تأسيس مركز جزائري لعلوم الإعلام والاتصال لتعزيز النفوذ والقوة الناعمة

الجزائر - انطلقت أعمال الجمعية العامة التأسيسية للمركز الجزائري لعلوم الإعلام والاتصال (CASIC) في العاصمة الجزائرية بمشاركة دكاترة أكاديميين ومسؤولي وسائل إعلام، وصحافيين مهنيين، في مسعى من السلطات لتعزيز النفوذ والقوة الناعمة والدفاع عن مصالحها بعد شكاوى متزايدة من عدم قدرة الإعلام المحلي على القيام بهذه المهمة بسبب ضعف أدائه.
ويُعد المركز هيئة أكاديمية مستقلة ومتخصصة، تهدف إلى تعزيز البحث العلمي والدراسات المتقدمة في مجالات الإعلام والاتصال، من خلال بيئة بحثية تجمع بين الخبرات الأكاديمية والمهنية، وتوفر دعما استشاريا للمؤسسات وصناع القرار عبر دراسات واستطلاعات رأي متخصصة، بحسب بيان رسمي للمركز.
وتفتقر الجزائر إلى مؤسسات إعلامية على درجة كافية من المهنية للتأثير على الرأي العام وصناع القرار إذ أن غالبيتها موسومة بأنها موالية بشكل تام للسلطة لا تخرج عن سردياتها ما يجعلها غير قادرة على إقناع الجمهور وكسب ثقته، فيما تحاول من خلال هذ المركز تعزيز وتطوير مجال الإعلام والاتصال في الجزائر، وبحث سبل دعم قدرات العاملين في هذا القطاع الحيوي.
وقال الدكتور بركان بودربالة، مؤسس ومدير المركز، إن إنشاءه يأتي استجابة للحاجة المتزايدة إلى فضاء علمي متخصص يعالج القضايا الإعلامية المعاصرة، مشيرًا إلى أن المركز يسعى لأن يكون مرجعًا أكاديميًا ومعرفيًا في علوم الإعلام على المستويين الوطني والإقليمي.
استثمار جزائري واسع في الإعلام للدفاع عن مصالح السلطة مهمته تنظيم ملتقيات دولية بمشاركة أكاديميين وإعلاميين
ويضم المركز هيئة تسيير مكونة من أكاديميين جامعيين وصحافيين مهنيين، تحت إشراف مجلس علمي استشاري من أساتذة جامعيين يمثلون مختلف جامعات الجزائر، بحسب البيان الذي أصدره.
ومن المفترض أن يلعب دورا استشاريا لدى المؤسسات والهيئات وأصحاب القرار من خلال إنجاز بحوث ودراسات استطلاع الرأي في قضايا تتعلق بالإعلام والرأي العام.
ووفق البيان وضع القائمون على المركز مجموعة من الأهداف، على رأسها دعم الأبحاث والدراسات النظرية والتطبيقية في مجالات الإعلام والاتصال التقليدية والحديثة. وتقديم برامج تدريبية وورش عمل لرفع كفاءة الأكاديميين والمهنيين في وسائل الإعلام.
وتتضمن أيضا إقامة المؤتمرات والندوات التي تجمع بين الباحثين والمهنيين وصنّاع القرار لمناقشة القضايا الإعلامية المعاصرة. والعمل على دراسة تأثيرات التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي على نظم الإعلام وأساليب الاتصال. والتعاون مع الجامعات والمؤسسات البحثية المحلية والدولية لتعزيز تبادل الخبرات والمعرفة.
وبالنسبة إلى البعد الخارجي تكمن أهمية المركز في الاحتكاك بالأكاديميين والمهنيين الأجانب من خلال التعاون والشراكات لتبادل الخبرات والتجارب، وإطلاق مشاريع بحثية مشتركة تعالج قضايا ذات أبعاد عالمية مثل الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي والاستفادة من التجارب الخارجية في صياغة بنية تحتية بحثية صلبة.
ويبدو الاهتمام واضحا بخلق روابط اتصال لتحسين صورة الجزائر في ظل الأزمات الدبلوماسية التي تعاني منها، ويتجلى الاهتمام بتنظيم الملتقيات الدولية (مغاربية – أفريقية – عربية – عالمية) في الجزائر وتتم دعوة الأكاديميين والإعلاميين لمناقشة قضايا إستراتيجية تهمها، بالإضافة إلى إعداد دورات تدريبية وتكوينية إقامية وعن بعد في مجالي الإعلام والاتصال خاصة للإعلاميين المغاربة والأفارقة.
الجزائر تفتقر إلى مؤسسات إعلامية على درجة كافية من المهنية للتأثير على الرأي العام وصناع القرار
وخلال السنوات الأخيرة نشطت السلطات الجزائرية في محاولة تحسين الأداء الإعلامي المتواضع بشتى السبل لكنها تراهن على التقنيات أكثر من الإعداد البشري الذي يبرز انعدام المهنية من خلال الحملات ضد الإعلام الأجنبي بطريقة بعيدة عن الاتزان والجدية.
وكثفت السلطات مؤخرا الدعاية لمشروع المدينة الإعلامية الجديدة “دزاير ميديا سيتي” الذي تعول عليه لتحسين صورة الجزائر والتأثير على الرأي العام.
وأمر الرئيس عبدالمجيد تبون بتسريع وتيرة إنجاز المشروع الذي حددت مدة إنجازه بـ27 شهرا، وسيضم مقرات المؤسسات الإعلامية الوطنية على غرار التلفزيون الجزائري والإذاعة الوطنية ووكالة الأنباء الجزائرية وقناة الجزائر الدولية، بالإضافة إلى المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار.
كما أصدر الرئيس تعليمات بغلق دار الصحافة بالقبة، ونقلها كليا إلى المدينة الإعلامية، مع تخصيص عمارة كاملة للصحافة الإلكترونية، سواء كانت عمومية أو خاصة، وشدد على أهمية أن يمنح كل عنوان إلكتروني مكتبا خاصا به، مع توفير خدمة إنترنت بتدفق عال في مدينة الإنتاج الإعلامي، التي ستقام فيها منطقة حرة لاحتضان منصات المتعاملين الدوليين للشبكات الاجتماعية التي ستستعمل هذا الجسر لإيصال محتوياتها إلى أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا، حيث ترغب الجزائر في أن تكون المركز الإقليمي في منطقة شمال أفريقيا للشركات التي تدير شبكات التواصل الاجتماعي.
أهمية المركز تكمن في الاحتكاك بالأكاديميين والمهنيين الأجانب من خلال التعاون والشراكات لتبادل الخبرات والتجارب
وقد أشار وزير الاتصال السابق محمد بوسليماني مؤخرا إلى أن “الدولة تعول على المواقع الإلكترونية الجزائرية للقيام بدورها كاملا في المساهمة، إلى جانب باقي وسائل الإعلام، في الدفاع عن مقوماتنا ومؤسساتنا ومرافقة مسار الجزائر الجديدة والتصدي للادعاءات المغرضة التي تستهدف بلادنا.”
وأوضح بوسليماني، خلال إشرافه على انطلاق دورة تكوينية لفائدة الصحافة الإلكترونية بمركز التكوين في مهن السمعي البصري التابع للمركز الدولي للصحافة، أن “استحداث قانون خاص لتنظيم نشاط الصحافة الإلكترونية بدل النص التنظيمي الساري المفعول، يعكس حرص الدولة على الارتقاء بهذا النشاط من خلال إرساء أحكام قانونية جديدة تضمن الممارسة الحرة لهذا النشاط في ظل احترام القانون وتعزيز الاحترافية والمهنية المقترنة باحترام قواعد وأخلاقيات المهنة.”
ووضعت السلطات العليا مجموعة من الأهداف الخاصة، من وراء إنجاز مدينة الإعلام الجديدة، حيث قامت وزارة الاتصال بتحديد احتياجات كل المؤسسات المنضوية تحتها، وتحديد مجموعة من الأهداف أولها تجميع مختلف الأنشطة الأساسية المرتبطة بالإعلام في الجزائر، والعمل على حماية المحتوى السمعي البصري الموجه للجمهور الجزائري بمراقبة المحتويات على مختلف المنصات، وذلك بإنشاء مركز بيانات يعتمد على الذكاء الاصطناعي، لتحسين صورة الجزائر من خلال محتويات جزائرية تتسم بالجودة سواء في التلفزيون أو الإذاعة.
وسيتم الاعتماد على تكنولوجيا الإعلام والاتصال من أجل البث المباشر على وسائط التواصل: أرضية البث عبر الإنترنت وكذلك تطبيقات الهواتف النقالة لدورها الكبير في بث المحتويات السمعية البصرية. كما سيتم الاعتماد على تقنيات ثلاثية الأبعاد “3 دي”، وكذلك الواقع الافتراضي، مع إنتاج محتويات تفاعلية. وستسمح التكنولوجيا التي توفرها مدينة الإعلام برقمنة الأرشيف من أجل تسيير المحتويات السمعية البصرية وضمان استغلالها في أي وقت.
وأوضح بيان للحكومة أن من شأن هذا المشروع توفير بيئة مهنية تستند إلى مقاييس ومعايير دولية، وتشجع ممارسة النشاط السمعي البصري، من خلال نوعية أفضل لخدمات تلفزيونية وإذاعية كفيلة بالمساهمة في الترويج لصورة الجزائر. وقالت أستاذة الإعلام والاتصال في جامعة الجزائر الدكتورة إلهام بوعبدالله إن المتدخلين الكثيرين والدخلاء على المهنة ساهموا في تردي الوضع الإعلامي في الجزائر، فلقد “تحول الإعلام من رسالة نبيلة تحمل معاني هادفة إلى مهزلة تجارية بأهداف ربحية بكل الوسائل والطرق.”