بين الهزل والجد

علمتنا الأيام أن التضحية واجب والإصرار على بلوغ الشيء عزيمة، فيما خوض التحدي يحتاج بشرا متمرّسين في اختيار مناويل السير في الحياة على كثرتها وتعدد أوجهها.
السبت 2018/03/24
صمتك يختزل معاني كثيرة

ربما هما صفتان لا تلتقيان أبدا في مسار أي ناشط يافع طامح إلى الذهاب بعيدا في دروب الحياة وخوض غمارها بتحدّ واقتدار. المشكلة في الاختيار وكيفية خوض هذا التحدي، إما بهزل وإما بجد. من الصعب الجمع بين الصفتين اللتين تحملان من التناقض الشيء الكثير. هناك خيط رفيع سمكه لا يرى بالعين المجردة يجمع بينهما ويصعب المشي عليه لأنه أخاذ إلى متاهات ومآلات لا يمكن تصوّر عقباتها. نعم من الصعب الجمع بين هاتين الصفتين حقا. بين أن تكون جادا، صارما، مهابا، تمنح ذاتك الرضا وتمنح الآخر فرصة إعطائك حظك من التقدير والرفعة والقبول. وبين أن تكون متصابيا، مائلا إلى الميوعة، لا تنطق مخرجات لسانك سوى بـ”نبيذ” لفظي تقشعّر له الأبدان أحيانا وتصبح محل تندّر وتضاحك بين الجميع.

صورتك إذن أنت راسمها وأنت المبدع في زخرفة رموزها وإخراجها للعيان. القاعدة هي الأساس في الانتساب لكلا الصورتين. قاعدة الأسرة ثم البيئة التي تنتسب إليها تليهما المدرسة، فالجامعة وغيرها من الأماكن والمسارح التي احتكت بها السواعد لتظهر بأشكال وأنواع متفاوتة.

صمتك يختزل معاني كثيرة. فيما حديثك المطنب في الثرثرة ينفّر الناس منك. الاحتكام إلى الاعتدال في كل شيء نهج مقبول خلقا وأخلاقا. من ذلك قول الصحابي الجليل علي ابن أبي طالب “لا تكن صلبا فتكسر ولا تكن ليّنا فتعسر”. هي معادلة صعبة التحقيق، يصعب السير على منوالها في الأدبيات الحديثة للأخلاق والمثل العليا وكيفية تربية الأجيال وتخريجها.

عمليا المعادلة صعبة، لكنها ليست بالدرجة التي يستحيل معها تطبيق مبادئ أساسية تنهض بمستقبل أجيال أضحى همّها الوحيد معلقا على ما تنتجه وما تطفح به وسائل التواصل الاجتماعي بلا فائدة.

علمتنا الأيام أن التضحية واجب والإصرار على بلوغ الشيء عزيمة، فيما خوض التحدي يحتاج بشرا متمرّسين في اختيار مناويل السير في الحياة على كثرتها وتعدد أوجهها. “اعمل لحياتك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا” مثل يُستحضر كثيرا ويدلل به على هذا النوع من التعاطي مع الحياة وطريقة عيشها كلما جد تواكل من هذا أو تقاعس من ذاك، وبالنقيض كلما تفتّحت بصيرة هذا وغاص ذلك في عمله ينحت ويخلق ويبتكر.

آخر الكلام نصيحة “احذروا مجادلة الأغبياء والحمقى حول تجارب الحياة، فقد يخطئ الناس في التفريق بينكم”.

24