تأخر الرواتب يطلق شرارة غضب شعبي في كردستان العراق

حالة التململ في شارع كردستان العراق تمثّل مظهرا على تعمّق الأزمة الاجتماعية الناتجة عن الاضطراب في صرف رواتب الموظفين والذي يعتبر بدوره إحدى نتائج توسّع التبعية المالية للإقليم للسلطة الاتّحادية العراقية، وهي تبعية بدأت تلقي بظلالها على تجربة الحكم الذاتي وتقلّص من قيمتها بعد أن بلغت ذروتها في سنوات سابقة حتى طمح القائمون على التجربة إلى تأسيس دولة مستقلة.
أربيل (العراق) - لم تُجْد الموجات المتلاحقة من الاجتماعات والمحادثات بين ممثلي حكومة إقليم كردستان العراق والسلطة الاتّحادية العراقية على مختلف مستويات المسؤولية، نفعا في وضع حدّ للخلافات المالية المستشرية بين الطرفين والتي يرتبط بها ملف بالغ الحساسية يتمثّل في رواتب موظفّي الإقليم التي أصبح عدم الانتظام في تحويلها من قبل الحكومة العراقية، والتأخر في توزيعها على مستحقيها سببا في أزمة اجتماعية آخذة في التعمّق مطلقة شرارة غضب شعبي مهدّد لاستقرار الإقليم الذي يعيش وضعا سياسيا متوتّرا بسبب تحوّل التنافس بين حزبي السلطة، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، إلى حالة من العداء السافر.
وتضافرت التوتّرات السياسية الداخلية في إقليم كردستان مع تزايد ارتباطه المالي بالسلطات الاتّحادية، بسبب القيود التي وضعتها بغداد على تصدير النفط المنتج محليا من قبل سلطاته وخارج سلطة الشركة الوطنية المكلفة حصريا بتصدير الخام، وأيضا نتيجة صرامة الحكومة العراقية في مراقبة مختلف موارده المالية وحصرها، لتحدّ من هامش حركة حكومة الإقليم ولتقلّص من سلطاتها عمليا ولتخصم من قيمة ورصيد تجربة الحكم الذاتي القائمة في الإقليم بعد أن ترسخت خلال سنوات سابقة إلى درجة طمحت معها القيادة السياسية الكردية إلى تأسيس دولة مستقلة عن العراق وشرعت بالفعل في ذلك من خلال تنظيمها سنة 2017 استفتاء على الاستقلال، لكنّ بغداد تعاونت مع طهران وأنقرة على منع تجسيد نتائجه.
وبدأت مناطق بإقليم كردستان العراق تشهد حالة من التململ بسبب صعوبة الظرف الاجتماعي الناتج عن عدم حصول الموظفين على رواتبهم لما لا يقل عن شهرين متتاليين.
وأعلن موظفو العديد من الدوائر والقطاعات الحكومة إضرابا شاملا في محافظة السليمانية اتسع الاثنين ليشمل سبعة من القطاعات الحيوية من بينها الكهرباء والتربية والبلديات والقضاء. وعمّ الإضراب بالإضافة إلى مركز السليمانية مناطق كرميان ورابرين وسيد صادق وحلبجة.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر قوله إنّ ثلاث دوائر أضربت عن العمل هي محكمة السليمانية ودوائر القضاء، ودوائر البلديات والكهرباء.
وأضاف ذات المصدر أنّ “الإضراب جاء بسبب تأخر صرف الرواتب لأكثر من ستين يوما حيث لم يتسلم الموظفون راتب شهر يوليو رغم دخول شهر أيلول”. وكشف عن تهديد المضربين بتحويل الإضراب إلى اعتصام مفتوح.
وعلى مدى الأشهر الأخيرة أفضت الاتصالات المكثفة بين المسؤولين في حكومة الإقليم والحكومة الاتّحادية، بمشاركة قيادات حزبية وازنة في بعض الأحيان من بينها مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني وبافل جلال طالباني رئيس حزب الاتّحاد الوطني، إلى أكثر من تفاهم كانت في كلّ مرّة تواجه عوائق في التنفيذ لتكون النتيجة هي نفسها بالنسبة إلى موظفي الإقليم.
وعاد الطرفان مؤخّرا إلى مربع الخلاف حول حجم إيرادات الإقليم وقيمتها الحقيقية وكذلك عدد الموظفين المستحقين لتقاضي الرواتب حيث تشكك السلطات الاتحادية في دقة المعطيات والقوائم المقدّمة إليها من قبل حكومة الإقليم.
ولحسم هذا الخلاف تمّ التوافق على تشكيل لجنة مؤلفة من خمسة عشر عضوا مهمتها تدقيق تلك المعطيات والقوائم.
وقال عضو مجلس النواب العراقي سوران عمر إنّ اللّجنة التي يشرف عليها رئيس ديوان الرقابة المالية الاتحادية ستزور إقليم كردستان قريبا.
وقالت وكالة بغداد اليوم الإخبارية إنّ مشهد الإضراب عاد إلى دوائر محافظة السليمانية بعد أن اختفى في الأشهر الماضية نتيجة اتفاق الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان على توطين رواتب موظفي الإقليم، بمعنى تحويلها مباشرة عن طريق البنوك إلى مستحقيها دون المرور بحكومة الإقليم التي كانت قد قبلت بهذا الحل على مضض.
ثلاث دوائر أضربت عن العمل هي محكمة السليمانية ودوائر القضاء، ودوائر البلديات والكهرباء
وبدأ موظفو دائرة مرور السليمانية منذ الأحد إضرابا عن العمل في ما أعلنت دوائر كاتب العدل والضريبة والكهرباء في مناطق كرميان وحلبجة وسيد صادق الإضراب لذات السبب المتعلّق بعدم الحصول على الرواتب.
ويشارك الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد ووزير الخارجية فؤاد حسين المنتميان للمكون الكردي في جهود حلحلة أزمة الرواتب التي تنعكس سلبا على مكوّنهما وخصوصا على حزبيهما الكرديين، الديمقراطي والاتّحاد.
وعقد الرئيس رشيد لقاء في بغداد بحضور وزير الخارجية مع عدد من وزراء حكومة الإقليم والنواب الأكراد، أعلن فؤاد حسين على إثره عن حلّ مشكلة راتب شهر يوليو متعهدا بحل مشكل رواتب شهر أغسطس خلال الأيام القادمة.
ووصف الوزير الاجتماع بأنّه كان جيّدا قائلا إنّه تقرّر خلاله أن يعمل البرلمانيون بكافة الكتل الكردية معا، وأن يتواصلوا مع وزارة المالية الاتحادية لحسم مشكل رواتب جميع الأشهر إلى نهاية العام.
لكنّ فؤاد حسين فنّد قول وزيرة المالية الاتحادية طيف سامي في وقت سابق إنّ راتب شهر يوليو سيتم تحويله من الحكومة الاتحادية إلى سلطات الإقليم على شكل قرض.
وعلى العكس من نبرة التفاؤل التي تحدّث بها وزير الخارجية يظهر مسؤولون حكوميون ونشطاء حزبيون أكراد عراقيون تشاؤمهم بشأن الخلافات المالية بين بغداد وأربيل معربين عن تخوفهم من التأثيرات الاجتماعية للمشكلة والتي قد تتطور إلى تهديد لاستقرار الإقليم، الذي يواجه أيضا انقسامات خطرة في قواته من بيشمركة وأسايش بين الحزبين الكبيرين.
واعتبر عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني شاخوان عبدالله الذي يتولى منصب نائب لرئيس مجلس النواب العراقي، أنه لا يجب أن يكون هناك عائق أمام إرسال رواتب الموظفين مهما كانت المبررات.
مسؤولون حكوميون ونشطاء حزبيون أكراد عراقيون يظهرون تشاؤمهم بشأن الخلافات المالية بين بغداد وأربيل
وقال الاثنين في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية “لقد عقدنا اجتماعا لجميع الكتل الكردستانية في بغداد مع الوزراء الأكراد ورئيس الجمهورية ووزير الخارجية فؤاد حسين لمناقشة هذه الأمور والقضايا”.
وأضاف “كان توقيت الاجتماع مهما جدا لأن موظفي ومتقاعدي كردستان لم يستلموا رواتبهم منذ شهرين”.
ووصف ما يحدث في موضوع الرواتب بأنّه “جريمة كبيرة بحق موظفي كردستان”. كما كشف عبدالله عن اتفاق بين القوى الكردية “على الضغط على الحكومة العراقية لحل مشكلة الرواتب”.
وتجمع بين أبرز حزبين في إقليم كردستان العراق الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة أفراد أسرة بارزاني، وحزب الاتّحاد الوطني بقيادة ورثة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني خلافات حادّة تعمّقت كثيرا في الفترة الأخير مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في الإقليم، ومع ذلك يجمعهما السعي إلى تأمين رواتب موظفي الإقليم خوفا على الاستقرار في مناطق كل من الحزبين.
وتتركّز حالة الغضب الشعبي حاليا في السليمانية مركز نفوذ الاتحاد الوطني، لكن تجارب سابقة أظهرت أنّ مناطق نفوذ الحزب الديمقراطي في محافظتي أربيل ودهوك ليست آمنة من انتقال عدوى الاحتجاجات الشعبية إليها.
ولمّح ريبوار هادي النائب الكردي في البرلمان العراقي من جهته إلى وجود أطراف عراقية تفتعل المشاكل والأزمات المالية لإقليم كردستان. وذكّر بأنّه وفقا لقانون الموازنة والقرار الصادر عن المحكمة الاتحادية لا توجد مشكلة قانونية في إرسال بغداد موازنة الإقليم.
واعتبر في تصريحات لموقع “كردستان أربعة وعشرون” أن المشاكل “تُخلق لإقليم كردستان بشأن رواتب موظفيه عند تطبيق قانون الموازنة في وزارة المالية العراقية، ما يتسبب في تأخر صرف الرواتب دون وجود مشكلة قانونية”.
وأضاف “حكومة كردستان ونحن في البرلمان نتناقش معهم (أركان الحكومة الاتّحادية) يوميا، ونؤكّد أن الذرائع المتعلقة برواتب موظفي الإقليم والموازنة ملفقة وغير قانونية، وفي كل مرة يخلقون مبررات وأعذارا لتأخير الرواتب”.
ولفت إلى أنه “بالإضافة إلى قرار المحكمة الاتحادية، تم تعديل قانون الموازنة أيضا، مما يعني أن الذرائع التي كانت لدى وزارة المالية لم تعد موجودة”.