بينالي الفنون الإسلامية: لقاءات حوارية تبحث آثار التحولات الاجتماعية والثقافية

جدة (السعودية) - شهد البرنامج الثقافي المصاحب للنسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية، الذي انطلق منذ يناير الماضي وتنظمه مؤسسة بينالي الدرعية تحت شعار “وما بينهما” في صالة الحجاج الغربية بمطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، تقديم سلسلة محاضرات ولقاءات تفاعلية، استهدفت تعزيز الحوار الثقافي والفني، وتسليط الضوء على قضايا الهوية والتاريخ والتراث المعماري في سياق التحولات الاجتماعية والثقافية.
وتناول برنامج “لقاءات البينالي” موضوعات متنوّعة، أبرزها ممارسات الترميم والصيانة في مكتبة الفاتيكان، وتاريخ مكتبة الخالدية ومخطوطاتها النادرة في القدس، وتنوّع الإرث المكتوب في التقاليد الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة، ما يرسّخ البينالي منصةً معرفيةً تسعى لإثراء الحراك الثقافي وتوسيع آفاق الفهم المشترك بين الحضارات.
وقبل ذلك نظم البينالي جلسات حوارية عديدة ومهمة، من بينها محاضرة بعنوان “السماء والأرض وعشرة آلاف شيء”، استعرض خلالها المصور العالمي بيتر ساندرز العلاقة العميقة بين الإسلام والصين عبر العصور، وماستر كلاس بعنوان “صناعة البلاط الخزفي المستوحى من بيوت جدة التاريخية” بقيادة مروى تركستاني ودلال باقبص، إلى جانب محاضرة بعنوان “لماذا يؤلف الفنانون الكتب” قدمتها الفنانات فاطمة عبدالهادي وآلاء يونس وتمارا كالو وحياة أسامة.
وتناولت هذه الجلسة الحوارية جاذبية الكتاب كمساحة للإبداع والتفكير ومشاركة الفن، حتى بالنسبة إلى الفنانين الذين لا تستند أعمالهم إلى الطباعة؛ إذ يمثل الكتاب، بالنسبة إليهم، فضاء مولدا للأفكار، يسمح بالتسلسل البصري والتراكم والحميمية والتجريب. ومن المجلات الشخصية المصغرة إلى الإصدارات النحتية تتحدى كتب الفنانين القوالب التقليدية، وتفتح آفاقًا جديدة لانتشار الفن للجمهور في تجربة تفاعلية مختلفة. وأتاحت هذه المناقشة فرصة لتأمل الأسباب التي تدفع الفنانين نحو هذا الشكل الفني، والإمكانات الإبداعية التي لا تزال الكتب توفرها لهم.
وضمن برنامج “لقاءات البينالي” تنظم الخميس جلسة حوارية بعنوان “مشاريع محلية تعنى بالتراث الثقافي الإسلامي”، وفيها تقدم سارة العبدلي وفواز المحرج وطيب الطيب وعبدالله القاضي مجموعة من المشاريع الثقافية الجديدة في المملكة العربية السعودية، والتي ترتبط ارتباطا مباشرا بتاريخ المنطقة وتراثها الإسلامي.
كما تنظم جلسة بعنوان “البيت الحرام: بحث في الكعبة المشرفة”، بقيادة الكاتب والفنان السعودي علي القريشي، ستتناول الكعبة المشرّفة من منظور تاريخي ومعماري، مستعرضة تطوّرها عبر الزمن، وسماتها المعمارية، والعناصر الرمزية التي تُشكّل حضورها في العالم الإسلامي.
وتهدف هذه اللقاءات إلى تعزيز التأمل في العلاقة بين الفن والمجتمع، ودعم جهود صون التراث الثقافي من خلال مناقشة تجارب واقعية وملهمة، تسهم في إعادة قراءة التاريخ الثقافي برؤية معاصرة، وتستهدف المتخصصين في مجالات الترميم، وحفظ المخطوطات، ودراسات العمارة، والباحثين في الأديان والتاريخ، إضافة إلى المهتمين بالثقافة والفنون الإسلامية.
وتسهم هذه البرامج الحوارية، التي تجمع بين الخبراء وأمناء المكتبات والجمهور، في تعميق الوعي بممارسات الحفظ التاريخي، والاطلاع على إرث القدس الثقافي، وتسليط الضوء على نماذج التعايش والتنوع الديني، بما يعكس رسالة البينالي في تعزيز القيم الإنسانية من خلال الفنون والمعرفة.
والبينالي الذي انطلق في 25 يناير الماضي مستمر حتى 25 مايو الجاري، ويقدم برنامجًا ثقافيًا غنيًا يشمل سلسلة من الجلسات الحوارية وورش العمل التفاعلية. وتهدف هذه الفعاليات إلى تعزيز الحوار الثقافي وتوسيع آفاق المعرفة في مجال الفن الإسلامي المعاصر.
وتُعد “لقاءات البينالي” جزءًا أساسيًا من البرنامج الثقافي، حيث تجمع بين الفنانين وأمناء المتاحف والجمهور لاستكشاف العلاقة بين الفن والمجتمع. وتتناول هذه الجلسات مواضيع مثل الهوية العالمية، والتغيير الاجتماعي، ودور الفن في تشكيل الوعي العام. كما تعد أحد روافد البينالي في تعزيز التبادل المعرفي، وترسيخ القيم الجمالية والتاريخية للفن الإسلامي، ضمن بيئة تفاعلية تسعى إلى مخاطبة الباحثين والفنانين والمهتمين بالتراث، من خلال محتوى عميق يستلهم الماضي ويستشرف المستقبل.
وبالإضافة إلى اللقاءات الحوارية يُقدِّم البينالي ورش عمل تفاعلية، مثل “بينالي بعد المدرسة” و”بينالي بعد العمل”، تُتيح للمجتمع فرصة استكشاف الفنون بطرق تطبيقية وممتعة. كما تُنظَّم فعاليات أسبوعية مثل “خميس الطهي” و”أمسيات السينما” و”أيام السبت للرسم” والجولات المخصصة للأطفال، وهو ما من شأنه أن يعزز تجربة الزوار ويُسهم في نشر ثقافة الفن الإسلامي بين مختلف فئات المجتمع.
وهذا العام ينعقد البينالي بمشاركة أكثر من 30 مؤسسة دولية كبرى من السعودية وفلسطين ومصر وعمان وقطر وتونس والكويت وأوزبكستان والدنمارك وفرنسا واليونان وإندونيسيا وإيطاليا ومالي والبرتغال وإسبانيا وتركيا والمملكة المتحدة والأردن والولايات المتحدة.
وتشرف على البينالي نخبة من المديرين الفنيين العالميين، كما يتضمّن فريق القيمين الفنيين للبينالي كوادر تتمتع بخبرات عميقة في الثقافة الإسلامية، بما في ذلك الفنون الجميلة والعلوم والفلسفة والحرف وعلم الآثار، من بينهم أفراد من خلفيات ومناطق جغرافية متنوعة، وفي رصيدهم خبرة واسعة في إنشاء معارض عالمية مع مؤسسات رائدة على مستوى العالم.