تبون يجدد رهانه على المجتمع المدني في الجزائر مديرا ظهره لأحزاب الموالاة

حزب جبهة التحرير الوطني يواجه مأزقا في ظل فتور علاقته بالسلطة.
الثلاثاء 2023/05/09
الشباب مفتاح الولاية الثانية

عكست التصريحات الأخيرة للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عدم ثقته في المنظومة الحزبية، ورهانه على القوى الحية لاسيما الشباب في الحصول على ولاية رئاسية جديدة، ويرى متابعون أن هذا الموقف يضع القوى السياسية ولاسيما أحزاب الموالاة في موقف صعب.

الجزائر - جدد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون رهانه على قوى المجتمع المدني بدل الأحزاب السياسية في الاستحقاقات القادمة، بما في ذلك حزب جبهة التحرير الوطني الذي ينحدر منه.

ويرى مراقبون أن تبون بهذه الخطوة يقطع الطريق على قوى الموالاة التي دأبت على ربط مصيرها بالسلطة وأداء دور الذراع السياسية لها، ويطرح جدوى الآلية الجديدة في تسويق خطاب وبرنامج السلطة والنزول إلى الشارع، في ظل مناخ الجمود والنفور من كل ما هو قادم من جهتها.

وأكد الرئيس الجزائري في إطلالته الإعلامية الأخيرة على أنه سيعتمد في مشروعه على المجتمع المدني كشريك سياسي واجتماعي، وأن التحالف مع القوى السياسية لا يحقق الغرض الذي يصبو إليه، في تجاوز موروث الحقبة السابقة، في إشارة إلى التحالف الحزبي الذي كان يدعم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.

وذكر تبون، في الندوة التي أقيمت على هامش الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، أن “الاهتمام الرسمي مركّز على الشباب وعلى القوى الحية، ولذلك تم إطلاق عدد من الهيئات والتنظيمات لهيكلة الشباب والمجتمع المدني في مرصد وطني ومجلس أعلى، تكون له قوة الاستشارة والاقتراح”.

الجزائر تعيش على وقع شلل حزبي غير مسبوق، حيث سجل انكفاء لمختلف القوى السياسية، بما يشمل الموالاة

ولفت إلى أنه طلب من الحكومة ومن جميع المؤسسات الرسمية العودة إلى الهياكل المذكورة من أجل الحسم النهائي في أي مشروع يتعلق بمصير الشباب، وأن السلطة تفتح جميع الأبواب أمامهم، ولذلك تم التركيز على دفعهم إلى الانخراط في الاستحقاقات الانتخابية السابقة لأول مرة في تاريخ البلاد، حيث حظي الشباب المتسابقون بدعم من السلطة.

وألمح الرئيس إلى قطيعة بينه وبين الأحزاب السياسية، لاقتناع السلطة السياسية بعدم جدواها في الشراكة المستقبلية، لاسيما الولاية الرئاسية الثانية للرجل، والتي بدأ الحديث عنها في الدوائر السياسية والإعلامية المحلية.

وقال تبون ” خلال الانتخابات الرئاسية ترشحت باسم المجتمع المدني وليس باسم حزب أو أحزاب سياسية، وحتى الحزب الذي أنتمي إليه لم يصوت لصالحي”، في إشارة إلى حزب جبهة التحرير الوطني الذي أعلن حينها عن دعمه للمرشح عزالدين ميهوبي، قائد الحزب الغريم آنذاك (التجمع الوطني الديمقراطي)، قبل أن تنقلب التوجهات في الساعات القليلة التي سبقت الاقتراع لصالح المرشح تبون، بإيعاز من قائد أركان الجيش السابق الجنرال أحمد قايد صالح.

ونفى الرئيس تبون أن تكون لديه نية إطلاق أي حزب أو تنظيم سياسي تحسبا لترشحه للانتخابات القادمة، لكنه أعرب عن تمسكه بالمجتمع المدني كقوة قاعدية داعمة، رغم أن الرهان يبقى محفوفا بالمخاطر قياسا بعامل التجربة والهيكلة والقدرة على النزول إلى الشارع للمرافعة لصالح مشروع السلطة وخطابها.

وتعيش الجزائر في السنوات الأخيرة على وقع شلل سياسي وحزبي غير مسبوق، حيث سجل انكفاء لمختلف القوى والأحزاب السياسية، بما فيها المحسوبة على معسكر الموالاة التي لم تتوان في دعم الرئيس تبون، لكن العمل القاعدي يبقى غائبا، فيما اكتفى بعضها بعقد مؤتمراته الدورية دون أي نقاش سياسي أو تفاعل مع قواعده النضالية.

واتهمت أحزاب سياسية معارضةٌ مؤسسات رسميةً بعرقلة نشاطها وغلق الفضاءات العامة في وجه الندوات والتجمعات الشعبية، كما سدت في وجهها أبواب الإعلام الثقيل العمومي والخاص، إلى درجة أن بيانا صادرا عن قوى معارضة لا يجد طريقه إلى النشر أو التداول الإعلامي رغم توزيعه على مختلف قاعات التحرير.

ويرى حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أن المقاربة الأمنية والتضييق على الحريات السياسية ساهما في تراجع مختلف المظاهر السياسية في البلاد، وأن السلطة تريد خلق تقليد غريب بقطع الطريق على الممارسة السياسية، مقابل فتح المجال أمام حزام بشري جديد تعمل على أن يكون بديلا عن الدور الطبيعي للقوى السياسية والحزبية.

ويبدو أن العلاقة بين السلطة وحزب الأغلبية في المجالس المنتخبة وطنيا ومحليا ليست على ما يرام، ففيما سُمح للكثير من الأحزاب بعقد مؤتمراتها حتى خلال إجراءات مكافحة وباء كورونا (ومن بينها منع كافة التجمعات)، مازالت جبهة التحرير الوطني تنتظر الضوء الأخضر لاستغلال إحدى كبريات صالات العاصمة في تنظيم المؤتمر الحادي عشر، رغم إتمامها لجميع الترتيبات التنظيمية والإدارية.

حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية يرى أن المقاربة الأمنية والتضييق على الحريات السياسية ساهما في تراجع مختلف المظاهر السياسية في البلاد

ويطرح الفتور القائم بين الطرفين مصير ومستقبل العلاقة بين الحزب والسلطة، فحتى الحراك الدؤوب الذي عرف به الحزب خفت في السنوات الأخيرة، ولم تعد الأجنحة تتجاذب في الأعوام الأخيرة كما كانت في السابق، ليبقي فريق الأمين العام أبوالفضل بعجي يواجه مصيرا غامضا، وحتى رسائل الدعم التي ما فتئ يطلقها للسلطة لم تشفع له رفع “الفيتو” على عقد المؤتمر.

وفي خطوة لتقديم أوراق الطاعة للسلطة، جدد الحزب “دعمه اللامشروط لتشكيل جبهة داخلية للدفاع عن مؤسسات الدولة رئيسا وجيشا وأمنا، وحماية الوحدة الوطنية وثوابت الأمة والحفاظ على المكاسب المحققة تحت قيادة رئيس الجمهورية”.

وعبر بيان للمكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني عن “ارتياحه للقرارات والإجراءات المتخذة من طرف الرئيس تبون على صعيد الجبهة الاجتماعية وعلى الصعيد الاقتصادي، وعن التزامه بمواصلة دعم مسار جزائر قوية ورائدة”.

كما ثمّن “المجهودات المبذولة على الصعيد الدبلوماسي التي مكنت من استعادة الصورة الحقيقية للجزائر وهيبتها وسمعتها في العالم”.

ومن جهته هنأ الرئيسُ تبون رئيسَ حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، بعد تزكيته في المنصب لعهدة ثانية، حيث تلقى بن قرينة اتصالا هاتفيا من تبون، عبر له فيه عن “تهانيه له بتجديد الثقة فيه من طرف مؤتمر حركة البناء الوطني للمرة الثانية”.

4