تباطؤ مفاجئ للتضخم في لبنان رغم تراكم الأزمات

مخاوف من أنه إذا طال أمد الحرب في الجنوب وتوسعت رقعتها فسيدخل الاقتصاد في المجهول، بما أن الوضع منهك بالكامل.
الثلاثاء 2024/10/22
اقتصاد باتجاه المجهول

بيروت- رصدت الجهات المعنية بالإحصاء في لبنان انحسارا مفاجئا في مؤشر أسعار الاستهلاك رغم تراكم الأزمات الاقتصادية والسياسية، التي يعاني منها البلد منذ أواخر 2019 لتنضاف إليها محنة الحرب.

وتباطأ معدل التضخم في سبتمبر إلى أدنى مستوياته على أساس سنوي منذ مارس 2020، ليسجل 32.92 في المئة من 35 في المئة خلال شهر أغسطس بحسب إدارة الإحصاء المركزي.

ويأتي ذلك بينما يواجه البلد تداعيات حرب حزب الله مع إسرائيل، والتي بدأت تتفاقم في نهاية الشهر الماضي، وسط توقعات بأن تكون التداعيات وخيمة على الاقتصاد اللبناني المشلول أصلا.

وكانت شركة بي.أم.آي التابعة لفيتش سوليوشنز توقعت الشهر الجاري أن يرتفع التضخم في السوق المحلية من 37.3 في المئة خلال الربع الثالث إلى حوالي 47 في المئة خلال الربع الرابع من عام 2024.

32.92

في المئة معدل التضخم في سبتمبر الذي تباطأ إلى أدنى مستوياته على أساس سنوي منذ مارس 2020

وتسارع معدل التضخم منذ العام 2021 ليصل إلى أكثر من 231 في المئة بنهاية العام الماضي، مدفوعا بانخفاض سعر الصرف خلال النصف الأول من 2023 والدولرة السريعة للمعاملات الاقتصادية.

ومن المحتمل أن ترتفع ضغوط التضخم إذا أدى ارتفاع الطلب وانخفاض نشاط الشحن إلى نقص السلع الأساسية في السوق أو إذا ظهر نقص في الدولار، ما يؤدي إلى زعزعة استقرار سعر الصرف الذي تم تثبيته منذ أغسطس 2023.

وظل سعر الصرف في لبنان مستقرا وسط الأزمة التي تواجه البلد، خاصة مع استمرار تدفقات التحويلات المالية والمساعدات.

ومع ذلك يسير الاقتصاد في منحنى هبوطي أكثر من المتوقع هذا العام مع دخول الحرب منعطفا خطيرا بعدما تعرض البلد لهزات كبيرة منذ أواخر 2019 حيث تدمرت فيه القدرة الشرائية للناس وانهارت الليرة وجمّدت البنوك الودائع.

والشهر الماضي توقع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية تقلّص الناتج المحلي بشكل إضافي بسبب الظروف الجيوسياسية لاسيّما التصعيد الراهن على خلفية الحرب في قطاع غزة.

وسيتقلص الاقتصاد بنسبة واحد في المئة خلال السنة الجارية، في اختلاف جذري عن تقديرات البنك في مايو الماضي، حين رجّح تحقيق لبنان نموا طفيفا في 2024.

ويخشى المسؤولون اللبنانيون من أنه إذا طال أمد الحرب في الجنوب وتوسعت رقعتها فسيدخل الاقتصاد في المجهول، بما أن الوضع منهك بالكامل، ولاسيما ما تعلق منه بالقطاع العام والمؤسسات الحكومية.

ويُتوقع أن يُضاف البلد، الذي مُنع بالفعل من أسواق الدين العالمية، إلى “القائمة الرمادية” التابعة لإحدى الهيئات الرقابية بسبب اتهامات حول تقصير البلاد في مكافحة التمويل غير المشروع.

وكشفت مصادر مطلعة لبلومبيرغ مؤخرا أن مجموعة العمل المالي (فاتف) تعتزم وضع لبنان على قائمتها الرمادية بحلول يوم الجمعة المقبل، وهو اليوم الأخير من جلستها العامة في باريس. ولم يجر اتخاذ قرارات نهائية بعد في هذا الصدد.

وقد يزيد هذا الوضع من العقبات التي تواجهها الدولة بعدما أعلنت تعثرها في سداد ديونها لأول مرة في 2020، وسط جمود سياسي وحرب ومعيشة صعبة.

الاقتصاد سيتقلص بنسبة واحد في المئة خلال السنة الجارية، في اختلاف جذري عن تقديرات البنك في مايو الماضي، حين رجّح تحقيق لبنان نموا طفيفا في 2024

وتفيد تقارير صادرة عن صندوق النقد الدولي بأن الدول المدرجة في القائمة الرمادية شهدت انخفاضا كبيرا على أساس إحصائي في تدفقات رؤوس الأموال.

ولا يعد هذا التصنيف بالغ السوء كما هو الحال في القائمة السوداء، حيث يشير إلى أن المسؤولين اللبنانيين يتخذون بعض الخطوات لمعالجة القصور الحالي.

وللتخلص من هذا التصنيف يجب أن توافق أغلبية كبيرة من أعضاء مجموعة العمل المالي على أن الدولة أحرزت تقدما كافيا منذ بدء فترة التقييم. وتقول المصادر إنه يمكن أن تؤدي بعض الأصوات ضد ذلك إلى إدراجها في “قائمة الدول التي تخضع لمراقبة متزايدة”.

وفي مطلع هذا الشهر قفز التداول على سندات لبنان السيادية المتعثرة بشكل غير معتاد خلال تصعيد إسرائيل حملتها العسكرية ضد حزب الله نتيجة لرهانات ضعيفة على أن ما سيحدث بعد الحرب سيكون أفضل للمستثمرين من الوضع الراهن.

ويشتري المستثمرون هذه الديون معتقدين أن أفضل احتمالات الإصلاح في لبنان تعتمد على إضعاف حزب الله، الجماعة المدعومة من إيران التي تتمتع بنفوذ كبير في السياسة اللبنانية.

وإضافة إلى أن الاستثمار في لبنان الآن قد يكون نوعا من “التفكير بالتمني”، فإن هذا التداول أيضا “غير متسق للغاية”، بحسب ما قاله سورين مورتش، مدير المحافظ في دانسكي بنك لبلومبيرغ. ويعني مورتش بذلك أنها رخيصة الثمن.

ويكلف شراء سندات لبنان المتعثرة المستثمر بنسات قليلة لأنها تُتداول دون قيمتها بكثير، وقد ترتفع الأسعار “إلى حوالي 25 سنتا إذا أُزيل حزب الله من المشهد وتم التوصل إلى حل من نوع ما”، وفق مورتش.

وقال “استثمرنا اعتقادا منا أن هجوم إسرائيل على حزب الله سيحول لبنان إلى بلد لديه بعض الأمل في الازدهار مرة أخرى”.

10