تاريخ النساء في الثقافة العربية من أواخر القرن الـ19 إلى غاية القرن الـ21 مهمل وشبه منعدم

لم تكن الدعوات إلى تحرير المرأة نابعة من اقتناعها بأهميتها ودورها في حقول المعرفة والتاريخ الاجتماعي، بل كانت مقصية لها ومبنية على تحيز ذكوري امتد من دائرة الأسرة والمجتمع إلى صياغة التاريخ، وهو ما أكدته بعض الروائيات والكاتبات، مثل جليلة طريطر وفيروز رشام. ولفتت الكاتبات إلى أن التحرر بالوصاية الأبوية والذكورية لا يخدم الذاكرة النسائية ويجعل ذاكرة العالم تحوم حول الرجال.
تونس - أجمعت الكثير من الروائيات والأديبات العربيات على تهميش دور النساء في الثقافة العربية مشيرات إلى أن التحيز الذكوري امتد من دائرة الأسرة والمجتمع إلى صياغة التاريخ.
ووصفت الكاتبة التونسية جليلة طريطر تاريخ النساء في الثقافة العربية خلال الفترة الممتدة من القرن التاسع عشر إلى غاية القرن الحادي والعشرين بأنه مهمل وشبه منعدم.
وقالت “إن ما نجده دائما هو صوت المدرسة الذكورية التنويرية التي يعد المصلح الاجتماعي المصري قاسم أمين والمفكر التونسي الطاهر الحداد من أهم روادها”.
وأضافت أنه رغم دعوة هذه المدرسة إلى تحرر المرأة إلا أنها تبقى مستنبطة للأنظمة الذكورية التي تقصي النساء من الحقول المعرفية والتاريخ الاجتماعي، مشيرة إلى ضرورة رفع اللبس عن هذه المسألة وتسليط الضوء على تاريخ مواز ومدرسة نسائية عالمة ومغمورة حاول المجتمع الأبوي طمسها وتغييبها.
وقالت خلال تقديمها لكتابها “مرائي النساء: دراسات في كتابات الذات النسائية العربية” إنها اعتمدت في كتابها على تسلسل زمني محكم يبرز تطور الكتابة النسائية وأهميتها انطلاقا من الأديبة المصرية عائشة التيمورية وصولا إلى الأديبة التونسية حفيظة قارة، وتعرضت إلى أعلام نسائية بارزة في العالم العربي مثلت كتاباتهن محطة هامة لإيصال صوت النساء العربيات وإثبات الذات النسائية.
وأضافت في لقاء بمركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف) أن المرأة إن لم تتمكن من السلطة المعرفية الثقافية والصدع بصوتها لا يمكنها التحرر من ربقة الأنظمة الأبوية، مشيرة إلى أن التحرر بالوصاية الأبوية والذكورية لا يخدم الذاكرة النسائية ويجعل ذاكرة العالم تحوم حول الرجال.
بدورها تطرقت الباحثة والروائية الجزائرية فيروز رشام في كتابها “تاريخ النساء الذي لم يُكتب بعد: دراسة حول الكتابة والجندر في الثقافة العربية” إلى أسباب تجاهل النساء في صياغة التاريخ المكتوب رغم مشاركتهن في صناعته، خاصة وأن الرجال قد اهتموا كثيرا بالكتابة عن المرأة لكنهم قدموها بشكل يختزل وظيفتها في دور جنسي واجتماعي بحت مع اتهامها بالخطيئة والفتنة ونقص العقل فتم تغييب عقلها والاستخفاف به واعتبارها غير قادرة على إنتاج المعرفة.
ولفتت الكاتبة إلى أنه حتى النساء اللاتي نجحن في تعلم الكتابة وخلفن بعض النصوص وراءهن تم إهمالهن، ورغم ذكر أسماء العشرات من النساء الكاتبات والعالمات والفقيهات في كتب المعاجم والتراجم والسير القديمة ظلت النصوص مفقودة ولا أثر لها، والذين تولوا كتابة التاريخ لم يذكروا النساء إلا في سياقات هامشية كأنما لم يحققن شيئا مهمًا عبر الزمن.
وشددت الكاتبة على أن ذلك بالتأكيد مغالطة كبيرة لأنه لا يمكن الإدعاء بأن النساء لم يساهمن في بناء حضارات أوطانهن مهما كانت طبيعتها ودرجة تقدمها، وبذلك يكون التحيز الذكوري قد امتد من دائرة الأسرة والمجتمع إلى صياغة التاريخ.
المرأة إن لم تتمكن من السلطة المعرفية الثقافية والصدع بصوتها لا يمكنها التحرر من ربقة الأنظمة الأبوية
ثم إن الإسهاب الذي حدث في الكتابة عن المرأة في الثقافة العربية قد كرس الممارسات والاعتقادات الذكورية التي تعاني منها النساء في أرض الواقع عبر تشويه حقيقتهن والتكلم باسمهن ونيابة عنهن دون وجود معرفة حقيقية بهن. وتكشف الكتابات المتراكمة عن حجم الجهل بطبيعة النساء سواء من الناحية الجسدية أو من الناحية النفسية والعقلية، ما تسبب في تعميق الفجوة بين الجنسين وتعقيد العلاقات بينهما وهو ما انعكس سلبا على صيرورة الحضارة واتزان المجتمع، وعليه يعالج الكتاب هذه المعطيات من خلال تتبع حركة الكتابة باللغة العربية في مختلف الأبواب خاصة في الأدب والفقه مع المقارنة بين كتابات الرجال والنساء رغم قلة نصوصهن وحداثتها.
وقد طرحت الباحثة تساؤلات كثيرة تستدعي التفكر؛ فلو أن النساء شاركن في الكتابة والتأليف منذ بداية التدوين وساهمن في إنتاج المعرفة لكان شكل الثقافة والمجتمع مختلفا تماما، لكن الحقيقة التاريخية المفجعة هي أن تاريخ الكتابة يمتد لأربعة عشر قرنا في حين أن دخول النساء إليه ككاتبات ومؤلِّفات يعود إلى حوالي قرن ونصف القرن فقط رغم وجود بعض الاستثناءات النادرة قبل ذلك.
وفي أطروحة لنيل الدكتوراه بعنوان “أسس الفكر النسوي العربي: نوال السعداوي وفاطمة المرنيسي أنموذجين” قالت الكاتبة الجزائرية حبوشي بنت الشريف “تردد صدى النسوية في أنحاء العالم، فلم يكن الفكر النسوي غائبا عن أذهان المفكرين والباحثين العرب الذين تابعوا ما يجري في الغرب، لهذا ظهر في العالم العربي، منذ أوائل عصر النهضة، خطاب نسوي كجزء من المشروع الحداثي لدى الكثير من المفكرين أمثال رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وقاسم أمين، وغيرهم، حيث تزامن انبثاق الخطاب النسوي العربي مع نظيره الغربي، كما انطلق من مبادئ الفلسفة الليبرالية داعيا إلى تغيير أوضاع النساء في العالم العربي ومساعدتهن على تطوير أنفسهن ومساواتهن مع الرجال”.
وقد شاركت المرأة مشاركة نشطة وفاعلة في هذا الخطاب، وتناولت الكثير من الكتابات النسائية قضايا المرأة بدءا من الدفاع عن حق المرأة في التعليم وصولا إلى وضع المرأة الأسري القانوني وعمل المرأة وإدماجها في مؤسسات المجتمع، إلا أن هذا الخطاب بلغ أوجه في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، فبرزت على الساحة العربية أسماء خدمت قضية المرأة العربية.
وعلى مستوى مشاركة المرأة العربية في الإنتاج الإبداعي الثقافي كان للمرأة حضور مميز. وقالت فيحاء عبدالهادي (كاتبة وشاعرة، ومستشارة بحثية، وناشطة مجتمعية نسوية، ومحاضِرة) إنه على المستوى الثقافي الخاص، الذي يتمثل في الإبداع، فإن للمرأة العربية مساهمة أساسية فيه، منذ عصر النهضة. فمع نهاية القرن التاسع عشر واتساع التعليم، ورغم التقاليد التي كانت تقيد المرأة وتحصر دورها داخل أسوار البيت، تمكنت نساء من الوقوف إلى جانب الرجال في التعبير الأدبي عن الواقع الاجتماعي والسياسي، فبرزت كاتبات سياسيات وكاتبات اجتماعيات قمن بدور الريادة، وفتحن الأبواب أمام من يملكن الموهبة في كل أنواع الفنون والآداب، حتى بات لكل بلد عربي عدد من النساء اللواتي يقفن في الصف الأول مع الرجال في مجال الإبداع الأدبي والفني.
وصارت في الوطن العربي شاعرات متميزات، مثل: فدوى طوقان ونازك الملائكة وسلمى الخضراء الجيوسي، وكاتبات قصة مثل: سميرة عزام وغادة السمان وحزامة حبايب، وكاتبات رواية مثل: حنان الشيخ وهدى بركات وأحلام مستغانمي ورضوى عاشور وميرال الطحاوي وسحر خليفة وليانا بدر وليلى العثمان، وناقدات مثل: خالدة سعيد ويمنى العيد ورشيدة بن مسعود وبثينة شعبان، ومفكرات مثل: ملك حفني ناصف (باحثة البادية) ونوال السعداوي وفريدة بناني ومي زيادة وفاطمة المرنيسي وآسيا جبار. ولم تتوقف شهرتهن وتأثيرهن عند الحدود الإقليمية، فهناك من وصل إنتاجهن مترجماً إلى شتى دول العالم، وهناك سينمائيات معروفات على المستوى الدولي، مثل: مي المصري ومفيدة التلاتلي، وفنانات تشكيليات لهن موقعهن المتميز في التعبير، ومبدعات في غير ذلك من الفنون.
وبشكل عام يمكن القول ببروز أسماء تقف إلى جانب أكثر الأسماء شهرة في العالم، قدرة وانتشاراً؛ ما جعل مشاركة المرأة العربية في الإنتاج الإبداعي الثقافي، ركناً أساسياً في هذا الإبداع، حتى وإن مازالت لا تملك باعاً طويلاً في بعض ألوانه، مثل الموسيقى، تلحيناً وتأليفاً، والنحت إلى حد كبير، وهو ما يشكل ظاهرة عالمية لا تقتصر على المرأة العربية وحدها.