تباينات في صفوف المعارضة المصرية حول جدوى الحوار مع السلطة من دون ضمانات

لا تزال قوى المعارضة المصرية تدرس جدوى المشاركة في الحوار الذي دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي، في وقت سابق، وسط مخاوف من أن يصب هذا الاستحقاق في صالح السلطة دون أن يحقق هدف الإصلاح المنشود.
القاهرة – تمضي الأحزاب المدنية المحسوبة على المعارضة في مصر نحو عقد المزيد من اللقاءات والاجتماعات لبلورة موقف موحد من المشاركة في الحوار السياسي الذي دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرا، وسط مواقف متباينة بين قوى لا تمانع في الحضور، وإن لم تكن هناك استجابة لضماناتها قبل الحوار، وأخرى تشدد على أهمية تهيئة الأجواء بشكل إيجابي مع ما طرحته أخيرا.
ولم يخرج الاجتماع الذي استضافه حزب المحافظين (معارض) وشهد حضور اثني عشر حزبا تشكّل تحالف الحركة المدنية الديمقراطية، وأحزاب أخرى يسارية وشخصيات عامة محسوبة على التيار الناصري، بوثيقة مقبولة لطرحها على الحوار السياسي.
وجرى في نهاية الاجتماع الذي عقد مساء السبت الاتفاق على عقد اجتماع آخر الأسبوع المقبل لاستكمال التباحث حول أولويات الحوار والأطراف التي يجب أن يتم التحاور معها ومفاهيم الإصلاح المطلوبة.
ووضعت الحركة المدنية ضمانات لنجاح الحوار وتهيئة الأجواء المواتية للمشاركة فيه، أبرزها أن يجري تحت مظلة مؤسسة الرئاسة مباشرة، وتشكيل أمانة مسؤولة عن الإعداد له وإدارته وصياغة مخرجاته، وأن يعقد بين عدد متساوٍ ممن يمثلون الحكومة والمعارضة، وأن يتصدر الإصلاح السياسي قائمة ملفات النقاش.
طلعت خليل: بعض القوى غير مقتنعة بجدوى الحوار وتفضل رفضه
وبدأت جهات قريبة من الحكومة في تسريب معلومات حول دعوة جميع الأحزاب والقوى السياسية القريبة منها، ما يوحي بأغلبية الموالاة على حساب المعارضة.
وكشف نائب رئيس حزب المحافظين طلعت خليل أن الاجتماع الأخير شهد نقاشات موسعة حول أولويات الحوار وأن هناك إجماعا بين المشاركين على ضرورة أن يأتي الإصلاح السياسي والإفراج عن سجناء الرأي دون قيود أو شروط لممارسة حياتهم الطبيعية على رأس الملفات التي يجب التطرق إليها، ولا يكون ذلك شرطا للقبول بالمشاركة، لكن يوضع على رأس الملفات التي تقدمها أحزاب المعارضة.
وأضاف خليل في تصريح لـ”العرب” أن التباحث في الاجتماعات المقبلة سيكون حول الاتفاق على الشخصيات التي تمثل المعارضة في الحوار، ومن المتوقع التوافق حول مشاركة خمس إلى سبع قيادات حزبية وشخصيات عامة لتكون ممثلة فيه لتولي مهمة التواصل مع الجهات الرئيسية، وتكون تلك الجهة مؤسسة الرئاسة، على أن تكتفي الأكاديمية الوطنية للتدريب بعملها كجهة فنية تؤسس لانطلاق الحوار.
ولفت إلى وجود مواقف مختلفة بين قيادات الصف الثاني والثالث والقواعد الشعبية بشأن القبول بالمشاركة في الحوار دون الاستجابة لضمانات تحدثت عنها الحركة المدنية، وثمة قناعة لدى البعض بعدم جدوى الحوار والأفضل رفضه إذا لم يتم تقديم تطمينات تشي بأن الأمور تمضي في مسار سليم، لكن بوجه عام توجد تطلعات لدى أحزب المعارضة للوصول إلى نتائج إيجابية.
ويعبر الخطاب الذي تستخدمه قيادات حزبية معارضة عن تباينات واضحة في وجهات النظر بشأن الحوار وجدواه وطريقة المشاركة فيه.
وحدث ذلك على مستوى الحزب الواحد، إذ اتخذ أحمد طنطاوي رئيس حزب تيار الكرامة موقفا متشدداً من الحوار ووجه انتقادات لاذعة للرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخراً، في حين أن مواقف قيادات أخرى داخل الحزب ذاته، بينهم المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، جاءت مرنة ومنفتحة.
وقال طنطاوي في تصريحات له إنه يوجد فريقان في المعارضة، الأول يبحث عن حوار جاد ومسؤول يصل إلى نتائج حقيقية موضع التنفيذ، والثاني يريد المشاركة في أية فعاليات، واصفا الفترة الحالية التي تمر بها البلاد بأنها “كارثية”.
حالة من غياب الثقة بين الحكومة والمعارضة تسيطر على الموقف من الحوار
وكشفت مصادر مطلعة داخل حزب تيار الكرامة لـ”العرب” أن الحزب عقد اجتماعاً مهمًا الجمعة شهد توافقًا بين غالبية المشاركين فيه على ضرورة إغلاق ملف السجناء السياسيين أولاً قبل الانخراط في حوار مباشر مع السلطة، بما يهيئ الأجواء المناسبة ويشجع الأحزاب على الانفتاح بشكل كبير.وحسب المصادر ذاتها، وجه الحزب مطالب مباشرة إلى لجنة العفو الرئاسي عن المحبوسين حول ضرورة صدور عفو رئاسي شامل وقرار قضائي من النائب العام بالإفراج عن كل السياسيين وإغلاق القضايا المفتوحة بشكل كامل، ما لم يتورط المتهمون فيها بحمل السلاح، أو ممارسة العنف أو حرضوا عليه.
ويرى حزب الكرامة الناصري أن معالجة كل حالة على حدة تؤدي إلى استمرار الملف لسنوات طويلة دون التوصل إلى حل نهائي للمحبوسين في قضايا رأي، والأفضل للحكومة ولجنة العفو والأكثر فاعلية في إقناع المعارضة إجراء حوار جاد يقضي باتخاذ قرار جماعي بشأن المحبوسين ليكون له تأثير مجتمعي قوي، ما يجعل هناك فرصة مواتية للانفتاح على الملفات ذات الارتباط بالإصلاح السياسي.
وتقول دوائر داخل الحزب إنه لا اختلاف على مبدأ أهمية المشاركة في الحوار، لكن من المهم الحصول على بوادر تشي بأنه سوف يقود إلى نتائج إيجابية، ويقتنع هؤلاء بأهمية عدم الدخول في حوارات لا تحقق المرجو منها، ففي تلك الحالة قد تحدث نتائج سلبية عديدة بدلاً من الوصول إلى انفراجة مطلوبة. وشهدت الساحة السياسية المصرية في الأيام الماضية نقاشات بشأن ضمانات أو شروط الأحزاب للمشاركة في الحوار، ووجهت دوائر محسوبة على الحكومة انتقادات لأحزاب رأت أنها تدفع بمطالب غير منطقية لا يمكن الاستجابة لها بسرعة، وذهبت باتجاه الترويج لنقاش مفتوح أولا ثم التوافق حول الملفات المطروحة في مرحلة ثانية.
وتسيطر حالة من غياب الثقة بين الحكومة والمعارضة على الموقف من الحوار، كما أن أطرافا عديدة فاعلة داخل الحركة المدنية التي لم تنخرط في تحالفات سابقة مع الحكومة خلال السنوات الماضية على قناعة بأن الحوار، بعد أن توسعت الأكاديمية الوطنية في دعوة الأطراف إليه، ليس له علاقة مباشرة بالأزمة السياسية الراهنة، وقد يصبح صوريًا ولا يقود إلى مخرجات تنفذ على الأرض.