بين انخفاض وتحسن طفيف.. مسيرة مترنحة لليرة السورية

لم ينعكس الانفتاح السياسي الذي شهدته الساحة السورية مؤخرا على الوضع الاقتصادي الذي يزداد قتامة، وبدا ذلك بوضوح على سعر صرف الليرة السورية وسط عجز حكومي عن الوصول إلى حل يخرج 90 في المئة من السوريين من الفقر المدقع.
دمشق - رغم التحسن الطفيف الذي طرأ على قيمتها خلال الأيام الماضية، ظلت الليرة السورية تواجه منذ أشهر تراجعا لافتا. وفقدت الليرة السورية خلال الأشهر الأخيرة نحو 40 في المئة من قيمتها أمام الدولار، وسط عجز تبديه الحكومة في إدارة تحركات الأسعار.
وهي ليست عاجزة عن إعادة الليرة إلى سعر صرفها السابق فحسب، بل تواجه كذلك عدم القدرة على إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية العاصفة التي تمر بها البلاد. وانخفضت قيمة العملة السورية إلى أدنى مستوى لها، في يوليو الماضي، مسجلة رقما قياسيا جديدا حيث تجاوزت 13 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد.
وحدث تحسن طفيف قبل 4 أيام، ليبلغ سعر صرف العملة السورية، حسب موقع “الليرة اليوم” الاقتصادي، نحو 12 ألفا للدولار الواحد. إلا أن المراقبين الاقتصاديين يجمعون على أن هذا التحسن مؤقت، وستعود الليرة إلى الانخفاض مجدداً كما سبق أن حدث في مرات عديدة.
ومنذ نهاية 2022 بدأت الليرة تتدهور تدهورا ملحوظا، ما دفع البنك المركزي السوري بدءا من فبراير الماضي إلى إجراء خفض متواصل في سعر الصرف الرسمي لتتساوى مع قيمتها في السوق السوداء.
وثمة دول تلجأ إلى عملية تعويم سعر الصرف ليتساوى مع سعر السوق السوداء في محاولة للقضاء عليها (السوق السوداء)، لكنه خيار يحتمل الفشل كذلك.
ومع انخفاض قيمة الليرة انخفضت قيمة معدل الأجور لتصل إلى 8 دولارات شهريا، من متوسط 14 دولارا سابقا، فيما ارتفعت أسعار السلع بشكل كبير، ومن بينها مشتقات النفط، تزامنا مع ارتفاع سعر الدولار.
وتسبب عدم قيام الحكومة بأيّ زيادة في الأجور بآلاف الاستقالات وتسرّب كبير من العمل في القطاع العام، بحسب وسائل إعلام محلية.
وتعيش سوريا أزمة اقتصادية حادّة، تتمثل في نقص مشتقات النفط وارتفاع نسبة الفقر إلى 90 في المئة، وتوقف الإنتاج والصناعة، وعدم القدرة على توفير الكهرباء إلا لساعات قليلة في اليوم.
وأفاد يحيى السيد عمر، رئيس مركز ترندز للدراسات الاقتصادية، بأنه “من خلال تتبع تاريخي لمسار الليرة السورية منذ عام 2011 حتى الآن، من الممكن ملاحظة أن تراجع قيمتها يتم على مسارين”.
المسار الأول يتمثل في هبوط حاد في سعر الليرة، بحيث يحدث مرة كل عام، يليه استقرار، والمسار الثاني هو انخفاض تدريجي.
وأشار السيد عمر إلى أن الانهيار الحالي الذي حصل خلال الشهر الماضي فقدت فيه الليرة 30 في المئة من قيمتها والـ10 في المئة الأخرى كانت طيلة الأشهر السابقة من العام الجاري.
وأضاف “من المتوقع أن يتوقف الانهيار خلال الأيام القادمة، وأن تتابع مسيرة التراجع ولكن بشكل بسيط”. وأردف قائلا “عموما، وفي ظل استمرار الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية الحالية، ستستمر الليرة في فقدان قيمتها، ولن يتغير المشهد ما لم تتغير هذه الظروف، والانفتاح السياسي لا يؤثر إيجابا على الليرة ما لم يرافقه انفتاح اقتصادي”.
وفيما يتعلق بكيفية معالجة الوضع الحالي أوضح السيد عمر أن الحل هو معالجة مشكلة الانهيار التي تعود إلى عدة أسباب، منها الأسباب القديمة التي تتعلق بانخفاض الإنتاج وزيادة الاستيراد، وضعف الثقة بالليرة وارتفاع معدل المضاربات على الليرة.
8
دولارات معدل الأجر الشهري انخفاضا من 14 دولارا بسبب هبوط قيمة الليرة
وتابع “هناك أسباب جديدة منها إخراج بعض المواد من منصة الاستيراد، والسماح للتجار باستيرادها بشكل شخصي دون المرور بالمؤسسات المالية، وهذا ما دفع التجار للاتجاه إلى السوق الموازية للحصول على الدولار، وهو ما يعني طلبا مرتفعا على الدولار”.
وبالنسبة إلى قدرة الحكومة على معالجة هذه الأسباب، فإنها بحسب السيد عمر عاجزة عن ذلك؛ فهي مضطرة إلى السماح للتجار بالاستيراد بأنفسهم لكونها باتت عاجزة عن تمويل المستوردات، إضافة إلى كونها لا تمتلك رصيدا من الدولار لمواكبة الطلب عليه.
ووِفق السيد عمر “كل هذه القضايا مرتبطة بوجود حل سياسي شامل للقضية السورية، وهو غير متاح على الأقل في الظروف الراهنة، لذلك من المتوقع استمرار تدهور الليرة، واستمرار سلبية المؤشرات الأخرى، كمعدل الفقر والبطالة والجوع وغيرها من المؤشرات”.
وقال الخبير الاقتصادي السوري يونس الكريم إن الليرة السورية الآن تسير باتجاه الأسوأ، حيث صارت تفقد من حين إلى آخر ثقة الناس بها كعملة للتداول ولو على النطاق المحلي.
وأضاف “الليرة لم تعد حتى قابلة لتداول السلع، بسبب انخفاض قوتها الشرائية، ولذلك يتجه المواطنون إلى زيادة الطلب على الدولار والعملات الأخرى، وخاصة في الصفقات التجارية الكبيرة والمتوسطة التي تشكل عماد الاقتصاد”. ولفت الكريم إلى أن الوضع سيزداد سوءا، بسبب صعوبة استخدام الليرة لتبادل السلع والخدمات ودفع الأجور.
90
في المئة نسبة الفقر في سوريا، حيث تعيش البلاد أزمة اقتصادية حادّة ونقص مشتقات النفط
وأضاف “الحلول بالنسبة إلى الوضع السوري هي محاربة الركود التضخمي (ارتفاع الأسعار وسط ضعف في الطلب) والسماح باستخدام الدولار في المعاملات ذات الحجم المتوسط والكبير وإيقاف استيراد السلع الكمالية وإعادة فتح سوق العقارات للتداول، لأنه سيتيح سحب كمية هائلة من السيولة النقدية وسيشجع المغتربين على الشراء”.
وشدد على ضرورة السماح للمنظمات الإنسانية بالعمل في سوريا دون شروط، ووجوب أن تفصح الحكومة عن أموالها في الخارج واستخدامها في شراء السلع الأساسية التي تحتاجها لإعادة التوازن إلى السوق.
ومن بين الحلول كذلك -بحسب الكريم- قيام الحكومة بطلب قروض من الدول الأخرى مغطاة بالعملة السورية، بدلا من طباعتها، وتشجيع عودة المغتربين والاستثمار في البلاد، ودعم الزراعة بشكل يتكامل مع الصناعة، والعمل على رفع العقوبات المفروضة على قطاع النفط.
وأعرب الكريم عن اعتقاده بأن الحكومة غير قادرة على تنفيذ هذه الحلول، فهي لن تتمكن من إيقاف استيراد السلع الكمالية. وأكد أنه طالما أن الاقتصاد منهار لا يمكن لليرة أن تتحسن ولا يمكن أن تتحسن القدرة الشرائية للمواطن.