تباين في المواقف الليبية حول المبادرة الأممية يضع باتيلي أمام تحدي فرضها كأمر واقع

مجلس النواب يتهم البعثة الأممية بالكيل بمكيالين، والأعلى للدولة يلتزم الصمت.
الأربعاء 2023/03/01
باتيلي يسحب البساط من مجلسي النواب والدولة

يواجه المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي اختبارا حقيقيا في إقناع الفرقاء الليبيين بالمضي قدما في مبادرته السياسية التي طرحها خلال إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي، والتي تلقى على ما يبدو دعما من الولايات المتحدة.

طرابلس - تباينت ردود الفعل حول المبادرة السياسية الجديدة التي طرحها المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي أمام مجلس الأمن الدولي، وسط تساؤلات حول قدرته على فرضها كخارطة طريق لإجراء الانتخابات المتعثرة منذ العام 2021، في ظل التباينات المسجلة حولها.

وتقضي المبادرة بتشكيل لجنة توجيهية رفيعة المستوى تجمع كل أصحاب المصلحة والمؤسسات والشخصيات وزعماء القبائل والنساء والشباب، مهمتها الوصول إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

وقال باتيلي إن اللجنة ستكون مسؤولة عن “تسهيل اعتماد إطار قانوني وخارطة طريق مرتبطة بجدول زمني لإجراء الانتخابات في العام 2023، وتحقيق توافق حول قضايا ذات صلة مثل أمن الانتخابات واعتماد مدونة لقواعد السلوك للمرشحين”.

وفي حين التزم المجلس الرئاس، والمجلس الأعلى للدولة وحكومة الوحدة الوطنية، (المنتهية ولايتها)، وقائد الجيش المشير خليفة حفتر الصمت، أعلن مجلس النواب والحكومة المكلفة من طرفه عن تحفظات لهما على المبادرة، فيما باركها المرشح الرئاسي السابق سيف الإسلام القذافي وعدد من القوى الليبية الأخرى.

مبادرة المبعوث الأممي خلت من ذكر عدة تفاصيل منها تكوين اللجنة وعدد أعضائها وإطار عملها الزمني

وأصدر مجلس النواب الثلاثاء بيانا أشار فيه إلى أن “نصوص الاتفاق السياسي الليبي حصرت الدعوة لانعقاد لجنة الحوار في طرفي الاتفاق، وهما مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة دون غيرهما من الكيانات”.

وأكد المجلس على أن “العملية السياسية ملكية ليبية، وهي الضامن الوحيد لإنجاح أيّ مبادرات في هذا الشأن”، واعتبر أن إحاطة المبعوث الأممي “حملت مغالطات بخصوص فشل مجلسي النواب والدولة في إقرار القاعدة الدستورية المنظمة للانتخابات”.

وعبّر المجلس عن استغرابه من عدم تطرق باتيلي لـ”عرقلة المصالحة وتعطيلها، وكذلك الفساد وإهدار المال العام، وتأثير كل ذلك على تعطيل العملية الانتخابية بالبلاد”، معتبرا أن هذا الأمر “يضع البعثة الأممية في دائرة الكيل بمكيالين، وعدم الحياد بين الأطراف الليبية”.

وأشار المجلس إلى عمله مع مجلس الدولة والبعثة الأممية في إنجاز القدر اللازم لإجراء الاستحقاق الانتخابي في أقرب الآجال، رغم ما وصفه بالتعقيدات المحلية والدولية المصاحبة، وأكد أن تحميل مجلس النواب وحده مسؤولية الإخفاق “أمر ينافي الواقع الليبي”.

وقال المجلس إن “التدخل الخارجي، وعدم إكمال خارطة مخرجات جنيف في الآجال المحددة بالفعل، وعدم استكمال مساري: المصالحة والأمن، هي أهم العوائق أمام إنهاء الأزمة الليبية”.

ويرى مراقبون أن مبادرة باتيلي هي استنساخ لتجربة ملتقى الحوار الوطني الذي تولّى مهمة انتخاب حكومة جديدة (حكومة عبدالحميد الدبيبة) بعد حرب طرابلس، على خلفية فشل مجلسي النواب والأعلى للدولة في الاتفاق على قاعدة دستورية تهيئ المجال لإجراء الانتخابات.

ويشير المراقبون إلى أن المبادرة تحظى بدعم كبير من قبل الولايات المتحدة، لكن بعض القوى الدولية لا تبدو متحمسة كثيرا إليها على غرار فرنسا وروسيا، وأيضا مصر التي سبق وأن حذرت من تجاوز صلاحيات مجلسي النواب والدولة.

oo

ويلفت المراقبون إلى أن دعم واشنطن للمبادرة من شأنه أن يمنحها زخما أكبر، وأن الولايات المتحدة تملك من أدوات التأثير الكثير لفرضها، مشددين على أن الأيام المقبلة ستكشف مدى قدرة باتيلي على المضي فيها.

وأعربت خارجية الحكومة المكلفة من مجلس النواب عن ترحيبها بكل الجهود المبذولة لإيجاد مخرج للأزمة السياسية، وذكِّرت في الوقت نفسه المبعوث الأممي بأن الاتفاق السياسي الليبي الموقع بالصخيرات سنة 2015 “هو الأساس الذي تستند عليه وتتعزز به شرعية مجلسي النواب والدولة”.

وأوضحت أن الحكومة التي يرأسها فتحي باشاغا، والتي لم يأت باتيلي على ذكرها في الإحاطة، قد “انبثقت عن مجلس النواب بالتوافق مع مجلس الدولة”، معتبرة أن محاولة تجاوز الأجسام السياسية الرسمية “لا تساعد في الوصول إلى حلول ناجحة ومرضية، وتضع البعثة في موقف متناقض وغير محايد”.

وبحسب الإحاطة، فقد انطلق المبعوث الأممي في مبادرته مما وصفه بـ”استمرار مراوحة العملية السياسية الليبية مكانها، وعدم توافق مجلسي النواب والدولة على إطار دستوري لإنجاز الانتخابات، وخسارة معظم المؤسسات الليبية شرعيتها منذ سنوات طويلة، ورغبة البعض في بقاء الوضع كما هو عليه، وكذلك، نفاد صبر الليبيين وتشكيكهم في رغبة الأطراف الحالية في إجراء الانتخابات”.

دعم واشنطن للمبادرة من شأنه أن يمنحها زخما أكبر، فواشنطن تملك من أدوات التأثير الكثير لفرضها

وخلت المبادرة من ذكر عدة تفاصيل، منها تكوين اللجنة وعدد أعضائها وإطار عملها الزمني، وما إذا كانت ستكلف بصياغة قاعدة دستورية جديدة للانتخابات، أو ستتكفل فقط بالنقاط الخلافية بين المجلسين وتقر ما سبق واتفقا عليه، هذا فضلا عن البت في مسألة الحكومة التي ستشرف على الانتخابات، وسط انقسام تشهده البلاد منذ سنة بين حكومة الوحدة الوطنية (المنتهية ولايتها) التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة، والأخرى المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا.

وتعقيبا على إحاطة باتيلي، رحب ابن العقيد الراحل معمر القذافي والمترشح للانتخابات الرئاسية سيف الإسلام بالمبادرة، وأكد دعمه المطلق لها، بحسب ما أعلنت عنه قناة الجماهيرية ليلة الاثنين.

وأعلنت قبائل الطوارق في ليبيا بدورها الثلاثاء عن دعمها لمبادرة المبعوث الأممي الخاص عبدالله باتيلي، داعين إلى تمثيلهم في أيّ لجان سياسية لحل الأزمة في البلاد.

جاء ذلك في بيان مشترك لرؤساء المجالس الاجتماعية وأعضاء بمجلسي النواب والأعلى للدولة المنتمين لقبائل طوارق ليبيا المنتشرة في الصحراء الكبرى بليبيا والجزائر ومالي والنيجر

وتقع في مناطق الطوارق بالجنوب الليبي حقول نفطية كبيرة كحقل الشرارة في أوباري وحقل زلاف في منطقة العوينات. وأكد طوارق ليبيا على “دعمهم لمبادرة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا وتأييدهم لها في كل ما من شأنه إخراج البلاد من الوضع القائم”.

من جهتها أبدت عدة أحزاب سياسية “في بيانات منفصلة” ترحيبها بتشكيل اللجنة الجديدة والتوجه للانتخابات خلال العام الحالي، واحترام إرادة الناخبين، ومن ضمنها تكتل إحياء ليبيا، وحزب التغيير، ومبادرة القوى الوطنية، وتجمع الأحزاب الليبية.

وقال المتحدث باسم تجمع الأحزاب الليبية فتحي الشبلي الثلاثاء “نرحّب بالمبادرة، شرط أن يتم هذا العمل فعلا، وأن تضم اللجنة مختلف الأطراف الليبية المعنية بمن فيهم ممثلو الأحزاب السياسية المعتمدة، وأبرز الشخصيات السياسية، وزعماء القبائل، ومنظمات المجتمع المدني، والأطراف الأمنية الفاعلة، وممثلون عن المرأة والشباب

ودعا المتحدث باسم التجمع، الذي يضم 24 حزبا، إلى “تفادي الأخطاء السابقة المتمثلة في انعدام التمثيل الحقيقي للنسيج الاجتماعي الليبي، وانعدام إجراءات تعزيز النزاهة ومحاربة الرشوة والفساد”.

4