تأثير الإعلام الديني يتراجع بتغير المزاج السياسي والاجتماعي العربي

وسائل الإعلام الدينية لم تقم بأي دور في التقريب بين فئات المجتمع.
السبت 2020/11/07
أفول سريع

تراجع تأثير القنوات الدينية العربية مع التطورات الأخيرة في المنطقة والفوضى التي خلقتها أحزاب الإسلام السياسي وفقدان الجمهور للثقة بها، في حين أن جمهور المتزمتين والمتشددين انتقلوا إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي تؤمن فضاء أكبر للتفاعل بين أصحاب التيارات المتشددة.

تونس – أفل نجم القنوات الدينية في الآونة الأخيرة ولم تعد تغري الكثير من المشاهدين بالمتابعة، خصوصا مع صعود الأحزاب السياسية الدينية في عدد من الدول العربية وحالة اليأس التي رافقت فشل هذه الأحزاب بخلق مجتمع “مثالي” كما روجت طوال سنوات من “نضالها للوصول إلى الحكم”.

وتبعت القنوات الفضائية الدينية الحالة العامة وتغير المزاج السياسي والاجتماعي في منطقة تشهد تطورات مستمرة، حيث برزت قبل سنوات ولقيت اهتماما لدى الجمهور خلال موجة انطلاق الفضائيات الخاصة المتخصصة، الدرامية والترفيهية والرياضية والإخبارية.

وازدادت هذه الفضائيات مع الوقت، رغم وجود المحتوى الديني في وسائل الإعلام العربية الأخرى ببرامج متخصصة يتم بثها في أوقات محددة على شاشات التلفزيونات العامة وغالبا تناقش مسائل دينية عامة ولا تدخل في القضايا الجدلية والحساسة، بعكس ما ساد في بعض القنوات الدينية التي تميل إلى التشدد وإطلاق الفتاوى دون رقابة.

وبحسب ما قال أحمد الطيب شيخ الأزهر في أحد تصريحاته، انقسمت الفضائيات الدينية من حيث نوعية البرامج المقدمة، إلى قنوات دينية عامة: مثل قناتي “اقرأ”، و”رسالة”، وهي قنوات تقدم محتوى دينيا في إطار برامج اجتماعية وأسرية.

صراع الإعلام الديني انتقل بوتيرة أعلى إلى المنصات الاجتماعية، وأصبح أكثر تفاعلا بين أصحاب التيار السياسي والديني نفسه

والنوع الآخر قنوات دينية متخصصة: مثل؛ قنوات “فجر”، و”العفاسي”، وقناة “شدا”، تقدم محتوى دينيا محددا ببث القرآن الكريم، أو أناشيد إسلامية، أو علوم الحديث والقرآن، بينما الأخطر هي القنوات العامة بقالب ديني تعود إلى أحزاب سياسية مثل قناة “المنار” التابعة لحزب الله اللبناني، والمروجة لأفكاره، وقنوات أخرى متشددة تمارس تحريضا طائفيا ومذهبيا على مدار الساعة و”تخصصت في زرع الفتنة بين المسلمين أنفسهم وبذر بذور الشقاق والصراع بين أبناء الدين الواحد”.

ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي انتقل هذا الصراع بوتيرة أعلى إلى المنصات الاجتماعية، وأصبح أكثر تفاعلا بوجود الكثير من المستخدمين الذين ينتمون للتيار السياسي والديني نفسه، ما جعل المشاهد المهتم بهذا النوع من الخطاب ينتقل أيضا إلى المنصات الرقمية، وفقدت بالتالي القنوات الدينية بريقها لأن جمهورها أصبح يأخذ نفس المحتوى وبأكثر تشددا في مواقع التواصل.كما أصبحت بعض القنوات الفضائية في العراق مسرحا للصراع الطائفي، نظرا لكثافة القنوات الممولة من إيران والتي تخرج في مواجهتها قنوات دينية سُنية بتمويل المؤسسات السُنية الكبرى في البلاد.

وتهتم غالبية جمهور القنوات الدينية بالفتاوى التي تشمل جميع نواحي الحياة حيث خصصت برامج عديدة لها للشرح والتفسير واستضافة رجال دين للإجابة عن تساؤلات الجمهور بهذا الخصوص، وهو ما وفرته أيضا مواقع التواصل الاجتماعي وبات المشاهد أمام وجبة دسمة من المحتوى الديني وسهولة في الحصول على الفتاوى.

وفي مقابل الخطاب المتطرف الذي تفشى على الشبكات الاجتماعية، وقبلها على القنوات الدينية، برزت دعوات مكثفة لإعادة تجديد الخطاب الديني وضبط الإعلام الديني ووضع حد لدعوات التطرف على هذه المنابر.

وأصبح واضحا وجليا للمتابعين غير المتزمتين أن غالبية القنوات الدينية متشددة على اختلاف مذاهبها، تفتقد الكادر البشري المؤهل، وتتبنى خطابا وسياسة إعلامية مغلقة وعاطفية وشوفينية وأن هذه الفضائيات تعمل على إبراز مفاهيمها الخاصة وشخصياتها المقربة، والتغافل التام والتجاهل الكلي عن كل المفاهيم والقيم والشخصيات الأخرى، التي لا تلتقي بشكل أو بآخر وهذا الطرح.

الفضاء الإسلامي المفتوح تحول من فرصة للتواصل والتعارف إلى منصة لزرع الفتن والأحقاد بين المسلمين، انعكست فوضى في الكثير من المناطق

وأكد خبراء إعلام أن أغلب هذه الفضائيات فئوية مغلقة، لا تمارس الانفتاح مع الرأي الآخر ولا تكتفي بذلك، بل تقوم بشحن الساحة العربية والإسلامية شحنا قبليا أو طائفيا، انتقل إلى الفضاء الرقمي بسبب ما تقدمه، وأضحت الحرب الإعلامية هي السمة البارزة في مشهد الإعلام الديني، وهو لم يعد خافيا على الجمهور.

كما تزايدت الانتقادات لهذه المنابر التي كان من المفترض أن تكون منبرا للتسامح والتفاهم وتقريب وجهات النظر بين مختلف فئات المجتمع، لدرء الفتنة والفوضى، لكن على العكس لم يساعد انتشار وسائل الإعلام الدينية بأي وقت على محاولة التعرف على الآخر، وإنما تمترس كل طرف وراء إعلامه الخاص، وبدأ يطلق الهجمات ضد الأطراف الأخرى. فالإعلام الفضائي الديني، لم يؤد إلى أن يتعارف المسلمون على بعضهم البعض، وإنما أدى إلى التخندق والتخندق المضاد.

وتحول الفضاء الإسلامي المفتوح من فرصة للتواصل والتعارف إلى منصة لزرع الفتن والأحقاد بين المسلمين، انعكست فوضى في الكثير من المناطق، واستمرار هذا النهج سيفضي إلى المزيد من الكوارث على صعيد الأمن الاجتماعي والسياسي.

18