تأثير مناخي متفاوت على الفئات الهشة والفقيرة في تونس

تونس - تباين تأثير التغيرات المناخية على مختلف المناطق التونسية في الفترة الأخيرة، وسط إجماع الخبراء على كونها كانت أشد وقعا على الطبقة الفقيرة والفئات الهشّة، فضلا عن الإقرار بكون التغير المناخي أصبح واقعا في تونس ويستوجب طرق تعامل مختلفة.
ويقول مراقبون إن التأثيرات المناخية ساهمت في زيادة مستويات الفقر وعمّقها ضعف تدخل الدولة والاضطلاع بمهامها، وغياب سياسات بيئية واقتصادية واجتماعية ملائمة لتلك التغيرات. وثمّة إجماع من المراقبين على أن المنوال التنموي المعتمد في تونس كشف أنه غير ناجع ويحتاج إلى مراجعة، وأن مناطق عدة في حاجة إلى منوال تنموي جديد ورؤية مغايرة لإشكالات التنمية بها.
وأكدت دراسة أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحت عنوان “التغير المناخي: التأثير والآثار غير المتوقعة الأسباب والنتائج مدينة العلا ومدينة قلعة الأندلس مثالا”، أن تأثيرات التغير المناخي كانت أشد وقعا على الطبقة الفقيرة التي زاد وضعها الاجتماعي والاقتصادي تعقيدا، إضافة إلى أن الفئات الهشة وفي مقدمتها النساء هي الأكثر تضررا.
وبيّنت نتائج الدراسة أن ولايات تونس الكبرى التي تشمل 48 معتمدية أكثر ترفا مقارنة بالجهات الأخرى إذ يتراوح معدل الفقر فيها بين 0.2 و15 في المئة. وتعتبر معتمديات البطان وطبربة وقلعة الأندلس الأكثر فقرا في ولايات تونس الكبرى بينما لا تتجاوز نسب الفقر 1.3 في معتمديات المنزه وحلق الوادي وأريانة المدينة.
وتعتبر جهات قلعة الأندلس وسيدي ثابت وحي التضامن الأكثر فقرا في ولاية أريانة رغم أنها تقع في دوائر المناطق الأكثر ترفا. وتركز الدراسة ملاحظاتها على معتمدية قلعة الأندلس التي تعتبر الأكثر فقرا في ولاية أريانة مقابل أنها الأكثر إنتاجا إذ وفرت للولاية 9560 طنا من الحبوب سنة 2016 و19387 رأسا من الماشية.
وفي إقليم الوسط الغربي الذي يضم الولايات الأكثر فقرا وهي القيروان وسيدي بوزيد والقصرين فقد بلغ معدل نسبة الفقر 29.3 في المئة. وقال فريق إعداد الدراسة إن الهدف منها فهم العلاقة بين الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية والتغيرات المناخية إذ ثبت أن الفئات الأكثر فقرا هي الأكثر تعرضا لسلبيات هذه التغيرات الأمر الذي يستوجب سرعة في تنفيذ خطط تساعد هذه الفئات على التأقلم وتجاوز الصعوبات.
وأفادت منسقة قسم العدالة البيئية والمناخية بالمنتدى إيناس الأبيض، خلال ندوة صحفية انتظمت الثلاثاء، بأن هذه الدراسة تهدف إلى التوعية بأن التغيرات المناخية أصبحت واقعا لا بد من التعامل معه بجدية وبحذر والاستعداد له من خلال وضع سياسات تكيف وتأقلم تراعي المجتمعات المحلية وقدرتها على الصمود أمام التغيرات المناخية.
ولفتت إلى أنه قد تم الاختيار على منطقتي العلا من ولاية القيروان وقلعة الأندلس من ولاية أريانة، رغم اختلاف موقعهما الجغرافي (الأولى ساحلية والثانية داخلية)، لاشتراكهما في الإشكاليات في علاقة بالشح المائي والجفاف والتأثيرات على موارد الدخل للمواطنين، وانتشار ظاهرة الهشاشة التي تعكسها العديد من المؤشرات على غرار ارتفاع معدل البطالة والفقر وتردي البنية التحتية.
وأوضحت إيمان الكشباطي صاحبة هذه الدراسة وهي أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع وعلم الديموغرافيا، أن هذه الوثيقة تجمع بين مظاهر التغير المناخي ونتائجه في المنطقتين الأكثر فقرا في تونس حسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء في خارطة الفقر 2020، وتهدف إلى كشف العلاقة بين تغير المناخ والهشاشة في هاتين المنطقتين وإمكانية ارتباط الانخراط في الهجرة بمختلف أشكالها بهذه التحولات.
واعتمدت الدراسة على مقاربة مختلطة تدمج بين الكمي والكيفي استنادا إلى القراءة الجندرية. وأفاد أستاذ علم الاجتماع بلعيد أولاد عبدالله بأن “عندما نتحدث عن تداعيات أزمة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو مناخية فمن الطبيعي أن تكون الفئات الفقيرة الأشد تضررا كما أن تلك الأزمات تزيد من فقرها”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “التحولات المناخية تستدعي القيام بدراسات إستراتيجية للتعامل معها ذلك لأن خارطة العالم تتغير حسب الزمن”. وتابع أولاد عبدالله “الفقر موروث لدى بعض الولايات (القيروان، سيدي بوزيد، القصرين) وهي الأكثر فقرا، والمسألة تتجاوز التغيرات المناخية التي كشفت مستويات الفقر بتلك المناطق”.
وتسببت أزمة التغير المناخي في تدهور الوضع الاجتماعي لسكان منطقتي العلا وقلعة الأندلس، حيث أدت إلى انخفاض الإنتاج الزراعي والدخل والقدرة الشرائية وجودة الحياة الاقتصادية ونتجت عن ذلك زيادة معدلات البطالة والنزوح وتصدع العلاقات الأسرية، كما تأثرت الحالة النفسية الجماعية بسبب الجفاف.
◙ في إقليم الوسط الغربي الذي يضم ولايات القيروان وسيدي بوزيد والقصرين، بلغ معدل نسبة الفقر 29.3 في المئة
وحسب الدراسة، يواجه سكان المنطقتين حزمة من التحديات خلال ممارسة أنشطتهم الاقتصادية اليومية، أهمها غياب رأس المال ودعم الدولة ونقص الاستثمارات وضعف الأجور اليومية أو الشهرية بالإضافة إلى تدهور القدرة الشرائية. ويعاني المتساكنون من مستويات عالية من الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية خاصة وأن ضعف الإنتاج الزراعي الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد المحلي أدى إلى فقدان العديد منهم لوظائفهم والالتحاق باحتياطي البطالة.
وكشفت الدراسة أن حدة هذه التأثيرات قد ازدادت بسبب ضعف تدخل الدولة والاضطلاع بمهامها، من خلال ضبط سياسات بيئية واقتصادية واجتماعية ملائمة لهذه التغيرات وممارسة دور الرقابة ضد الإخلالات التي يقوم بها الصناعيون والمتساكنون وتوعية المواطنين بمخاطر التغير المناخية وإشراكهم في إستراتيجية للحد من تأثيراته.
وبخصوص مستوى تأثير التحولات المناخية وعلاقتها بآفاق الهجرة، كشفت الدراسة أن نسبة ضئيلة من مواطني الجهتين وجدوا أنفسهم مضطرين خلال السنوات الأخيرة إلى تغيير مقر سكناهم، وهو ما يظهر عدم وجود علاقة سببية مباشرة بين الهجرة الداخلية والخارجية والتغيرات المناخية.
كما بينت الدراسة وجود نمط تمييز جنسي تقليدي يؤثر سلبا على إدماج النساء في سوق العمل، إذ تتأثر مشاركتهن بعوامل متعددة على غرار الصور النمطية الجنسية ومستوى التمكين الاقتصادي والتحيزات الاجتماعية، وهو ما يؤكد الحاجة الملحة إلى تطوير سياسات تعزز المساواة الجندرية.
وخلصت الدراسة إلى جملة من التوصيات استنادا لمقترحات تقدم بها المواطنون في جهتي العلا وقلعة الأندلس وأهمها تعزيز البحث والتطوير في مجالات الزراعة وإدارة المياه والاستغلال البحري مع التركيز على تطوير حلول مستدامة وفعالة، إضافة إلى القيام بدورات تكوينية لفائدة الشباب المتمسكين بالبقاء في مكان إقامتهم في مجال السياحة الإيكولوجية ودعم السياحة الريفية والجبلية باعتبارها وسيلة لتعزيز الاقتصاد المحلي والحفاظ على البيئة.
وتم الـتأكيد على ضرورة تعزيز التعاون والتنسيق بين الحكومة والمجتمع المحلي لتحديد الاحتياجات وحل المشاكل المحلية المتعلقة بالتغير المناخي والهشاشة الاقتصادية، وذلك من خلال إنشاء آليات للحوار المستمر وتعزيز مشاركة المجتمع المحلي في صنع القرار. كما أوصت الدراسة بضرورة أن تشجع السياسات الحكومية المشاريع التي تدمج الاعتبارات البيئية والاقتصادية لضمان استدامة النمو الاقتصادي على المدى الطويل.