تاريخ الجزائر ترويه العُملات القديمة في معرض ثلاثي الأبعاد

لأول مرة في تاريخ المتاحف الجزائرية يقدّم متحف الزخرفة والمنمنمات وفن الخط بقصر مصطفى باشا في العاصمة الجزائر معرضا تُستعمل فيه التكنولوجيات الحديثة، تحديدا الهولوغرام الذي يسمح بعرض التحف واللقى الفنية بالتقنية ثلاثية الأبعاد، وهو المعرض الذي يسلّط الضوء على موضوع تطوّر الخطوط على المسكوكات.
الجزائر – يحتضن قصر مصطفى باشا بالقصبة في العاصمة الجزائر على امتداد شهر (من 23 مايو الماضي حتى الـ22 من يونيو الجاري) فعاليات معرض “رحلة الخط على المسكوكات” الذي ينظّمه متحف الزخرفة والمنمنمات وفن الخط بالتعاون مع متحف الآثار الإسلامية.
ويحكي المعرض حكاية سفر الخط الكوفي من عهد الرسول محمد إلى اليوم، ومدى تطوّر أحرفه على العملات النقدية التي تمّ استعمالها في مختلف الفترات. ويقدّم للزوار جولة تاريخية تراثية حول تطوّر الخط على المسكوكات الإسلامية من خلال مجموعة من المسكوكات المحفوظة في المتحف العمومي الوطني للآثار القديمة والفنون الإسلامية بالجزائر.
وتعدّ المسكوكات الإسلامية، ومسكوكات دويلات المغرب الأوسط خاصة، أبرز المكتشفات التي عرفتها المجتمعات البشرية، فبواسطتها استطاعت التخلُّص من صعوبة التعامل بالمقايضة.
ولهذا يؤكد الكثير من الباحثين أن دراسة النقود تزوّد الباحث والمتابع بمعلومات دقيقة عن حياة الشعوب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وعن القيم الفنية التي تتجلى في ما تم نقشه من أسماء الخلفاء والأماكن وأحداثها؛ فهذه النقود تُعدّ المرآة العاكسة لحضارة الشعوب الإسلامية وتسهم في التعرّف بصورة دقيقة على مظاهر القوة والضعف التي مرّت بها هذه الشعوب.
ويكتسي موضوع السكة أهمية بالغة بوصفها رمزا من رموز الدولة، وشارة من شارات الملْك، وبها تُقاس حضارة الشعوب وتُعْرف السلالات الحاكمة.
ويقدّم المعرض هذه المسكوكات التاريخية أمام الجمهور بعد أن تمت رقمنة المجموعة بهدف عرضها بتقنيات حديثة، مع تقديم الشروحات للزوّار، وهي شروحات تحوم حول تاريخ هذه الكنوز النقدية ومصدرها.
ومن خلال ما يحفظه متحف الآثار القديمة بالجزائر يمكن للمرء تتبّع رحلة الخط على مجموعات من النقود، وذلك بدْءا من الفترة المدارية وصولا إلى فترة الأمير عبدالقادر، والوقوف على رقيّ الخط العربي واستمرار عطائه من الفترات القديمة إلى الآن.
وقد تنوّعت المسكوكات التي كانت تُسكُّ في دار الضرب بين الدنانير الذهبية والدراهم الفضية والفلوس النحاسية. وقد عرّف ابن خلدون عملية سكّ النقود بالقول “هي الختم على الدنانير والدراهم المُتعامل بها”. وتتمُّ هذه العملية عبر قيام عامل دار الضرب، الذي يُلقّب بالفتّاح، بنقش أو حفر العبارات التي عُهد إليه بكتابتها في الدينار والدرهم بإذن من الملك على ختم بشكل مقلوب، وينبغي أن يكون هذا العامل بارعا في الخط وعالما بأنواعه وقواعده ومُراعيا لأحكامه.
أمّا عن الأداة المستعملة في عملية السكّ فتُعرف باسم “الختم” أو “الأزواج”، كما يُطلق عليها اسم “قوالب الضرب”؛ وهي قوالب تنقش عليها عبارات مقلوبة، ويُضرب بها على الدينار أو الدرهم، فتخرجُ تلك النقوش على السكة ظاهرة مستقيمة.

وكانت هذه القوالب تُصنعُ عن طريق صبّها بطريقة تجعل منها مطابقة للنسخ الأصلية المحفورة حفرا مباشرا، والمسمّاة بالقوالب الأم، والتي يُمكن تصنيفها إلى نوعين: قوالب محفورة، وقوالب مصبوبة.
وعن أشهر المراحل التي رافقت فيها الخطوط العربية المسكوكات الإسلامية يُمكن الحديث عن تلك التي ميّزت عهد النبي محمد، إذ تمّ استعمال الخط المكي، أو ما يُعرف بالخط الحجازي. وفي المقابل يوجد الخط المزوي، أو ما يُعرف بالخط الكوفي، وكتبوا به النقود؛ كنقد علي بن أبي طالب، والمصاحف؛ كمصحف الخليفة عثمان، وانتشر هذا النوع اليابس في أرجاء العالم الإسلامي.
ثمّ تبنّت كل المدارس الفنية الإسلامية المشرقية الخط الكوفي البسيط، فسُكّت به النقود الأموية والعباسية، واستُخدم الطراز المغربي الكوفي البسيط خلال القرن الثالث للهجرة من قبل فناني الدولة الإدريسية، حيث نقشت الكتابات على خلفية خالية من الزخارف النباتية، وبحروف بسيطة الشكل تتمحور حول سطر قاعدي.
وسرعان ما تنوّعت الخطوط؛ إذ عرفت النقود الإسلامية استعمال خطوط أخرى على غرار الخط الكوفي القيرواني والخط الكوفي الفاطمي والخط الكوفي المرابطي والخط النسخي المرابطي والخط النسخي الموحدي والخط الكوفي الموحدي المورّق والخط المغربي الأندلسي وخط الثلث المغربي والخط المغربي.
وتؤكّد الدراسات والبحوث الأكاديمية المختصّة أن بداية سكّ نقود شمال أفريقيا بالنقود البونية كانت مع القرطاجيين، وعرفت عملة تلك الفترة باسم الشيكل وتحمل على أحد وجهيها صورا آدمية وحيوانية ونباتية.
أما النقود النوميدية فضُربت من ملوك مدن تحظى بالاستقلالية، ويعتبر الملك مسينيسا أول من ضرب النقود النوميدية التي تحمل اسمه وصورته ذات الملامح الأفريقية وعلى الوجه الآخر صورة الحصان في حركات مختلفة، في حين تظهر صورة يوبا الثاني شبيهة بالرومان لأنه تربى في روما وتأثّر بثقافتها.