تباينات روسيا وتركيا في المنطقة تهدد التفاهمات في سوريا

مؤشرات عدة توحي بأن التفاهمات التركية الروسية في سوريا معرضة للاهتزاز، مع اتساع الهوة بينهما في أكثر من ملف وتناقض مصالحهما. ولا يستبعد المحللون أن تقدم موسكو على خطوة عسكرية في إدلب مستغلة انشغال تركيا بصراعها مع عدة دول شرق المتوسط، على خلفية الاتفاقية التي وقعتها أنقرة مع حكومة الوفاق الليبية.
دمشق- تهدد التباينات الروسية التركية في أكثر من ملف بالمنطقة ومنها الملف الليبي، وتوجه أنقرة للتخفيف من تبعيتها لموسكو في مجال الطاقة عبر إبرام اتفاقية مثيرة للجدل مع حكومة الوفاق الليبية بشأن الحدود البحرية، التفاهمات بينهما في سوريا، ومنها اتفاق سوتشي الذي جرى إبرامه العام الماضي بشأن إقامة منطقة خفض تصعيد في إدلب.
ورغم وجود روسيا وتركيا على طرفي نقيض في ما يخص الأزمة السورية حيث تدعم موسكو الرئيس بشار الأسد، وفي المقابل تساند أنقرة الجماعات المعارضة والإسلامية المناوئة، بيد أنهما نجحتا على مدار السنوات الأخيرة في بلورة صيغة للتفاهم، لكنها خالية من أي أبعاد استراتيجية، ولا يمكن الرهان على استمراريتها.
وترقب روسيا اليوم التحركات التركية في شرق المتوسط بحذر مشوب بالقلق في ظل وعيها بأن أحد الأسباب التي دفعت أنقرة إلى إبرام اتفاقية بحرية مع حكومة لا تسيطر سوى على نحو 20 بالمئة من مساحة ليبيا، هو السعي خلف طموحها في أن تتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، وتقليل اعتمادها على الغاز والنفط الروسيين.
وتستورد تركيا نحو 75 بالمئة من حاجياتها من الطاقة من الخارج، معظمها من روسيا وإيران، ويقول محللون إن التحركات التركية تثير قلق موسكو ولكن الأخيرة تراهن على وجود جبهة إقليمية ودولية متعاظمة كفيلة بالتصدي لتلك التحركات.
وتعتبر موسكو أنه قد يكون أمامها فرصة كبيرة لتحويل القلق من تنامي نفوذ تركيا بما يتصادم ومصالحها في المنطقة إلى فرصة خاصة في سوريا حيث أن تركيا ليس في وسعها فتح جبهات عدة في الآن ذاته، وبالتالي قد يكون حان الوقت لاتخاذ خطوة في اتجاه إدلب طال انتظارها.
وأعربت موسكو، الأحد، عن قلقها من عدم حل قضية “استمرار التهديد الإرهابي” في منطقة إدلب شمال غرب سوريا، بالتزامن مع عودة الغارات الروسية والسورية على ريفي المحافظة الشرقي والجنوبي. وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف إن تحرير المحافظة من الإرهابيين ضروري للحفاظ على أمن العسكريين الروس والسوريين، موضحا “لم يتم حتى الآن تنفيذ عملية فصل الإرهابيين في إدلب (عن باقي التشكيلات التي تعد جزءا من المعارضة)، والإرهابيون ما زالوا ناشطين هناك، وهم يمثلون تهديدا بالنسبة إلى الجيش السوري وعسكريينا”.
وشدد المتحدث باسم الكرملين على “أن إخراج الإرهابيين من منطقة إدلب مسؤولية تتحملها تركيا” بموجب الاتفاق الموقع بينهما في سوتشي في العام 2018.
ويقول محللون إن تصريحات بيسكوف تحمل بالواضح رسالة لتركيا بأنها في حال استمرت في المماطلة في تنفيذ بنود اتفاق سوتشي الذي يقوم على فصل الجهاديين عن الفصائل المعارضة في إدلب، فإنها ستضطر إلى التحرك.
ويشير المحللون إلى أن تصريحات بيسكوف التي تترافق مع عودة الضربات الجوية ضد مناطق تسيطر عليها هيئة تحرير الشام في المحافظة، بالتوازي مع حديث عن حشد عسكري للجيش السوري في المنطقة، يوحي بأن موسكو لن تقبل باستمرار الوضع في إدلب إلى ما لا نهاية وأنها قد تضع نصب أعينها التوجه لحسم الملف هناك عسكريا خلال الأشهر القليلة المقبلة.
رسالة روسيا يبدو أنها وصلت سريعا إلى أنقرة التي سارعت للرد عبر رئيسها رجب طيب أردوغان الذي اتهم روسيا والولايات المتحدة بعدم الإيفاء بوعودهما لجهة طرد وحدات حماية الشعب الكردية من شمال شرق سوريا.
ونقلت وكالة “الأناضول” التركية، الاثنين، عن أردوغان القول في مقابلة تلفزيونية تم بثها مساء الأحد “موسكو وواشنطن لم تلتزما بوعودهما حيال إخراج الإرهابيين من الشمال السوري، وتركيا ستتدبر أمرها بنفسها لإبعاد خطر التنظيمات الإرهابية عن حدودها”.
وتابع “الولايات المتحدة وتنظيم وحدات حماية الشعب الكردية/حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي السوري) يسيطران على آبار النفط في دير الزور، ويقومان ببيع النفط إلى النظام السوري، وفي القامشلي توجد أيضا آبار للنفط وهناك يسيطر النظام والروس على تلك الآبار”.
وكانت روسيا قد توصلت إلى اتفاق مع تركيا في 22 أكتوبر الماضي، هو امتداد لاتفاق موجز جرى بين واشنطن وأنقرة، يقضي بوقف عملية نبع السلام التي شنتها أنقرة في التاسع من ذات الشهر ضد الأكراد في شمال شرق سوريا، مقابل انسحاب المقاتلين الأكراد إلى عمق 30 كلم، وعودة انتشار الجيش السوري في تلك الأجزاء، مع تولي القوات التركية والروسية إجراء دوريات مشتركة على طول الشريط الحدودي بعمق 10 كلم يستثني القامشلي.
وزعم أردوغان أن “تركيا لا تهتم بالنفط في شمال سوريا، بل تولي اهتماما لأمن السكان الذين يعيشون في تلك المناطق”. وأضاف “عرضت على قادة بعض الدول أن ننفق عائدات النفط على سكان المنطقة الآمنة التي سنقيمها في الشمال السوري، ونضمن عودة اللاجئين إلى ديارهم ونقدم لهم حياة كريمة، فلم أتلق أي رد منهم”.
أعربت موسكو عن قلقها من عدم حل قضية "استمرار التهديد الإرهابي" في منطقة إدلب شمال غرب سوريا، بالتزامن مع عودة الغارات الروسية والسورية على ريفي المحافظة الشرقي والجنوبي
وتعكس تصريحات أردوغان وتهديده الضمني بعودة اجتياح شمال شرق سوريا، خشية من أن تستغل روسيا على وجه الخصوص انشغاله بالمعارك التي فتحها في شرق المتوسط مع أكثر من دولة لضرب إنجازاته في سوريا وخاصة في إدلب.
وتكتسي إدلب أهمية استراتيجية بالنسبة لأنقرة حيث أنها تعد المحافظة الوحيدة تقريبا التي هي تحت سيطرة الفصائل المعارضة والإسلامية التي تدين لها بالولاء، وقد نجحت تركيا في استثمار اتفاق سوتشي من خلال تعزيز تواجدها المباشر في تلك المنطقة عبر تركيز 12 نقطة عسكرية.
وتلويح روسيا بعملية ضد إدلب سيعني ضربة قوية لأنقرة حيث ستفقدها إحدى أهم أوراقها في هذا البلد، فضلا عما قد تفضي إليه من موجة نزوح غير مسبوقة إلى أراضيها سيكون من الصعب عليها التعامل معها.
وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، الاثنين، أن الجيش السوري يواصل استقدام التعزيزات العسكرية إلى مواقعه في القطاع الجنوبي من ريف إدلب، حيث وصل رتل عسكري ضخم مؤلف من مدرعات ودبابات وآليات ثقيلة، إضافة إلى جنود، إلى مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، كما وصل رتل عسكري آخر إلى محور سنجار بريف
إدلب الشرقي. ونقل المرصد عن مصادر محلية أن الجيش أبلغ أهالي قرى منطقة سنجار بضرورة إخلاء مناطقهم، فيما دعت غرفة العمليات العسكرية التي يشرف عليها ضباط روس، إلى رفع الجاهزية القصوى على المحاور الشرقية لمدينة إدلب، في ما يوحي بعملية عسكرية واسعة تلوح في الأفق.