تاكسي الغرام

"بفكر فيك وأنا ناسي"، معادلة اخترعها الشاعر أحمد رامي في "هجرتك" التي اعتبرها خاتمة مغامرة شغفه المجنون بأم كلثوم، في ما بعد اخترع الإخوان الرحباني معادلة طريفة هي الأخرى تقول “تعا ولا تجي”.

شيء أشبه بالأرجوحة الخيالية. مزج رامي النسيان بالذاكرة ومزج الإخوان الرحباني الذهاب بالإياب.

وفي الغرام لا يوجد تناقض بين أن تكون هنا، أو تكون هناك، فـ”القريب منك بعيد والبعيد عنك قريب/كل دا وقلبي اللي حبك لسه بيسمّيك حبيب”، كما تقول نجاة الصغيرة.

هناك اختراع اسمه تاكسي الغرام، هو الوسيلة التي يستقلها العشاق خياليا لكي يكونوا في مكانين في الوقت نفسه.

عام 1954 غنّى عبدالعزيز محمود وهدى سلطان “يا تاكسي الغرام يا مقرب البعيد/ بتسابق الحمام والسكة الحديد”، تلك إشارة إلى أن الزمن صار يمرّ سريعا و”أهل الهوى” صاروا في حاجة نقل معاصرة لكي يلتقطوا أنفاسهم.

غير أنّ القرب أحيانا يكون بقسوة البعد “وأمر ما لا قيت من ألم الهوى/قرب الحبيب وما إليه وصول”.

وكلما استمعت إلى أغنية “يا غايب ليه ما تسأل”، أفكر بالمصير الغريب الذي انتهى إليه مغنيها اللبناني فضل شاكر بعد أن صار نموذجا للقريب البعيد، المقيم الغريب والمواطن الهارب من مواطنته.

في مخيم عين الحلوة كما أعلنت شيرين عبدالوهاب، يقيم فضل شاكر واضعا وطنه بين قوسين منتميا إلى الشتات الفلسطيني.

اختفى فضل شاكر مثلما سبقه إلى الاختفاء مواطنه ربيع خولي الذي غنى بعد وديع الصافي “على رمش عيونها قابلني هوى/طار عقل مني وقلبي هوى”.

وفي واحدة من لفتات فريد الأطرش الغرائبية يقول “تطلع م الأرض أطلعلك/ تنزل م السما أنزلك”، كما لو أنه يشبه نفسه بالصاروخ، وهو في ذلك إنما يؤكد “وراك وراك ديما/ديما معاك ديما”، وهي الأغنية ذاتها التي يقول فيها “فيه مغناطيس في طلعتك”، ذلك المغناطيس هو أساس معادلة تقول “تطردني من باب جنتك/تلقاني جيتلك من الشباك”.

العاشق الذي لا يغيب حتى لو كان حضوره يشكل نوعا من الإحراج، عادة مرضية قد لا تنجح النصائح العادية في معالجتها.

ولو ينفع الكلام لكنا استعنا بياسمين الخيام وهي تقول “ابعد عني عيونك/أنا مش حمل هواك”.