تأجيل حسم الانتخابات يعمق انحدار المؤشرات في تركيا

تلقت الأسواق تأجيل حسم الانتخابات الرئاسية في تركيا بالكثير من التشاؤم الممزوج بالإحباط، حيث طبعت تقييماتها السلبية على المؤشرات، التي لا تزال ضمن الخطوط الحمر، وسط حالة من الضبابية تسود آفاق الاقتصاد خلال هذه المرحلة الحساسة.
أنقرة – عمقت نتائج التصويت في الانتخابات التركية التي لم تُفرز لأول مرة في تاريخ البلاد عن فائز بالرئاسة من الجولة الأولى، من انحدار المؤشرات الكئيبة أصلا، حيث يجمع المحللون على أن الضبابية ستظل تضرب الأسواق حتى نهاية هذا الشهر.
ويتجه الرئيس المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان ومنافسه المعارض كمال قليجدار أوغلو لإجراء جولة إعادة في الثامن والعشرين من مايو الجاري.
وبعدما كان أداء أردوغان أفضل مما كان متوقعا، لكنه لم يحقق الأغلبية المطلقة في انتخابات الأحد الماضي، وهو حدث يُنظر إليه على أنه أكبر تحد سياسي لحكمه الذي دام لعقدين من الزمن.
وجاءت النتائج بمثابة خيبة أمل للمستثمرين الذين يأملون في التحول إلى سياسة نقدية أكثر تقليدية وسط التحديات الأخيرة التي يعاني منها الاقتصاد التركي، بما في ذلك التضخم الجامح والانخفاض الحاد في الليرة والزلازل المدمرة في وقت سابق من هذا العام.
وقال حسنين مالك، رئيس أبحاث الأسهم في تيليمر، لوكالة رويترز إن “هذه خيبة أمل كبيرة للمستثمرين الذين يأملون في فوز مرشح المعارضة قليجدار أوغلو والعودة إلى السياسة الاقتصادية التقليدية التي وعد بها”.
وستحدد الانتخابات الرئاسية ليس فقط من يقود تركيا وتشكل السياسة الخارجية للدولة، التي يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة، وهي أحد الأسواق الناشئة الرئيسية، ولكن أيضا كيف تُحكم وكيف تتعامل مع أزمة غلاء المعيشة العميقة.
ورأت شركة آر.أي.أم كابيتال تعليقا على النتائج أن حصيلة الأصوات ثبتت أنها واحدة من أسوأ النتائج للأسواق، حيث سيكون ثمة عدم يقين خلال الأسبوعين المقبلين.
واستقرت الليرة التركية بالقرب من أدنى مستوى لها في شهرين، وهوت السندات السيادية بالدولار، وارتفعت تكلفة التأمين على الانكشاف لديون البلاد.
كما تعرضت أسهم البنوك المحلية لضربة قوية في التعاملات المبكرة ليوم الاثنين، حيث انخفض مؤشر البنوك الرئيسي بأكثر من ثمانية في المئة.
وسجلت الليرة 19.65 مقابل الدولار، بعد أن وصلت إلى 19.7 في التعاملات السابقة، وهو أضعف مستوياتها منذ أدنى مستوى قياسي بلغ 19.8 في مارس الماضي من هذا العام بعد كارثة الزلازل.
وكانت العملة في طريقها لتسجيل أسوأ جلسة تداول منذ أوائل نوفمبر الماضي، حيث كانت تُتداول على انخفاض بأكثر من اثنين في المئة، بعد أن أدى انخفاض سابق بنسبة 6.38 في المئة إلى حدوث “قاطع دائرة” على مستوى السوق.
وقبل فترة توقع بنك جي.بي مورغان أن تصل العملة التركية إلى ما بين 24 و25 ليرة مقابل الدولار، وأظهرت حسابات بنك غولدمان ساكس أن السوق كان يسعر الليرة للانخفاض بنسبة 50 في المئة خلال الاثني عشر شهرا القادمة.
5
في المئة نسبة تراجع الليرة منذ بداية العام الحالي، وخسرت ما يقرب من 95 في المئة من قيمتها على مدار العقد ونصف العقد الماضيين
وتراجعت الليرة بنسبة 5 في المئة منذ بداية العام الحالي، وخسرت ما يقرب من 95 في المئة من قيمتها على مدار العقد ونصف العقد الماضيين، حيث أدت السياسات الاقتصادية المتعطشة إلى الازدهار لدورة كساد مقلقة مع تفشي التضخم واضطراب سوق العملات.
وتأثرت الأسهم التركية أيضا، حيث أصدرت بورصة إسطنبول قاطع دائرة على مستوى السوق، بعد أن انخفض المؤشر القياسي بأكثر من 6 في المئة في تداول ما قبل السوق.
وبعد استئناف التداول، انخفض مؤشر بي.آي.أس.تي – 100 بنسبة 2.5 في المئة، بينما انخفض مؤشر البنوك الرئيسي في البلاد بنسبة 9.1 في المئة.
وقال إليوت هينتوف، رئيس أبحاث السياسات الكلية في شركة ستيت ستريت غلوبال أدفيسورس، “لو كان مرشح المعارضة (قليجدار أوغلو) قد فاز بشكل كامل، لشهدنا ارتفاعا في قيمة الليرة”.
وأضاف “كان ذلك سيعتمد على افتراض أن مرشح المعارضة سيعود إلى السياسة التقليدية، ويعيد ثقة المستثمرين ويجذب تدفقات رأس المال من القطاعين العام والخاص”.
وإلى جانب ذلك، تراجعت السندات السيادية المقومة بالدولار، والتي أصدرتها تركيا بشكل حاد بأكثر من 7 سنتات.
وبالتزامن مع ذلك، قفز انتشار مقايضة التخلف عن السداد في تركيا لمدة خمس سنوات بمقدار 114 نقطة أساس إلى 606 نقطة أساس، وفقا لمؤسسة أس آند بي ماركت أنتيلجينس، وهو الأعلى منذ نوفمبر 2022.
وقال إمري أكاكماك، كبير المستشارين في إيست كابيتال، “لقد عدنا الآن إلى المربع الأول”. وأضاف “أعتقد أنه إذا استمر أردوغان، وهي الحالة الأساسية القوية، فسيكون المستثمرون الأجانب على الهامش”.
وفي الأسبوع الماضي، ارتفعت الأسهم والسندات التركية عندما انسحب مرشح الرئاسة من الحزب الثالث محرم إنجه من السباق، مما عزز التوقعات بفوز قليجدار أوغلو.
وقال ريتشارد بريغز، كبير مديري صناديق ديون الأسواق الناشئة في كاندريام، إن النتائج كانت “شبه مؤكدة بالنسبة للأسواق”، لأن فوز أردوغان قد يعني استمرار عدم التوازن الاقتصادي والسياسة النقدية غير التقليدية والجهود المكلفة لدعم الليرة.
وأضاف “إذا استمرت تركيا في مواجهة عجز كبير في الحساب الجاري، فبمجرد أن تتوقف هذه التدفقات أو تنعكس، فإن الضغط على العملة والاقتصاد قد يكون قاسيا بدون إطار سياسة موثوق به، وهو أقل احتمالا في ظل الإدارة الحالية”.
وفي أواخر مارس الماضي، خفضت أس آند بي للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني السيادي لتركيا إلى سلبية بدلا من مستقرة، مشيرة إلى سلسلة من التحديات، بما في ذلك تكاليف التعافي من الزلازل، والتضخم الذي خرج عن السيطرة.
وأكّدت المؤسسة تصنيف تركيا عند درجة بي، مما يضعها على قدم المساواة مع مصر وكينيا.
وكانت آخر مرة خفضت فيها أس آند بي تصنيفها الائتماني لتركيا في سبتمبر من العام الماضي، مشيرة إلى مخاوف بشأن السياسة النقدية التيسيرية للغاية في البلاد.
وتعرض التصنيف الائتماني للبلاد أيضا للتخفيض من جانب الوكالتين الرئيسيتين الأخريين في الأشهر التسعة الماضية.
وخفضت وكالة موديز تصنيف البلاد في أغسطس الماضي إلى بي 3 مشيرة إلى مخاطر ميزان المدفوعات، في حين خفضت خلال الشهر السابق وكالة فيتش ريتينغز تصنيف الديون السيادية لتركيا إلى بي بسبب مخاوف ارتفاع التضخم.