بينيت أكثر عقلانية من نتنياهو تجاه عمّان.. لكن لا رهانات أردنية كبرى

مع تولي نفتالي بينيت رئاسة الحكومة يُتوقع أن تختلف منحنيات العلاقة بين إسرائيل والأردن التي تعتبر مهمة بالنسبة إلى الأمن القومي الإسرائيلي.
الجمعة 2021/07/02
لا تغيير على مستوى السياسة الإسرائيلية في القدس

يتوقع محللون انفراجة نسبية في العلاقات الأردنية الإسرائيلية بعد سنوات من التوتر والجفاء، لكن هذه العلاقة لا تخلو من تعقيدات ومنغصات في ظل استمرار السياسات الإسرائيلية لاسيما تجاه القدس.

عمان- تستبعد أوساط سياسية أردنية حدوث تغير كبير على مستوى العلاقات الأردنية الإسرائيلية خلال عهد رئيس الوزراء اليميني نفتالي بينيت، لعدة اعتبارات أولها أن هناك أولويات أخرى لدى الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فضلا عن كون جميع المؤشرات توحي بأنه لا تغيير على مستوى السياسة الإسرائيلية تجاه القدس وهي أحد الأسباب التي أدت إلى تأزم العلاقات بين الطرفين.

وتقول هذه الأوساط إن الجانبين قد يحرصان على الحفاظ على  قدر من الاستقرار في العلاقة وتخفيف التدهور الحاصل، في ظل وجود قيادات إسرائيلية في التحالف الحكومي على غرار زعيم أزرق أبيض بيني غانتس تدعو إلى ضرورة تحسين العلاقات مع عمان لكونها مهمة بالنسبة إلى الأمن القومي الإسرائيلي،  لكن ذلك لن يقود إلى  انفراجة تامة.

وشهدت العلاقات بين الأردن وإسرائيل جفاء واضحا في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو (2009-2021)، لدرجة دفعت العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، إلى وصفها خلال جلسة حوارية في الولايات المتحدة بأنها “في أسوأ حالاتها”.

الملك عبدالله الثاني وصف في وقت سابق العلاقات بين الأردن وإسرائيل بأنها "في أسوأ حالاتها"

ودفعت انتهاكات إسرائيل المستمرة بحق المسجد الأقصى وفي القدس بشكل عام نحو المزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين، حيث تمثل تجاوزا صريحا من تل أبيب لدور عمان ووصايتها على المقدسات الفلسطينية.

وتشرف دائرة أوقاف القدس التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية على المسجد الأقصى بموجب القانون الدولي، حيث يعد الأردن آخر سلطة محلية مشرفة على مقدسات المدينة قبل الاحتلال الإسرائيلي.

وأدت الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، وما رافقها من حراك أردني رسمي واحتجاجات شعبية واسعة، إلى المزيد من اتساع الشرخ في العلاقات بين عمان وتل أبيب، لاسيما وأن الأخيرة تجاهلت بانتهاكاتها، الدور الأردني تجاه مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى.

ومع تولي بينيت، زعيم حزب “يمينا” (يمين) رئاسة الحكومة الإسرائيلية في 13 يونيو2021، يتوقع البعض أن تختلف منحنيات العلاقة بين البلدين، لكن ضمن حدود دنيا.

ورجح محمد الخريشة أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية (حكومية)، أن تكون الحكومة الإسرائيلية الجديدة “أكثر تركيزا على القضايا الداخلية، وأقل اهتماما بالإقليم”.

واستثنى من ذلك تقليل الاهتمام الإسرائيلي بالملف الإيراني، واصفا دورها فيه بأنه “محدود في ظل إدارة أميركية ديمقراطية (برئاسة جو بايدن) تسعى مع شركائها الأوروبيين للوصول إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي”.

وتابع الخريشة أن “علاقات الأردن بإسرائيل مرت بأسوأ حالاتها في عهد نتنياهو، لأربعة أسباب من بينها شخصية نتنياهو الإشكالية، ونظرته للأمور بفوقية، وعدم قدرته على التعامل مع الواقع والشركاء بشكل إيجابي”.

واعتبر أن “طبيعة التحالف اليميني الذي شكل حكومته المتطرفة (نتنياهو) تجاه القضايا الرئيسية، في ما يتعلق بالقدس والاستيطان ومدى أهمية الدور الأردني كشريك للسلام في المنطقة”، شكل أحد أسباب التوتر.

ورأى أن تمرير “صفقة القرن”، عبر تحالف نتنياهو الثلاثي مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب (2017-2021) وصهره جاريد كوشنر، وعدم تلبية المشروع لأدنى المطالبات الفلسطينية والأردنية، كان هو الآخر سببا لسوء العلاقات بين عمان وتل أبيب.

وطرحت واشنطن في يناير من العام الماضي مشروعا لتسوية سياسية عُرف إعلاميا بـ”صفقة القرن”، اعتبر منحازا لإسرائيل ومجحفا بحق الفلسطينيين.

واعتبر  المحلل الأردني أن من الدوافع التي لا يمكن تجاهل الإشارة إليها “تمدد الاختراقات الإسرائيلية للمنطقة، وتوسع شبكة علاقاتها (التطبيع ) دون الأخذ بعين الاعتبار أولويات المنطقة”.

الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة في الأراضي الفلسطينية وما رافقها من حراك أردني رسمي واحتجاجات شعبية واسعة أدت إلى المزيد من اتساع الشرخ في العلاقات بين عمان وتل أبيب

ولفت إلى زوال بعض عوامل “التأزيم”، متوقعا أن “يشعر الأردن بارتياح نسبي لحكومة بينيت، خصوصا عند الأخذ بعين الاعتبار التغيير في الإدارة الأميركية نحو إدارة ديمقراطية أكثر تفهما للمطالب الأردنية، وإعلانها دعم حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية)”.

وأردف “بينيت وجه جديد وليس لديه تراكمات سلبية تجاه الأردن، كما هو الحال بالنسبة إلى نتنياهو، وبالتالي قد يكون أكثر عقلانية”. لكن الخريشة لم يبد تفاؤلا مطلقا إزاء بينيت، إذ نوّه بأنه “قد يكون أكثر انصياعا لإملاءات التحالف اليميني الذي شكل منه حكومته”.

وتضم حكومة بينيت أحزابا من اليمين والوسط واليسار، ويشارك فيها حزب عربي هو “القائمة العربية الموحدة”، للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل.

ومن جانبه يرى الأكاديمي والمحلل السياسي خالد شنيكات أن “الأردن لديه مصالح أساسية في تعامله مع إسرائيل، ولا بد من احترامها (من جانب تل أبيب)، وفي مقدمتها الأماكن المقدسة ووصاية المملكة عليها”.

وأوضح أن “أي إجراء إسرائيلي يهدف إلى تغيير الوضع الراهن يؤدي إلى التأثير بشكل سلبي على العلاقة مع الأردن، وذلك يشمل الاستفزازات المستمرة من قبل المستوطنين والحكومة الإسرائيلية داخل الأراضي المقدسة، كالتهجير وبناء المستوطنات ومنع المصلين من إقامة شعائرهم، وهذا يمسّ بالوصاية الهاشمية”.

واعتبر شنيكات أن “أي جمود في حل الدولتين من جانب إسرائيل سيؤدي إلى تأثير في العلاقة مع الأردن”. وأشار إلى أن إسرائيل “تتجه نحو اليمين المتطرف، وتعيش أزمة معه بكل أبعادها، وهذا يعني استمرار أجندته المتمثلة في بناء المستوطنات وفرض السيادة المطلقة على القدس وكل الضفة الغربية والجولان”. واستطرد  “هذه السياسات بالنهاية تؤدي إلى المساس بالمصالح الأردنية وتهديد مصالح المملكة”.

الأردن يشعر بارتياح نسبي لحكومة نفتالي بينيت، خصوصا عند الأخذ بعين الاعتبار التغيير في الإدارة الأميركية

وتوقفت مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية منذ أبريل 2014 لعدة أسباب بينها رفض إسرائيل إطلاق سراح معتقلين قدامى، ووقف الاستيطان.

ورجّح صايل السرحان أستاذ العلوم السياسية في جامعة آل البيت (حكومية)، أن “يحدث المتغيران القياديان في تل أبيب وواشنطن بادرة انفراجه في علاقات الأردن مع إسرائيل، انطلاقا من فهم بينيت وإدراكه لحالة التشدد التي تبناها سلفه، وما له من انعكاسات داخلية وخارجية على تل أبيب”.

وتوقع السرحان أن يكون لبايدن دور في الضغط على إسرائيل، خاصة بعد زيارة الملك عبدالله لواشنطن التي بدأت الخميس، وإدراك بايدن لخطورة الأحداث التي شهدتها الأراضي المحتلة وغزة مؤخرا، وحديثه الصريح عن أن “الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي يجب أن يعيشا في دولتين مستقلتين وينعمان بالرفاه والسلام”.

واعتبر السرحان أن “هذه العوامل مجتمعة تجعلنا نتجه للقول إن العلاقة الأردنية الإسرائيلية ستكون أفضل نسبيا في عهد بينيت مقارنة بسلفه”.

2