"تاو".. مختطفون تحت سيطرة الذكاء الاصطناعي

المخرج فيدريكو دليساندرو يطرح الإشكالية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي لكن في إطار معالجة تجمع ما بين الخيال العلمي والجريمة.
الاثنين 2018/07/09
امرأة في مواجهة مصير مجهول

 

لا شك أن الذكاء الاصطناعي صار ظاهرة حياتية، فضلا عن كونه موضوعا متداولا في سينما الخيال العلمي، فوثق الصلة التي تجمع ما بين البشر ومنظومة اللوغاريتمات التي تتحكّم بمفاصل مهمة من الحياة اليومية، لتنتج أفلاما تجمع بين جدة الطرح ومتعة الإثارة، كفيلم “تاو” للمخرج فيدريكو دليساندرو

يحضر الذكاء الاصطناعي بوصفه نوعا متخيلا ممّا سوف يؤول إليه العالم الرقمي والتكنولوجيا المتطورة، وبذلك حضرت المعالجات السينمائية لهذا النوع مبكرا، ولربما كان فيلم “ميتروبولس” (إنتاج 1927) للمخرج الألماني فريتز لانك من أوائل أفلام الخيال العلمي التي ذهبت بعيدا في تخيل ظاهرة الذكاء الاصطناعي.

وتوالت إثره أفلام عديدة عالجت الثمية نفسها، منها فيلم “اليوم الذي توقفت فيه الأرض” (1951)، “الفتى غير المرئي” (1957)، “الفافيل” (1965)، “أوديسا الفضاء” (1968)، “مشروع فوربين” (1970)، “العالم الغربي” (1973)، مرورا بـ”تورن” (1982)، “الفاني” (1984)، “ستارتريك” (1994)، “ماتريكس” (1999)، وصولا إلى “الرجل الحديدي” (2008)، “إيلسيوم” (2013)، “مورفان” (2016) و”متسابق المتاهة” (2017) وغيرها.

وفي الفيلم الجديد “تاو” لمخرجه فيدريكو دليساندرو (إنتاج 2018)، تطرح الإشكالية ذاتها والمتعلقة بالذكاء الاصطناعي لكن في إطار معالجة تجمع ما بين الخيال العلمي والجريمة.

هنا تختزل قيمة البشر في ما يشبه العبيد لنظام الذكاء الاصطناعي، ويتم اختطاف أي إنسان لكي تجرى عليه التجارب التي تربط ما بين الدماغ ووظائفه وبين أجهزة الاستشعار الرقمية وأنظمة اللوغاريتمات.

يتم اختطاف جوليا (الممثلة مايكا مونور)، وتجد نفسها في ما يشبه السجن، وقد تم تكميم فمها وتقييد يديها في مكان معتم ومعها آخرون.

وتكتشف جوليا في ما بعد أنها والآخرون يتم إجراء تجارب خطيرة عليهم، وهي شخصيا تتعرض مرارا إلى جلسات ما يشبه الصعق الكهربائي للدماغ، كل ذلك تحت إشراف شخص واحد هو أليكس (الممثل ايد سكيرين) الذي يقود المشروع برمته، وهو عالم في مجال الذكاء الصناعي، يلتقط أولئك البشر لإجراء التجارب عليهم ولا يتورّع عن التخلص منهم عند انتفاء الحاجة إليهم أو عند حصول مضاعفات عضوية لديهم.

ومنذ اكتشاف جوليا أنها مختطفة تسعى بشكل متواصل للنجاة بنفسها بشتى الوسائل، لكنها في كل مرة تصطدم بالحواجز المحكمة التي كان قد أعدها أليكس للحيلولة دون هرب ضحاياه.

الذكاء الاصطناعي يسيطر على كل شيء في ذلك المكان المعزول، وهنالك العقل المسيطر “تاو” الذي يتكلم مع أليكس ويبرمج له مواعيده ويتحكم في روبوت هجومي قاتل في حال مخالفة أوامره. وبعد هلاك الآخرين لا يبقى سوى جوليا وأليكس في وسط دراما فيلمية قوامها شخصيتان وثالثهما الذكاء الاصطناعي ممثلا في تاو.

شراسة جوليا لا تقابلها إلاّ وحشية أليكس ولا مبالاته، وفي الوقت نفسه قيامها بالترويض التدريجي لتاو (الصوت للممثل غاري أولدمان) إلى درجة دفعه إلى التساؤل عن العالم الخارجي الذي يجهله، ومن ثم تفاعله مع جوليا ودفاعه عنها.

يبدو المشروع برمته تكرارا يوميا رتيبا لتجارب أليكس وسباقه مع الزمن، وهو عنصر متكرر في هذه الدراما بسبب أن أليكس مطالب أمام هيئة مشرفة بنتائج المشروع الممول بميزانية ضخمة، ولهذا كانت يوميات أليكس التي يذكره تاو بها، هي بمثابة خط النمو الدرامي في الفيلم.

بني الفيلم سرديا على خطين أساسيين وهما الخط الذي ترتكز حوله شخصية أليكس، وهو الذي في كل يوم يحمل حقيبته ويخرج لا ندري إلى أين وفي أي زمن ولا في أي مدينة، والخط الثاني يتمحور حول شخصية جوليا التي غادرت عالمها الليلي الصاخب لتجد نفسها في سباق مع الموت الذي ينتظرها على يد أليكس.

اهتمت بالفيلم صحف ومواقع عدة ومنها الغارديان البريطانية وهولوود ريبورتر، وكتب عنه الناقد المعروف روجر إيبيرت مثيرا نقطة مهمة، وهي إذا كان هذا المشروع بهذا الثراء المليوني، فلماذا يتم اختطاف الناس وقتلهم في أثناء التجارب، بدل استئجار متطوعين مثلا في مقابل المال؟ سؤال يبدو منطقيا تتبعه ثغرات في علاقة جوليا مع صوت الذكاء الصناعي المتحكم  تاو وعلاقتها مع أليكس.

وعلى صعيد العلاقة مع أليكس تم تطويرها دراميا حتى صرنا نقترب من الإحساس الإنساني، لذلك الشكل الرقمي واللوغاريتمي المجهول حتى أنه يتعرض للعقاب ويتألم ومن ثم يتمرد على سيده أليكس ليسمح لجوليا بالهرب.

ولعل من الثغرات الأخرى أيضا رتابة الصلة بين أليكس وجوليا، فبموجب اتفاقه معها يجلب لها الملابس ويسمح لها بالاستحمام وتناول طعام اعتادت عليه، لكن في المقابل كان مشهد نجاحها في الإجهاز على أليكس ثم قطع يده بمنشار، أكثر المشاهد مبالغة وبعدا عن الواقعية والإقناع.

على صعيد البناء البصري والمكاني فقد قدّم المخرج كثافة بصرية ملفتة للنظر ومنحَنا إحساسا عميقا بزمن ومكان مختلفين ومتقدّمين على زمننا.

كما زجّ الفيلم عددا من الحبكات الثانوية وكلها في إطار مساعي جوليا للهرب لتنتهي بتدمير الموقع برمته وخروجها الناجية الوحيدة منه.

16