تباعد المسافات بينها وبين الشباب يدفع الحكومة المصرية إلى "شراء" ثقة كبار السن

القاهرة – عكست موافقة مجلس النواب المصري على مشروع قانون مقدّم من الحكومة يغدق عطايا مالية واجتماعية على فئة كبار السن سعي السلطة لتوطيد العلاقة بينها وبينهم كي يظلوا ظهيرا شعبيا بلا طموحات سياسية، باعتبارهم يمثلون قرابة سبعة ملايين نسمة، وهم رقم مهم في دعم الاستقرار دون أن يشكلوا منغصا لها.
وأظهرت المزايا الممنوحة لفئة كبار السن في مشروع “حماية المسنين” حجم التقدير السياسي الذي تتعامل به الحكومة مع هذه الشريحة، والتي ساندت الدولة في أوقات صعبة وليست لها طموحات أو مساومات للحصول على مكتسبات لتأييد الدولة في مواجهة خصوم سياسيين، وهو ما ظهر في استحقاقات انتخابية سابقة.
وفي الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أُجريَت في السنوات العشر الماضية كان كبار السن الأكثر مشاركة، وأسهموا في تلميع صورة النظام بالمشاركة الإيجابية في الوقت الذي كان يعاني فيه من تعالي الأصوات المنادية بالمقاطعة لزيادة الضغوط عليه، ما يجعل العطايا التي قررت السلطة منحها لهم محاولة لإبقائهم قوةً ناعمة في الداخل.
من الخطأ تهميش الشباب والاكتفاء بصناعة تكتلات أو "لوبيات" شعبية ضعيفة سياسيا من النساء وكبار السن
وشملت المزايا التي قررت الحكومة منحها لهم إعفاءهم جزئيا من كلفة ركوب وسائل النقل العام وزيارة المسارح والمتاحف والمواقع الأثرية وبناء مؤسسات اجتماعية للإقامة فيها مجانا، مع حصولهم على مساعدات مالية وتوصيلها حتى منازلهم، وتحمّل نفقات علاجهم، ومحو أمية بعضهم، وإنشاء مقار ترفيهية وتثقيفية للإعاشة النهارية.
وقامت دوائر رسمية لأول مرة باستطلاع رأي شريحة في مشروع قانون يخصها، ما عكس التقدير السياسي لكبار السن، حيث تمت مشاركتهم في بنود التشريع الجديد بالاستماع إليهم والنظر في مطالبهم وتضمينها في المواد القانونية، بما يتناسب مع احتياجاتهم.
وسوّقت الحكومة لفكرة أن ما تقوم به تجاه كبار السن يعزز جهود الدولة في تطبيق نموذج مثالي لاحترام حقوق الإنسان دون تمييز أو انتقائية، في محاولة لتثبيت وجهة نظرها التي تعتبر أن الحق في السكن والتعليم والصحة أَولى من الحقوق السياسية التي أحيانا تتهم منظمات حقوقية محلية ودوليةٌ القاهرةَ بانتهاكها.
وتعتقد دوائر سياسية أن إعداد تشريع خاص بفئة كبار السن يدعم خصوصية العلاقة بين النظام وتلك الشريحة، ويعوّل عليها في تقديم الدعم غير المحدود للسلطة أمام تعاظم التحديات الداخلية والخارجية بعد أن أخفقت الحكومة في إدارة العلاقة مع الشباب كفئة متمردة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ويصعب التقارب معها.
ويبدو أن خطة النظام المصري لتثبيت قاعدة شعبية قوية دون منغصات تقتصر على كبار السن والنساء، فقد سبق أن منح المرأة مكتسبات كثيرة، ولم يتم الاقتراب آنذاك من المسنين بالقدر نفسه، والآن يعد الحفاظ على هاتين الشريحتين بالنسبة إلى الدولة عملية سياسية مهمة، فهما الحزب السياسي غير المعلن أو الصامت وله قاعدة شعبية.
وقال إكرام بدرالدين، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن “كبار السن في مصر رقم حيوي في أي معادلة سياسية، وركيزة لدعم الأمن والاستقرار ومواجهة التحديات. وبحكم التركيبة المجتمعية التي تميل إلى احترام الأعراف والتقاليد والموروثات، تعد هذه الفئة من أكثر الفئات التي تدعم جهود الدولة في الحفاظ على ما تحقق من استقرار”.
وأضاف لـ”العرب” أن “هذه الشريحة لديها رؤية خاصة لطريقة الحفاظ على الدولة وقت التحديات، وهذا ما تدركه الحكومة. وطالما هناك محاولات متكررة للنيل من الوطن عبر أطراف خارجية يظل من الضروري ترميم الجبهة من الداخل عبر تعظيم التقارب بين الحكومة والفئات الأكثر تماسكا وطموحها ينحصر في تحقيق الاستقرار”.
ويرفض النظام المصري خسارة شريحة مؤثرة مثل كبار السن وسط محاولات بعض قوى المعارضة تأليبهم على السلطة من خلال التركيز على الغلاء وتصاعد حدة الأزمات الاقتصادية واستفزازهم لتوجيه خطاب يدغدغ مشاعرهم ويجعلهم رمزا قادرا على توجيه المجتمع ضد الحكومة، لكن الأخيرة قدمت مزايا لسد تلك الثغرة.
وأصبح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مهتما بالحفاظ على الكتل الشعبية المتماسكة أكثر من أي وقت مضى، لمساندة الدولة في خضم وضع معقد اقتصاديا وتصاعد مخاطر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وإمكانية تحولها إلى صراع إقليمي.
يبدو أن خطة النظام المصري لتثبيت قاعدة شعبية قوية دون منغصات تقتصر على كبار السن والنساء
ويمكن تفسير الطمأنينة التي تظهر على ملامح الرئيس السيسي عندما يتحدث عن قدرة الدولة على مواجهة التحديات بأن ذلك مرتبط بشعوره بتماسك الكتلة الجماهيرية التي يعول عليها لتكون ظهيرا سياسيا له بعد أن تأكد من دعمها له في عدة مناسبات واجه فيها تحديات، وهي كتلة لا تمثلها شخصيات سياسية محددة أو أحزاب تدور في فلك السلطة أو تعارضها.
وتدرك الحكومة المكانة المعنوية لهذه الشريحة الاجتماعية، حيث يتعامل معها مصريون كتركيبة تتمتع بقدر وافر من الوقار والتقدير وصوتها مسموع في محيطها، وربما تعد مرجعية فكرية وثقافية وسياسية في الكثير من التصورات، لذلك يصمم الرئيس السيسي على عدم التفريط فيها وكسب ودها كحارسة للدولة والسلطة معا.
وأشار إكرام بدرالدين في حديثه لـ”العرب” إلى أن “المرحلة المقبلة مفصلية بالنسبة إلى مصر على مستويات متعددة، وثمة حاجة ملحة إلى المزيد من الحفاظ على كل كتلة شعبية تُدرك قيمة استقرار الدولة وأمنها، ما يتطلب حراكا أقرب إلى رد الجميل لمن ساندوا الوطن وقت الصعوبات لضمان مواصلة دعمهم عند اشتداد الأزمات وتشعبها”.
ويقول مراقبون إن تكريس دعائم الاستقرار لا يجب أن يكون بعيدا عن أكبر فئة في المجتمع، وهي فئة الشباب، إذا أرادت السلطة تجييش الشارع خلفها في مواجهة التحديات الراهنة وسد ثغرات قد ينفذ منها الخصوم، لأن هذه الفئة بالنسبة إلى الدولة تصبح رهانا خاسرا عندما تتخذ موقفا سلبيا إزاء السلطة، ورهانا رابحا إذا تصدت للأزمات.
ولذلك من الواجب عدم الاكتفاء بصناعة تكتلات أو “لوبيات” شعبية ضعيفة سياسيا من النساء وكبار السن، ومن الخطأ تهميش الشباب وتجاهل الاستجابة لمطالبهم التي من أبرزها نيل الحريات العامة وفتح أبواب ونوافذ أمامهم للمشاركة السياسية الحقيقية.