تأخر تشكيل الحكومة يعمق الجدل السياسي ويثير حيرة الشارع المصري

كشفت مصادر مطلعة أن تحفظات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على استمرار بعض الوجوه الوزارية في التشكيل المقبل خلف تعثر الإعلان عن الحكومة الجديدة، يأتي ذلك وسط حالة من الغضب الشعبي حيال تعاطي حكومة تصريف الأعمال الحالية مع عدد من الإشكالات، في مقدمتها قطع التيار الكهربائي.
القاهرة - أثارت عودة مجلس النواب المصري إلى عقد جلساته الثلاثاء، دون إدراج بند تغيير الحكومة على جدول أعماله، جدلا حول أسباب تأخر الإعلان عن التشكيل الحكومي الجديد بعد نحو ثلاثة أسابيع من تكليف مصطفى مدبولي برئاسة الوزراء.
وأكدت مصادر مطلعة لـ”العرب” أن تأخر الإعلان عن الحكومة الجديدة مرتبط بتحفظ الرئيس عبدالفتاح السيسي على استمرار عدد من الوزراء، ومطالبته بالتوسع في انتقاء عناصر من ذوي الكفاءات والخبرات في حقائب متعددة.
وأضافت المصادر ذاتها أن رئيس الحكومة المكلّف رفع إلى السيسي قائمة بالتشكيل الجديد لحكومته، غير أن الرئيس المصري تحفظ على استمرار بعض الوجوه، وطالب بإعادة مراجعة التشكيل، بما يتضمن توسيع قائمة الوزراء الراحلين.
وقالت المصادر لـ”العرب” إن الرئيس السيسي منح مدبولي صلاحيات واسعة لاختيار حكومته، من حيث الشخصيات التي تتوافق مع سياساته ورؤيته للتحديات المستقبلية، لكنه تدخل لاحقا في الأسماء المفترض رحيلها، ما أدى إلى تأخر إعلان التشكيل، واستمرار المقابلات مع الشخصيات المرشحة لتولي حقائب وزارية بعد زيادة أعداد الراحلين عن الحكومة المستقيلة.
وتزامن تأخر تشكيل الحكومة مع ارتفاع السخط الشعبي على حكومة تصريف الأعمال بعد قرار زيادة فترة انقطاع التيار الكهربائي إلى ثلاث ساعات بدلا من ساعتين يوميا، وذلك في ذروة ارتفاع درجات الحرارة في مصر.
وتحت الضغط الشعبي اضطر رئيس الوزراء إلى الخروج عن صمته الثلاثاء، معلنا عن اتخاذ حزمة من الإجراءات تهدف إلى تخفيف انقطاع التيار الكهربائي، وتتضمن غلق المحال التجارية بدءا من العاشرة مساء.
وقال مدبولي إنه أوعز للجهات المختصة بغلق المحلات التجارية في البلاد بدءا من العاشرة مساء، وذلك بداية من يوليو المقبل، بهدف تخفيف الضغط عن شبكة الكهرباء.
وأضاف “وجهت وزير البترول للتعاقد بشكل فوري على الوقود اللازم لقطاع الكهرباء.. على أن نصل إلى وقف انقطاع الكهرباء في الأسبوع الثالث من يوليو المقبل”.
وأشار إلى أن “مصر تستهدف الوصول إلى صفر انقطاع للكهرباء، حيث تم تحديد الاحتياجات بمليار دولار خلال الصيف الحالي، إضافة إلى 180 مليون دولار للمازوت”.
ويثير الحديث عن احتياجات قطاع الطاقة مخاوف لدى المصريين من أن يكون مقدمة لزيادة في أسعار الكهرباء.
ويبدو أن الحكومة المقبلة ستواجه عبء حل إشكالية التيار الكهربائي، حيث أن الحلول المطروحة هي مجرد حلول ترقيعية.
وتوقعت دوائر سياسية استمرار الوزراء الحاليين في تسيير الأعمال، وعدم الإعلان عن الحكومة الجديدة قبل انعقاد مؤتمر الاستثمار بين مصر والاتحاد الأوروبي يومي 29 و30 يونيو الجاري، فالمؤتمر تعوّل عليه الحكومة لجذب استثمارات غربية ضخمة قد تنتشل البلاد من أزمتها الاقتصادية، وتشارك فيه كيانات استثمارية كبيرة.
تأخر الإعلان عن الحكومة الجديدة مرتبط بتحفظ الرئيس المصري على استمرار عدد من الوزراء
وحسب موقع الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، التابعة لرئاسة الجمهورية، فإن المتحدثين في مؤتمر الاستثمار المصري – الأوروبي هم وزراء: الكهرباء، التعاون الدولي، التخطيط والتنمية الاقتصادية، الاتصالات، البيئة، الموارد المائية والري، والتجارة والصناعة، إضافة إلى الرئيس السيسي، ومدبولي رئيس الحكومة الجديدة، ومسؤولين بارزين من الاتحاد الأوروبي.
ووفق المصادر المطلعة التي تحدثت مع “العرب” فإن عددا من الوزراء المتحدثين في مؤتمر الاستثمار مع الاتحاد الأوروبي وبعضهم من المعنيين بالملف الاقتصادي، مقرر رحيلهم عن الحكومة، وهذا جزء من أسباب تأخر الإعلان عن التشكيل، بحكم أنهم مشاركون في تفاصيل هذا الحدث الهام، ولديهم ملفات حيوية وفرص استثمارية سيجري طرحها خلال المؤتمر الذي جرى الاستعداد له منذ شهور.
ويتسق هذا الطرح مع توقعات بعض المراقبين بأن يكون أكثر الوزراء الراحلين عن الحكومة الجديدة هم المعنيون بالملف الاقتصادي، بعد إخفاقهم في إدارة الأزمة الاقتصادية، حتى تراكمت المشكلات وطالت قطاعات عديدة، وهو ما لا يرغب الرئيس السيسي في استمراره مع الحكومة الجديدة، ويبحث عن شخصيات لديها قدرات تستطيع انتشال البلاد من ورطتها الحالية.
وطالب السيسي بانتقاء أسماء تعمل على تحقيق عدد من الأهداف، على رأسها “الحفاظ على محددات الأمن القومي، وإعطاء أولوية لملف بناء الإنسان، في مجالات الصحة والتعليم، ومواصلة مسار الإصلاح الاقتصادي”، وهي ملفات مرتبطة بصميم احتياجات الشارع، ويصعب انتقاء شخصيات مرفوضة أو عليها تحفظات شعبية.
تأخر تشكيل الحكومة تزامن مع ارتفاع السخط الشعبي على حكومة تصريف الأعمال بعد قرار زيادة فترة انقطاع التيار الكهربائي
وقالت المصادر لـ”العرب” إن جزءا من أسباب تعطل تشكيل الحكومة الجديدة يرتبط بملف التعليم الذي تحدث عنه السيسي، وبدأت امتحانات الثانوية العامة (البكالوريا) قبل أيام، بينما توجد تحفظات على استمرار وزير التربية والتعليم رضا حجازي في الحكومة المقبلة، لكن يصعب رحيله حاليا لمنع حدوث ارتباك في الامتحانات، ما يثير منغصات مجتمعية، خاصة أن مرحلة البكالوريا بالنسبة إلى السلطة قضية أمن قومي.
ويوحي تأخر الإعلان عن تركيبة الحكومة الجديدة بأن مصر على موعد مع تشكيل مختلف يتناسب مع تعاظم التحديات الداخلية والخارجية، ويعكس إصرار السلطة على أن تحظى الحكومة الجديدة برضاء شعبي واسع، لذلك يتم التريث في انتقاء عناصرها، وذلك لا يعني استبعاد وجود اعتذارات كثيرة من شخصيات ترى نفسها غير قادرة على -أو غير راغبة في- تحمل المسؤولية في هذا التوقيت الحرج. وقال الكاتب السياسي جمال أسعد إن تأخر الإعلان عن تشكيل الحكومة لاختيار وجوه بشكل رشيد أفضل من التسرع في الانتهاء منها مع وجود عناصر تفتقد الخبرة والكفاءة في التعامل مع الأزمات، فلا توجد رفاهية أمام النظام لفرض شخصيات على الشارع لا تحظى بثقة شعبية، ما يفرض على رئيس الحكومة اختيار أسماء لديها رؤية للإصلاح، ولو استمرت المشاورات وقتا أطول.
وذكر أسعد في تصريحات لـ”العرب” أن انتقاء عناصر تتكيف مع التحديات الراهنة ليس بالأمر السهل، لأن هناك كفاءات تخشى الفشل أمام تراكم المشكلات، والظرف السياسي قد لا يسمح باختيار وزراء يثبت عدم كفاءتهم بعد فترة قصيرة، كما أن تشعب التحديات يدفع بعض الخبرات إلى العزوف عن تولي المسؤولية وعدم إبداء تحمسهم لأن يكونوا جزءا من السلطة، وهذا في حد ذاته يمثل مهمة تشكيل الحكومة سريعا بعناصر لديها كفاءة.
ومن المتوقع أن ينتهي تشكيل الحكومة في بداية يوليو المقبل، لأن دور الانعقاد الحالي لمجلس النواب ينقضي في نهاية يونيو أو بداية يوليو من كل عام، ولزاما على الحكومة أن تقدم برنامجها للمجلس، وبعد ذلك يبدأ الوزراء تنفيذ البرنامج.
ويتعين على رئيس الحكومة الجديد، وفقا للائحة البرلمان، تقديم برنامجه لمجلس النواب خلال عشرين يوما من تاريخ تشكيلها، أو في أول اجتماع لها، على أن تسعى اللجان الخاصة المكلفة بدراسة بيان الحكومة لحصولها على ثقة أغلبية أعضاء المجلس، وإلا يتم سحب الثقة منها، وهو إجراء مستبعد، لأن الأغلبية البرلمانية من حزب مستقبل وطن الذي يمثل الظهير السياسي للسلطة حاليا.