تبني روما خطا متشددا يحيي الجدل بشأن الاتفاق الأوروبي - الليبي حول المهاجرين

منظمة العفو الدولية: من المعيب أن تواصل روما مساعدة السلطات الليبية في انتهاك حقوق الإنسان لشعبها.
الاثنين 2022/11/14
في مواجهة الرصاص الحي

طرابلس - اعتقدت الطبيبة الألمانية ليونا بلانكنشتاين أنّها أساءت فهم ما يجري عندما هدّد خفر السواحل الليبي بإسقاط طائرة تابعة لمنظمة “سي ووتش” غير الحكومية كانت تراقب مساعدة قارب مهاجرين في البحر المتوسط.

"ابتعدوا عن (المياه) الإقليمية الليبية، وإلاّ سنطلق عليكم صواريخ سام (أرض جو)"، صدر هذا التحذير عن "فزان" أحد زوارق الدورية التي قدمتها إيطاليا لليبيا لاعتراض المهاجرين الذين يحاولون مغادرة البلاد التي مزّقتها الحرب.

ووقّع البلدان اتفاقا برعاية الاتحاد الأوروبي لمنع المهاجرين من عبور وسط البحر المتوسط، وهو نصّ مثير للجدل يحيي الجدل مع تبنّي روما خطّا متشدّدا بشأن سياسة الهجرة.

وقالت بلانكنشتاين “كان الضجيج عاليا على متن الطائرة وظننت أنني ربما أسأت الفهم”. كان ذلك في الخامس والعشرين من أكتوبر عندما كانت بلانكنشتاين على متن طائرة تابعة لمنظمة الإغاثة الألمانية “سي ووتش” تحلّق فوق المياه المالطية.

المنظمات الإنسانية تدين المخاطر التي يواجهها المهاجرون من تنكر أفراد ميليشيات مسلحة بزي خفر السواحل الليبي

وبحسب بلانكنشتاين ومقاطع فيديو نشرتها “سي ووتش”، فرض الطاقم الليبي على المهاجرين الصعود إلى قاربه، قبل انتزاع المحرّك من زورقهم وإطلاق النار عليه حتى اشتعلت فيه النيران.

وقالت “حدث ذلك في ثوان… كنت قلقة. سلوكهم لا يمكن التنبّؤ به”، موضحة أنها غادرت المنطقة فور سماع التحذير.

وتقول المنظمات إنه جرى اعتراض حوالي مئة ألف شخص منذ توقيع الاتفاق مع ليبيا في العام 2017، وذلك من قِبل إيطاليا والاتحاد الأوروبي اللذين وافقا على تدريب وتجهيز خفر السواحل الليبي.

وعلى الرغم من الدعوات إلى إلغاء الاتفاق، جرى تجديده بشكل تلقائي في بداية نوفمبر بعد أيام على تولّي الحكومة الإيطالية اليمينية المتطرّفة برئاسة جيورجيا ميلوني، مهامها.

وتم التوصل إلى الاتفاق تحت ضغط الأعداد الكبيرة من اللاجئين الفارين من الصراعات في سوريا والعراق وليبيا للبحث عن ملاذ في أوروبا، وبعد سلسلة حوادث غرق، سُجّل على إثرها عدد قياسي بلغ خمسة آلاف شخص بين قتيل ومفقود في البحر المتوسط في العام 2016.

وأوضحت المفوضية الأوروبية أنّ الهدف كان “منع الخسائر في الأرواح البشرية في البحر المتوسط وفي الوقت ذاته قمع شبكات تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر”.

منظمات العفو الدولية و"أنقذوا الأطفال" و"أطباء بلا حدود" تؤكد أن المهاجرين في ليبيا يتعرّضون للتعذيب، كما أنهم ضحايا للعنف الجنسي أو العبودية

وتمّ الإبلاغ عن 3140 شخصا بين قتيل أو مفقود في العام 2017 في مقابل 2062 العام الماضي، حسب منظمة الهجرة الدولية.

وقال لويجي سكازييري من مركز الإصلاح الأوروبي إن “العمل مع سلطات دول العالم الثالث لمنع المهاجرين من الوصول إلى أوروبا أحد المحاور الرئيسية للسياسة الأوروبية”.

وأثبت الاتفاق الإيطالي – الليبي أنه “فعّال جدا” لتقليل عدد الواصلين.

وتدين المنظمات الإنسانية المخاطر التي يواجهها المهاجرون من تنكر أفراد ميليشيات مسلّحة بزي خفر السواحل الليبي وتوثيق حالات استخدام للذخيرة الحية ضد قوارب لمهاجرين في أعالي البحار.

وتشير الانتقادات إلى نقص المسؤولية والشفافية بشأن متلقّي المنح في ليبيا. ويأتي ذلك فيما يوضع عدد كبير من الأشخاص الذين جرى اعتراضهم في البحر في مراكز ليبية، شبّهها البابا فرانسيس بمعسكرات اعتقال.

وتؤكد منظمات العفو الدولية و”أنقذوا الأطفال” (سيف ذي تشيلدرن) و”أطباء بلا حدود”، أن المهاجرين في ليبيا يتعرّضون للتعذيب، كما أنهم ضحايا للعنف الجنسي أو العبودية.

لكن السلطات الليبية تنفي ذلك. وقال مسؤول في شؤون الهجرة إنّ “الاعتقالات تتم وفقا للقواعد المعمول بها”.

وتقول هذه المنظمات كذلك إنّ وكالة “فرونتكس” التابعة للاتحاد الأوروبي التي تستخدم الطائرات لرصد المهاجرين المعرّضين للخطر، تساعد الليبيين.

ويقول فيليكس ويس المتحدث باسم “سيبرد” التابعة لـ”سي ووتش”، إنّ أفراد “خفر السواحل الليبي ليسوا محترفين، إنهم بحاجة لمراقبة جوية ولمشورة الاتحاد الأوروبي للعثور على قوارب المهاجرين”.

حوالي مئة ألف شخص تم اعتراضهم منذ توقيع الاتفاق مع ليبيا في العام 2017، وذلك من قِبل إيطاليا والاتحاد الأوروبي اللذين وافقا على تدريب وتجهيز خفر السواحل الليبي.

ويؤكد المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان أرتور ساليزني أنّ “صدّ” المهاجرين من مناطق البحث والإنقاذ الأوروبية باتجاه ليبيا، يُعتبر بموجب قانون الاتحاد الأوروبي “غير قانوني إذا كانت الدول الأوروبية متواطئة”.

وتستقبل إيطاليا الملايين من الأشخاص الذين يسعون كل عام إلى اجتياز وسط البحر المتوسط، أخطر طريق هجرة في العالم.

وقد وقعت عددا من الاتفاقات خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي الذي أُطيح وقُتل في 2011، للحدّ من تدفّق موجات المهاجرين.

وعلّقت هذه الشراكة بعد انهيار الحكومة الليبية وإدانة إيطاليا في 2012 من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لاعتراضها مهاجرين وإعادتهم قسرا إلى ليبيا.

لكن في 2017 وقّع باولو جينتيلوني الذي كان رئيسا لحكومة ليسار الوسط، اتفاقا جديدا مع فايز السراج رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المدعومة من الأمم المتحدة.

ومنذ ذلك الحين، تلقّت المنظمات الإنسانية، بما في ذلك منظمة الخط الساخن “ألارم فون” التي يستخدمها المهاجرون المعرّضون للخطر، أوامر بـ”تنبيه خفر السواحل الليبي”، حسبما قالت كيارا دينارو من “ألارم فون”.

32.5

مليون يورو على الأقل خصّصتهم إيطاليا من أجل مهمات دعم خفر السواحل الليبي منذ 2017

ولم يلبث الاتفاق أن أثار انتقادات بينما فرضت الأمم المتحدة عقوبات على عدد من الليبيين في العام 2018 المتورّطين بشكل مباشر في تجارة البشر.

ومن هؤلاء أحمد عمر الدباشي الذي كان المسلحون التابعون له يسيطرون على معسكرات وقوارب ويعرضون المهاجرين بمن فيهم قاصرين لـ”ظروف وحشية وقاتلة في بعض الأحيان في البر والبحر”، بحسب الأمم المتحدة.

وفي 2019 كشف الصحافي الإيطالي نيلو سكافو أنّ رجلا آخر ينشط في الاتجار بالبشر هو عبدالرحمن الميلاد ويعرف باسم “بيجا”، شارك في محادثات في صقلية مع مسؤولين إيطاليين بشأن تفاصيل اتفاق العام 2017 حول المهاجرين.

وعلق عمل “بيجا” في خفر السواحل الليبي في 2018 ولكنه واصل المشاركة في العام التالي في “إنقاذ المهاجرين”، حسب تقرير للأمم المتحدة استشهد به سكافو.

وبعد يومين من التهديد الذي تعرّضت له الطائرة، أعلنت “سي ووتش” أنّ لديها دليلا على أنّ خفر السواحل الليبي يتعاون مع المهرّبين.

ونشرت المنظمة غير الحكومية صورا لزورق مهاجرين من الخشب، يحمل لوحة مكتوب عليها 1688، التقطتها “سيبيرد” في بداية أكتوبر أثناء اعتراض خفر السواحل.

وصُوّر الزورق نفسه بعد ثلاثة أيام يحمل مهاجرين مختلفين على متنه، مما يشير إلى أنه أُعيد إلى ليبيا واستُخدم من جديد، حسبما أفادت “سي ووتش”.

3140

شخصا بين قتيل أو مفقود تمّ الإبلاغ عنهم في العام 2017 في مقابل 2062 العام الماضي

وفي المجموع، خصّص الاتحاد الأوروبي حوالي 59 مليون يورو لزيادة القدرة التشغيلية لخفر السواحل الليبي، بما في ذلك تدريب حوالي 500 فرد بين 2015 و2020، عندما توقّفت العملية.

وحسبما قالت متحدثة باسم الاتحاد الأوروبي، تجري مفاوضات مع الليبيين من أجل استئناف هذا التدريب “مع التركيز بشكل كبير على حقوق الإنسان والقانون الدولي”.

وأوضحت أن المفوضية كلّفت متعاقدا مستقلّا في 2019 لمراقبة العمليات في ليبيا، لكن تقاريره لم تُنشر لأسباب أمنية.

وخصّصت إيطاليا 32.5 مليون يورو على الأقل من أجل مهمات دعم خفر السواحل الليبي منذ 2017، حسبما أعلنت منظمة “ارسي” الإنسانية في تقرير العام الماضي.

وفي أكتوبر كشف الصحافي الاستقصائي دوشيو فاكشيني أنّ إيطاليا أنفقت 6.65 مليون يورو إضافية لتزويد خفر السواحل الليبي بـ14 زورقا سريعا جديدا، قبل عدّة أشهر فقط.

وأكدت منظمة العفو الدولية الأحد أنه “من المعيب” أن تواصل روما “مساعدة السلطات الليبية في انتهاك حقوق الإنسان لشعبها”.

4