تبون يبدي استعدادا مشروطا لاستئناف الحوار مع فرنسا

باريس - ندّد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الأحد في مقابلة أجرتها معه صحيفة لوبينيون بـ"مناخ ضار" بين الجزائر فرنسا، مشدّدا على وجوب أن يستأنف البلدان الحوار متى عبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوضوح عن رغبة بذلك.
وقال تبون في المقابلة التي نشرت الأحد على الإنترنت إن "المناخ ضار. نحن نضيّع الوقت مع الرئيس ماكرون"، مشيرا إلى أنه يريد تجنّب "انفصال لا يمكن إصلاحه".
وتابع "لا شيء يحرز تقدّما باستثناء العلاقات التجارية. الحوار السياسي شبه مقطوع"، معربا عن أسفه لـ"تصريحات عدائية تصدر كل يوم" عن مسؤولين فرنسيين.
وتشهد العلاقات المضطربة على مرّ التاريخ بين فرنسا والجزائر، أزمة دبلوماسية كبرى منذ تبنّت باريس المقترح المغربي بمنح حكم ذاتي للصحراء المغربية المتنازع عليها تحت سيادة المملكة.
وتشكل الصحراء المغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة التي تصنفها الأمم المتحدة ضمن "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي"، محور نزاع بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر منذ نحو نصف قرن.
وإزاء تدهور العلاقات، قال تبون إنه "موافق بالكامل" على وجوب استئناف الحوار، وهو ما كان تطرّق إليه وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو.
لكنه أشار إلى وجوب صدور تصريحات سياسية قوية بهذا الاتجاه، مشدّدا على أهمية "أن يُسمع الرئيس الفرنسي والمثقفون ومؤيدو العلاقة أصواتهم".
وتابع "لست أنا من يقع على عاتقه هذا الأمر. بالنسبة الي، الجمهورية الفرنسية هي في المقام الأول رئيسها"، من دون الخوض في مزيد من التفاصيل.
ولدى سؤاله عن الكاتب بوعلام صنصال المعارض للسلطة الجزائرية والمعتقل في الجزائر منذ منتصف نوفمبر، اعتبر تبون أن "هذه ليست مشكلة جزائرية. إنها مشكلة لأولئك الذين أوجدوها (...) حالات أخرى لحملة جنسيتين لم تستقطب تضامنا كهذا".
واعتبر تبون أن القضية "ترمي إلى التعبئة ضد الجزائر".
ولم يستفد الكاتب الذي مُنح الجنسية الفرنسية من زيارة قنصلية، ذلك لأنه "جزائري في المقام الأول" وفق تبون.
ولفت الرئيس الجزائري إلى أن الكاتب "يتلقى رعاية على يد أطباء وسيحاكم ضمن المهل القضائية. ويمكنه الاتصال هاتفيا بزوجته وابنته على نحو منتظم".
كما أفصح تبون عن موقفه بخصوص ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، داعيا إلى "عدم التستر عن أي شيء يتعلق بالتعاون في مجال الذاكرة وتلويث المواقع التي أجريت فيها التجارب النووية الفرنسية"، معتبرا ذلك "ضرورة إنسانية وأخلاقية وسياسية وعسكرية.
وأكد على إمكانية استئناف التعاون الأمني مع فرنسا لكنه قال إنه يقع "على عاتق" هذه الدولة الأوروبية "التعامل مع حالات الجهاديين الذين أصبحوا متطرفين على أراضيها".
وفي سؤال عن إمكانية ترشحه لولاية ثالثة، قال الرئيس الجزائري "ليست لدي أي نية للبقاء في السلطة وسأحترم الدستور الجزائري".
وينص الدستور في الجزائر على ترشحه الرئيس لعهدتين رئاسيتين فقط.
كشف الرئيس الجزائري أن بلاده أبلغت الرئيس السوري السابق بشار الأسد، بكل حزم، رفضها الدائم للمجازر في حق السوريين، مؤكدا أن "الجزائر ستكون على استعداد لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في اليوم ذاته الذي ستكون فيه دولة فلسطينية كاملة".
واعترف تبون، في حوار مع الصحيفة الفرنسية أن الجزائر التي "واجهت اعتراضات لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية عام 2022"، دعمت "الحوار السياسي لحل الأزمة" في هذا البلد.
من جهة أخرى، أشاد تبون، بـ"أخيه" الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي "يتمتع بشعبية في بلاده برغم الانتقادات".
وقال إن "الشعب التونسي شعب واع، والجزائر تدعم تونس اقتصاديا قدر المستطاع. تونس كابدت ويلات قصف الطيران الاستعماري، لأنها ساندت القضية الجزائرية، وحق علينا اليوم الوقوف إلى جانب الشعب التونسي الشقيق".
ونوه تبون إلى أن بلاده لديها "علاقات ممتازة مع دول البحر الأبيض المتوسط في مجالي الاستثمارات والتجارة"، وأنها قوة استقرار في أفريقيا.
كما أشار إلى أن علاقات الجزائر ظلت جيدة مع جميع الرؤساء الأميركيين، سواء كانوا ديمقراطيين أو جمهوريين، مذكرا بأن الولايات المتحدة هي من عرضت المسألة الجزائرية على الأمم المتحدة إبان حرب التحرير، وهي الوحيدة التي لديها مدينة تحمل اسم البطل القومي الجزائري الأمير عبدالقادر.
وصرح "أكبر مشاريعنا في عهد الرؤساء (هواري) بومدين والشاذلي (بن جديد) و(عبدالعزيز) بوتفليقة تم انجازها مع الأميركيين، في قطاع المحروقات ومجالات أخرى".
وجدد تبون، رفض الجزائر لسياسة الكيل بمكيالين في السياسات الدولية، مشيرا إلى إدانة روسيا في الأزمة مع أوكرانيا، بينما ينبغي الصمت في ضم الجولان والصحراء المغربية.
وفي السياق ذاته، كشف الرئيس الجزائري أن أوكرانيا لم تستجب لوساطة الجزائر في أزمتها مع روسيا.
بالمقابل، أكد أن الجزائر ترفض وجود قوات مرتزقة على حدودها وأبلغت روسيا بذلك، في إشارة واضحة إلى قوت فاغنر.
وذكر تبون، الانقلابات العسكرية في دول الساحل متوقعة لضعف المؤسسات في بعض الدول.
ولفت إلى أن الجزائر لا تدعم أي جماعات إرهابية في مالي، ولا تهدف إلى وضع هذا البلد تحت إدارتها.
واسترسل يقول"شرحنا للطرف المالي أن ما حدث في بداية الخلاف معه نابع عن تدخل أجنبي. الجزائر كانت بصدد وضع مخطط كامل للتنمية في شمال مالي يصل إلى ملايين الدولارات. الجزائر ومالي يشتركان في مجتمع الطوارق الممتد بيننا وكنا دوما على استعداد للصلح والجمع".