تأخير انطلاق الحوار الوطني لا يقنع الرأي العام والأحزاب في مصر

القاهرة- يعقد مجلس أمناء الحوار الوطني المصري جلسة جديدة اليوم الإثنين لاستكمال النقاش حول الملفات المطروحة عليه دون أن يتضمن جدول أعمالهم تحديد موعد بدء الجلسات الفعلية، في وقت تراجع فيه زخم الحوار مع قرب مرور عام على دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى إطلاقه.
وبدت المبررات التي يسوقها مجلس الأمناء لتأخير انطلاق الحوار بحجة عدم الاستعداد الكافي وتأخر إرسال قوائم المشاركين من الأحزاب في الجلسات غير مقنعة للرأي العام وأحزاب المعارضة المشاركة.
كما تزايدت الانتقادات التي وجهتها قيادات حزبية، من بينها مشاركون في عمل اللجان الفرعية للحوار، نتيجة الاستغراق في الإجراءات التنظيمية والابتعاد عن القضايا الملحة التي تحتاج إلى قرارات سريعة وحاسمة للتعامل معها.
وطالب حزب التجمع اليساري في بيان له السبت بضرورة الإعلان بوضوح عن جدول زمني لبدء الجلسات الفعلية للجان الحوار في أقرب وقت ممكن، والكشف عن ملابسات التأخير حتى الآن، واعتبر أن مقولة “النتائج الجيدة تتطلب تحضيرًا جيداً” لم تعد مقنعة للرأي العام.
ويرى مراقبون أن بيان حزب التجمع، الذي لديه مواقف متزنة من سياسات الحكومة ولا يعارضها على طول الخط، بمثابة انعكاس لحالة التوتر القائمة بين الأحزاب التي قبلت بالمشاركة في الحوار وتأمل أن يكون ناجحا، وبين جهات حكومية ترى أنها تمسك بموازين القوى وتستهدف تسيير الحوار وفقًا لما تقتضيه أهدافها.
وفي الأيام الماضية ارتفعت نبرة الانتقادات الموجهة من نواب محسوبين على حزب مستقبل وطن (الظهير السياسي للحكومة) وبعض الإعلاميين إلى أحزاب مشاركة في الحوار، واتهمتها بعدم القدرة على إعداد سياسات بديلة قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وأن ذلك هو أحد أبرز أسباب تأخير انطلاق جلسات الحوار.
وما زالت الأحزاب المعارضة المنضوية تحت لواء “الحركة المدنية الديمقراطية” وأحزاب غير محسوبة على جهات حكومية تتمسك بالمشاركة في الحوار، وتحافظ على “شعرة معاوية” في علاقتها بأجهزة الدولة وتسعى لتوظيفها لتحقيق مكاسب سياسية تحصدها عبر آلية الحوار الذي يحظى بدعم خارجي، حيث رحب به أخيراً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بليكن خلال زيارته إلى القاهرة قبل أيام.
وقالت القيادية في حزب التجمع أمينة النقاش لـ”العرب” إن “الأحزاب لا تعرف الأسباب الحقيقية التي أدت إلى إرجاء انطلاق الحوار وما هي طبيعة الإجراءات التي اتخذها مجلس الأمناء استعداداً للبدء فيه بشكل رسمي، ولماذا التأجيل؟”، لافتة إلى أن الأحزاب تفتقد للمعلومات الكافية التي تشير إلى إمكانية إطلاق الحوار قريبًا.
ومن المقرر أن يرفع الحوار نتائجه إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي في مارس المقبل، أي بعد مرور عام على إطلاق الدعوة، لكن أمينة النقاش ترى أن الانتهاء من هذه المهمة في الموعد المحدد صعب، ورجحت إرجاء الحوار لمدة قد تصل إلى ثلاثة أشهر.
◙ ضعف الحياة السياسية في مصر أسهم في احتكار بعض قيادات الموالاة دور الممثل الوحيد للمواطنين الذين عزف جزء كبير منهم عن السياسة
وأوضحت أن تأخير الحوار يتزامن مع ازدياد وتيرة الخطاب العدائي ضد الأحزاب في وسائل الإعلام الحكومية والعودة إلى نغمة كانت تتردد بقوة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وهي: ماذا قدمت الأحزاب للحياة السياسية؟ ما يعيد الوضع إلى عصر ظنت الأحزاب أنه مضى بلا رجعة، وهو ما يفتح الباب لظهور حالة من الفراغ يمكن أن يستغلها تنظيم الإخوان وجماعات الإسلام السياسي من جديد.
وذكر حزب التجمع في بيانه أنه لاحظ حالة استسلام أمانة الحوار منذ تشكيلها في يونيو الماضي لما يمكن وصفه بـ”الابتزاز السياسي” الذي تمارسه بعض القوى والتيارات السياسية، ما أدى من وجهة نظر الحزب إلى عرقلة بدء الحوار الوطني، باعتباره الوسيلة المُثلى لإعادة لمّ شمل تحالف 30 يونيو 2013، الذي أسقط حكم الإخوان، بكل مكوناته بعد حوالي عشر سنوات من الثورة التي أطاحت بهم.
وبدأت حالة التوافق حول إجراء الحوار من قبل الأحزاب المعارضة والسلطة في مصر تتراجع، وفي حال انطلاقه عمليا ستشهد قضايا الإصلاح السياسي جدلاً واسعا قد لا تصل فيه إلى نتائج ملموسة، كما أن تفويت الفرصة على الحالة الإيجابية التي سيطرت على الجميع مع إطلاق الدعوة ربما يأتي بنتائج عكسية تسهم في تأزيم الوضع السياسي العام بدلا من إيجاد متنفس يساعد مؤسسات الدولة على تجاوز عقباتها.
ويبدو أن الأحزاب الموالية للسلطة والداعمة لها لا ترتاح لمزاحمة قيادات معارضة للمشهد العام، والتي ترى أن ذلك ينتقص من حضورها، خاصة بعد أن ترددت شائعات حول إمكانية تصعيد قيادات معارضة لتكون حاضرة بقوة مع تشكيل مجلس أمناء الحوار الوطني، باعتبارها قدمت خدمات مهمة للحكومة في ظل الهجوم عليها.
وتكمن الأزمة في أن ضعف الحياة السياسية في مصر أسهم في احتكار بعض قيادات الموالاة دور الممثل الوحيد للمواطنين الذين عزف جزء كبير منهم عن السياسة، وأن نتائج انتخابات مجلسَيْ الشيوخ والنواب السابقة، والتي غابت عنها المعارضة تقريبا، جعلت هؤلاء مقتنعين بأن لديهم وزنا سياسيا على الأرض لا يتوفر لأحزاب المعارضة التي تصاعدت أسهمها منذ الإعلان عن تنظيم الحوار.
وأثارت تصريحات أطلقها المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان، ورحب فيها بدعوة وزير المالية محمد معيط إلى إقامة حوار مجتمعي حول الموازنة العامة للدولة، جدلاً جديدا. وتعامل معها البعض على أنها تملص من انطلاق الحوار الوطني قريبا، وانشغال بحوار روتيني حول الموازنة يتكرر بشكل سنوي.
وأوضح عضو مجلس أمناء الحوار الوطني عمرو هاشم ربيع أن كثرة الموضوعات التي استغرق فيها مجلس الأمناء وخوضه في قضايا خلافية عديدة مكانها الأساسي جلسات الحوار الفعلية هما سببان رئيسيان في التأخير الراهن، ولم يكن الحوار الوطني بحاجة إلى الدخول في نقاشات حول صندوق قناة السويس وتداخلت أدواره مع أدوار مجلسي الشيوخ والنواب.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن وجود خلافات سياسية حول طروحات عديدة كانت حاضرة في الجلسات الماضية تسبب في عدم دوران عجلة الحوار، إلى جانب عدم الإفراج عن جميع سجناء الرأي والحريات، مثلما طالبت أحزاب المعارضة، وإطلاق سراح نحو ثلثي المحبوسين فقط، وهو أمر لا يُرضي أحزاب الحركة المدنية.
واستبعد ربيع انسحاب أعضاء مجلس الأمناء أو أعضاء اللجان الفرعية في هذا التوقيت، مرجحا أن يشهد الاجتماع المقبل توافقا حول القضايا الخلافية الأخيرة تمهيداً لانطلاق الحوار دون وصول إلى اتفاق نهائي بشأن موعد انطلاق الجلسات مباشرة.