في زيارة إلى الصين تدوم خمسة أيام بعد تلك التي أداها إلى دولة قطر، وإذا كانت الأخيرة تدخل في إطار توافق سياسي بين البلدين، لكنه دون المأمول من الناحية الاقتصادية، فإن زيارة بكين تعتبر حاسمة بالنسبة إلى بعث استثمارات توصف بالضخمة، ولعب آخر الأوراق لقبول الطلب الجزائري بشأن عضوية مجموعة “بريكس”.

ويحل الرئيس تبون الاثنين على العاصمة الصينية بكين في زيارة دولة لمدة خمسة أيام، ويعول عليها لإطلاق مشاريع اقتصادية ضخمة في مجال الموانئ والمعادن، حيث تتجه الجزائر إلى بناء ميناء الحمدانية شرقي العاصمة، كما شرعت في استغلال مشاريع منجمية في غار جبيلات بأقصى الجنوب الغربي، والشريعة في أقصى الشرق، وبجاية بوسط البلاد بالتعاون مع شركات صينية.

وشرع في التحضيرات اللازمة للزيارة منذ مدة، إلا أن السلطات الجزائرية تكتمت عليها بهدف عدم التشويش، وتدخلت مديرية الاتصال لتحذير وتنبيه وسائل الإعلام إلى الاستناد على البيانات الرسمية لها في الأعمال المتصلة بتغطية نشاط رئاسة الجمهورية، إلا أنه ثبت في ما بعد أن التسريبات الأولى أخطأت الموعد بيومين فقط وليس الحدث في حد ذاته.

ويحل الرئيس تبون في بكين قادما إليها من الدوحة التي أدى إليها زيارة دولة بحسب بيان الرئاسة، وهي الثالثة من نوعها منذ انتخابه رئيسا للبلاد في ديسمبر 2019، ليعطي الطرفان انطباعا حول أن التوافق السياسي والدبلوماسي لا يعكس حجم التعاون الاقتصادي، قياسا بالاستثمارات القطرية المحدودة لحد الآن بالجزائر، فهي تقتصر على “مصنع بلارة” لإنتاج الألمنيوم، وآخر لبناء مستشفى جزائري – قطري – ألماني، كما ستكون الدوحة بصدد الاستثمار في قطاع الصناعات الغذائية بتشييد مصنع للحليب والأجبان في محافظة الجلفة الجزائرية.

الزيارة تأتي بعد نحو شهر من زيارة تبون إلى موسكو، ما يظهر توجها جزائريا واضحا لمنح العلاقات مع الشرق زخما أكبر

ولم يتم الإعلان عن الزيارة إلا أياما قليلة قبل الشروع فيها في بيان مقتضب، جاء فيه “يشرع الرئيس عبدالمجيد تبون في زيارة دولة إلى الصين الشعبية، بدعوة من رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جينبينغ، وهي تدخل في إطار تعزيز العلاقات المتينة والمتجذرة وتقوية التعاون الاقتصادي بين الشعبين الصديقين الجزائري والصيني”.

وحققت المبادلات التجارية والاقتصادية بين البلدين صعودا مطردا خلال العقدين الأخيرين، فقفزت من مبلغ مليار دولار عند مطلع الألفية إلى نحو تسعة مليارات دولار العام 2020، الأمر الذي جعل الصين تتصدر لائحة شركاء الجزائر وأزاحت من طريقها فرنسا.

وانفردت الصين بغالبية الاستثمارات الحكومية التي أطلقتها الجزائر منذ مطلع الألفية إلى غاية العام 2014، حيث تكفلت بإنجاز مشاريع السكن والبنى التحتية والطريق السيارة شرق – غرب، وبعض السدود والمنشآت والمرافق العمومية، قبل أن تتراجع في السنوات الأخيرة، بسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت الجزائر منذ صيف العام 2014، مما اضطرها إلى تقليص وتيرة الاستثمارات الحكومية وحتى تجميد بعضها.

وتأتي هذه الزيارة بعد نحو شهر من زيارة تبون إلى موسكو، ما يظهر توجها جزائريا واضحا لمنح زخم أكبر للعلاقات مع الشرق، حيث توجد فرص للشراكة والاستثمار أكبر، الأمر الذي طرح استفهامات لدى شركائها التقليديين في أوروبا والولايات المتحدة، وقد تكون سبب الدعوة التي وجهها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى نظيره الجزائري أحمد عطاف لزيارة واشنطن في أسرع وقت.

وتراهن الجزائر على هذه الزيارة للعب آخر حظوظها لقبول طلب عضويتها في مجموعة “بريكس” قياسا بالثقل الذي تمثله الصين داخل المجموعة، وفرص إقناع الأطراف المتحفظة أو الرافضة أسابيع قليلة قبل انعقاد اجتماع قادة المجموعة في جنوب أفريقيا، ويأتي ذلك في أعقاب التسريبات التي تحدثت عن رفض الملف الجزائري، مقابل قبول خمسة أعضاء جدد، وهم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإندونيسيا والأرجنتين ومصر.

وتربط البلدين اتفاقية تعاون إستراتيجي ترجم في خطتين خماسيتين الأولى (2018 – 2022)، والثانية (2022 – 2026)، وتهدف إلى تكثيف التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والفضاء والصحة والتواصل الإنساني والثقافي.

وضمن هذه الخطة يندرج طموح الجزائر لتطوير بنيتها التحتية، بينما تستغلها الصين في إيجاد منافذ جديدة لتصريف سلعها والحصول على موارد معدنية والطاقة في إطار “طريق الحرير” الجديد، ولذلك يشكل إنجاز ميناء الحمدانية قرب العاصمة، وتثمين استغلال منجم الحديد بغار جبيلات بتندوف في الجنوب الغربي، واستغلال وتحويل الفوسفات ببلاد الهدبة بتبسة وواد الكبريت بسوق أهراس في أقصى الشرق، فضلا عن مناجم بجاية، ومشاريع أخرى في مجال الطاقة، رهانات اقتصادية طموحة للبلدين.

الصين تنفرد بغالبية الاستثمارات الحكومية التي أطلقتها الجزائر حيث تكفلت بإنجاز مشاريع السكن والبنى التحتية والطريق السيارة وبعض السدود والمنشآت والمرافق العمومية

ويعتبر الميناء المذكور الذي يضم 23 رصيفا، ويسمح بمعالجة 6.5 مليون حاوية و25.7 مليون طن من البضائع سنويا، وترا حساسا في الشراكة بين البلدين، فرغم تأخر إنجازه لأسباب مختلفة إلا أنه يقع في صميم المشاورات التي يجريها الرئيس تبون والوفد المرافق له مع نظرائهم الصينيين.

وسيكون هذا المشروع بتمويل جزائري – صيني، على أن يتم استغلاله من طرف شركة موانئ شنغهاي الصينية، وأبرز إيجابياته أنه مربوط بطريق الوحدة الأفريقية، ما سيسهل عملية نقل البضائع نحو العمق الأفريقي في ظل سعي الصين لامتلاك الحصة الأكبر من الأسواق الأفريقية.

كما يراهن البلدان على شراكة عالية في قطاع المناجم، حيث ينتظر الشروع في استغلال مشروع الفوسفات الضخم في تبسة أقصى شرق البلاد، بعد الحصول على موافقة مبدئية من مؤسسات مالية صينية لتمويله، إلى جانب مشروع للتحويل الكيميائي للفوسفات والغاز الطبيعي وصناعة الأسمدة الفوسفاتية والأزوتية ومواد كيميائية بمحافظة سوق أهراس، لينضاف بذلك إلى مشروع منجم الحديد بغار جبيلات، ومشروعات أخرى في مجال الطاقة تتعلق بمركب بتروكيميائي يعمل بتقنية التكسير بالبخار في شراكة بين شركة سوناطراك والشركة الوطنية الصينية للكيمياء والهندسة والبناء “سي.سي 7”.

4