تأبين حكومي للصحافة اللبنانية من دون حلول لإنقاذها

مشاريع قوانين مازالت في طور الاقتراحات، وإهمال الدولة للصحافة أفقر لبنان من المؤسسات والمطبوعات الصحافية.
الأربعاء 2018/10/03
صحف تختفي من المشهد الإعلامي

بيروت - استشعرت الحكومة اللبنانية حجم الخطر الذي يهدد الصحافة بعد إغلاق دار الصياد أبوابها، وبدأت تحركات السياسيين والنقابات المهنية لبحث الأزمة، لكن من غير الواضح إذا كانت هذه المشاورات ستسفر عن نتيجة لا سيما مع استبعاد إمكانية دعم الدولة لقطاع الصحافة والإعلام، في ظل التدهور الاقتصادي في البلاد.

وعقد وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال ملحم الرياشي الاثنين، اجتماعاً طارئاً، بحث فيه أزمة الصحف، وقرر المجتمعون تحويل مشاريع القوانين التي قدمها الرياشي إلى مجلس الوزراء إلى اقتراحات قوانين، على أن تقدم إلى مجلس النواب لتبت في تشريع الضرورة، إضافة إلى تأليف لجنة متابعة تجول على الرؤساء الثلاثة لتتابع الاتصالات وإيجاد حل لأزمة الصحافة المطبوعة.

وقال الرياشي “الصحافة الورقية هي الخزان الاستراتيجي لكل الإعلام المرئي والمسموع والرقمي، وتعرض هذه الصحف لأي عطب يعني تعرض كل الإعلام لعطب”.

ملحم الرياشي:  الصحافة الورقية هي الخزان الاستراتيجي لكل الإعلام التقليدي والرقمي
ملحم الرياشي: الصحافة الورقية هي الخزان الاستراتيجي لكل الإعلام التقليدي والرقمي

وأضاف “قدمت مشاريع قوانين عديدة. جزء منها لدعم الإعلام المرئي والمسموع وجزء لدعم المطبوع وجزء لدعم الإعلاميين، أبرز هذه المشاريع قانون نقابة المحررين الذي استحدث وأصبح قانوناً مميزاً وحديثاً جداً، نجحت في تقديم كل هذه المشاريع ولكني فشلت في أن تكون على جدول أعمال مجلس الوزراء، وهي موجودة حالياً في الأمانة العامة لمجلس الوزراء”.

وتأتي تحركات الرياشي بالتزامن مع تصريحات الرئيس اللبناني ميشال عون التي عبر فيها عن أسفه “لما آلت إليه حال الصحافة الورقية في لبنان بعدما رفعت الصحافة إلى مرتبة السلطة الرابعة”، معتبرا أن الحرية الإعلامية “شكلت الرأي العام في لبنان وعرفت كيف تجعل منه حكما ومشاركا في بناء الوطن”.

وأعرب عون عن تضامنه مع مختلف المؤسسات الإعلامية التي اضطرت منذ فترة إلى الإقفال، وآخرها “دار الصياد”، التي ودعت قراءها وغابت عن الصدور، بمختلف مطبوعاتها، بعد مسيرة تخطت الـ76 عاما من النجاح على الرغم من الظروف القاهرة التي مر بها لبنان على مدى سنوات، وواكبت خلالها أهم الأحداث اللّبنانية والعربية والدولية.

لكن عون اكتفى بالأسف، دون أن يشير أي حلول أو إجراءات ستتخذها الدولة لانتشال الصحافة من أزمتها.

من جهته، أصدر مجلس ​نقابة الصحافة​، بيانا بعد اجتماع تم تخصيصه لتداول قرار مالكي مطبوعات “دار الصياد” وقف إصدار مطبوعاتها السياسية وغير السياسية، اليومية والأسبوعية والشهرية، وقال فيه أن “توقف دار الصياد عن إصدار مطبوعاتها يشكل يوم حزن كبير ليس فقط لأبناء الدار والعاملين فيها ولكامل الجسم الإعلامي في ​لبنان​ و​العالم العربي​، وإنما أيضا للبنان كوطن وللبنانيين كمواطنين يعرفون العلاقة الوثيقة بين ​تاريخ لبنان​ ودار الصياد التي أطلقت أولى مطبوعاتها مع ولادة استقلال لبنان”.

وذكر بأن “قرار إيقاف مطبوعات دار الصياد عن الصدور في لبنان ليس الأول من نوعه، وإنما سبقته قرارات مماثلة على امتداد السنوات الماضية، أفقرت لبنان من كثير من المؤسسات والمطبوعات الصحافية التي تشكل، إلى جانب زميلاتها المستمرة بالعمل، عنوانا أساسيا من عناوين لبنان كوطن وككيان”.

وأشار إلى أنه “انطلاقا من هذه الوقائع الحاصلة في الظروف والتحديات المعروفة التي تواجهها الصحافة اللبنانية، يعتبر مجلس نقابة الصحافة اللبنانية أن ​الدولة اللبنانية​ على جميع مستوياتها، و​المجتمع اللبناني​ بمكوناته وقطاعاته كافة، مدعوان إلى الإسراع في معالجة التحديات التي يواجهها قطاع الصحافة اللبنانية”.

وأعلن المجلس، ضمن هذه الدعوة، أن الإسراع في معالجة التحديات المذكورة يمكن أن يتم عن طريق اتفاق السلطة الإجرائية على اعتماد مبدأ دعم الصحافة السياسية الورقية اليومية والأسبوعية الصابرة في صدورها، وذلك بتخصيص مبلغ مقطوع محدد في ​الموازنة​ العامة لكل مطبوعة منها يصرف لها بشكل منتظم وضمن آلية محددة طالما هي مستمرة في الصدور”. وأوضح أنه “تبعا لذلك يؤكد المجلس أنه سيعمل على صياغة هذا الاقتراح بشكل دقيق وذلك مقدمة لمشروع قيد الدرس بدأ مجلس نقابة الصحافة اللبنانية بإعداده بالتعاون مع عدد من المستشارين القانونيين وغير القانونيين”.

وكانت نقابة محرري الصحافة اللبنانية، بدورها، قد أعلنت موقفها من توقف مطبوعات “دار الصياد” وتسريح العشرات من العاملين فيها، معتبرة أن ما حل بهم يندرج في خانة الصرف الكيفي وضرورة التعاطي معه قانونيا على هذا الأساس.

Thumbnail

وأكدت النقابة في بيان أن توقف “دار الصياد” بعد قرار أصحاب الدار بإغلاقها تباعا حتى الاحتجاب النهائي، هو نبأ صادم للأسرة الصحافية والإعلامية في لبنان والعالم العربي.

وأضافت إن ما حل بدار الصياد وبالعديد من المؤسسات الصحافية والإعلامية من قبل، يعكس مدى إهمال الدولة لقطاع الصحافة الورقية، وبقاء مشروعات الدعم التي وعد المسؤولون المعنيون بتحقيقها، شعارا فارغا من أي مضمون يلجأون إليه في بعض المناسبات، من دون أن يقدموا على أي خطوة عملية.

ونوهت إن نقابة المحررين لا يغيب عنها أن أزمة الصحافة المكتوبة هي أزمة عالمية نتيجة التطور التقني، لكن أصحاب المؤسسات والدور الصحافية والإعلامية يتحملون قسطا وافرا من مسؤولية ما آلت إليه أوضاع مؤسساتهم. وهناك أمثلة كثيرة تدل على إهمالهم لها، وعدم الإفادة من السنوات السمان التي جنوا فيها أرباحا طائلة، وتثميرها من أجل بناء مؤسسات حقيقية قادرة على الثبات في وجه التحديات والتحسب للسنوات العجاف.

ورأت أن من واجب كل المعنيين في قطاع الإعلام على تنوع اختصاصاته، التحرك من أجل إنقاذ الصحافة الورقية وإقالتها من عثراتها، ودعمها ماديا ومعنويا لأنها جزء لا يتجزأ من تاريخ لبنان قديمه وحديثه وذاكرته الوطنية والفكرية والأدبية والثقافية، وليس مسموحا على الإطلاق بألا يتم التعامل مع هذا الموضوع بما يستحق من جدية قصوى وأن يبقى الدعم في إطار الكلام غير المرتكز إلى خطة عملية وموضوعية.

18