بينالي الفنون الإسلامية: رؤى فريدة عن استمرار الثقافات في ظل التحولات بالسعودية

يأتي بينالي الفنون الإسلامية في نسخته الثانية ليسلط الضوء على أهمية الفنون الإسلامية وتنوعها، حيث يستعرض أعمالا من متاحف عربية وإسلامية مهمة، محولا صالة الحجاج في مطار جدة الدولي إلى قاعة فنية تعرض تحفا ومقتنيات نادرة تكشف سعي الإنسان الدائم لاكتشاف الجمال والتعبير عن أفكاره وهواجسه عبر الفنون.
جدة (السعودية)- أطلقت مؤسسة بينالي الدرعية مساء السبت النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية، الذي يقام تحت عنوان “وما بينهما” ويستمر حتى 25 مايو المقبل، وذلك في صالة الحجاج الغربية بمطار الملك عبدالعزيز الدولي في مدينة جدة.
وتعد صالة الحجاج الغربية، موقع إقامة البينالي، نقطة التقاء تجمع الثقافات المختلفة، إذ يمر عبرها الملايين من ضيوف الرحمن كل عام لأداء مناسك الحج والعمرة، ليحمل هذا الصرح المعماري الفريد ذكرياتهم ومشاعرهم.
وينعقد البينالي بمشاركة أكثر من 30 مؤسسة دولية كبرى من السعودية وفلسطين ومصر وعمان وقطر وتونس والكويت وأوزبكستان والدنمارك وفرنسا واليونان وإندونيسيا وإيطاليا ومالي والبرتغال وإسبانيا وتركيا والمملكة المتحدة والأردن والولايات المتحدة.
ويتألف بينالي الفنون الإسلامية من سبعة أقسام فريدة هي البداية والمدار والمقتني والمظلّة والمكرّمة والمنوّرة والمصلّى، تتوزع عبر صالات عرض ومساحات خارجية، تمتد على مساحة 100 ألف متر مربع، حيث صُمم المشهد العام للمعرض عبر شركة الهندسة المعمارية الدولية “أو أم أي”.
وسيقدم البينالي طوال فترة إقامته حوارا فريدا بين التحف الأثرية والقطع التاريخية والأعمال الفنية المعاصرة داخل قاعات العرض والمساحات الخارجية، مستكشفا عمق معاني الإيمان وطرق التعبير عنها والاحتفاء بها من خلال مشاعر الإنسان وأفكاره وأعماله الإبداعية، كما يقدم رؤى فريدة حول كيفية استمرار الثقافات في ظل التحولات التي تشهدها المملكة العربية السعودية اليوم، وارتباطها الوثيق بالإطار العالمي.
وتعبّر الآية القرآنية “وما بينهما”، التي وردت في عدة مواضع في القرآن الكريم كقوله تعالى “اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا”، عن عظمة خلق الله كما يدركها الإنسان ويستشعرها، عبر خمس صالات عرض تحتضن أكثر من 500 قطعة أثرية وأعمالا فنية معاصرة، تستكشف في بينالي الفنون الإسلامية 2025 سعي الإنسان لفهم جمال وروعة ما أبدعه الخالق.
وفي نسخته الثانية سيشهد البينالي للمرة الأولى على الإطلاق عرض كسوة الكعبة المشرفة بالكامل خارج مكة المكرمة، وسيتزامن ذلك مع الذكرى المئوية الأولى لإنشاء مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة في المملكة، والذي ينال شرف صناعة الكسوة منذ العام 1927.
والمعروف أن الكعبة يتم وضع كسوة جديدة عليها كل عام، والكسوة التي سيتم عرضها في بينالي الفنون الإسلامية بجدة لم يسبق أن عُرضت بشكلها الكامل في أيّ محفل أو معرض من أي نوع، وهي كسوة العام السابق.
وسيقدم البينالي من خلال عرض كسوة الكعبة تعريفا بالكسوة وتطورها عبر التاريخ وما يرتبط بها من فنون ونقوش ومهارات حِرفية ومعارف.
وإلى جانب كسوة الكعبة سيتم عرض مجموعة واسعة من التحف التاريخية الإسلامية وأعمال الفن المعاصر تحت مظلة واحدة، وذلك امتداداً لما قدمه البينالي في نسخته الأولى عام 2023 بعنوان “أول بيت”، وحققت نجاحات كبيرة جعلت منه ثاني أكثر بينالي زيارة في العالم، بحضور وصل إلى أكثر من 600 ألف زائر.
كما يعرض البينالي عددا أكبر من الأعمال الفنية المعاصرة، في ظل مشاركات أوسع من المؤسسات، ليؤكد عبر هذا التوسع مكانته كمنصة مركزية عالمية للفنون الإسلامية، إذ يجمع أعمالا مُعارة من أبرز المؤسسات العالمية المتخصصة في الفنون الإسلامية، من تونس إلى طشقند، ومن تمبكتو إلى يوغياكارتا، لتفتح مشاركة هذه الشبكة العالمية من المؤسسات آفاقاً واسعة للفنون الإسلامية، تجمع بين الماضي والحاضر، وتفتح قنوات جديدة للحوار والتعاون.
وتتضمن الأعمال المُعارة تحفا أثرية وقطعا تاريخية ومقتنيات إسلامية ثمينة، وأعمالا فنية من مؤسسات كبرى مثل متحف اللوفر باريس، ومتحف فكتوريا وألبرت بلندن، بالإضافة إلى مجموعات متخصصة في الفنون والثقافات الإسلامية قادمة من معهد أحمد بابا للدراسات العليا والبحوث الإسلامية في تمبكتو، ومتحف الفن الإسلامي بالدوحة، والمعهد التركي للمخطوطات بإسطنبول، كما يجمع البينالي مؤسسات بارزة من جميع أنحاء المملكة العربية السعودية.
وتقدم متاحف قطر ممثلة في متحف الفن الإسلامي، قرابة ثمانية أعمال فنية استثنائية من المتحف، تعكس موضوع البينالي وتسلط الضوء على عمق الفن الإسلامي وتنوعه.
ويقدم البينالي 29 عملا فنيا جديدا بتكليف من مؤسسة بينالي الدرعية، ما يجسد جهودها لاستقطاب الفنانين من جميع أنحاء العالم، ليتسنى للجمهور التفاعل مع ممارسات فنية ووجهات نظر متنوعة في الفن المعاصر.
◄ تشرف على تنظيم بينالي الفنون الإسلامية مؤسسة بينالي الدرعية بهدف تعزيز التعبير الإبداعي وغرس قيم التقدير للثقافة والفنون في المملكة العربية السعودية
كما يقدم برنامجا ثقافيا يتضمن سلسلة من الفعاليات التي تقام طوال فترة المعرض، تشمل محاضرات وورش عمل ومبادرات مجتمعية وندوات.
وشدد الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وزير الثقافة ورئيس مجلس أمناء مؤسسة بينالي الدرعية، في تصريحات بالمناسبة على قدرة الفن على إحداث تحولات جوهرية تسهم في بناء مجتمع مزدهر ونابض بالحياة.
وقال “في ظل ما تشهده السعودية من دعم وتمكين وتشجيع للقطاعات الثقافية، تواصل مؤسسة بينالي الدرعية تكريس جهودها لرعاية التعبير الثقافي وتعزيز الثقافة والفنون وإثراء الحراك الفني العالمي عبر مبادراتها القيّمة.”
وأضاف “بعد الأرقام المهمة التي حققها بينالي الفنون الإسلامية في نسخته الأولى، يعود بطموحات أكبر، حيث سنعمل على توسيع شراكاتنا في النسخة الثانية التي تضم تشكيلة واسعة من المؤسسات الفنية والثقافية والرعاة والفنانين من المملكة وباقي دول العالم التي نشأت وتطورت فيها ثقافات إسلامية متنوعة.”
وعبّر وزير الثقافة عن أمله في أن يعمّق بينالي الفنون الإسلامية فهمنا للأثر الذي أحدثته الفنون الإسلامية على العالم بأسره منذ بدايات الإسلام، ويواصل تأدية دوره الرائد في تقديم مرجعية موثوقة في كل ما يخص فنون الحضارة الإسلامية بماضيها وحاضرها، وتعزيز مستقبل الفنون الإسلامية والحوار الثقافي للأجيال المقبلة.
من جانبها أشارت الرئيسة التنفيذية لمؤسسة بينالي الدرعية آية البكري إلى دور الفنون الإسلامية التي أبدعتها وألهمتها مجتمعاتنا الإسلامية حول العالم في إثراء الحوار الثقافي طوال قرون وحتى اليوم.
وأكدت أن التوسع الذي تشهده النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية، يشرف عليه فريق فني يتمتع بخبرة دولية طويلة، وبمشاركة عدد أكبر من المؤسسات والفنانين من جميع أنحاء العالم، إضافة إلى تدشين جائزة المصلى العالمية، التي تمثل منصة حديثة تكافئ الرؤى الإبداعية والمبتكرة حول التصميم المعماري في منطقتنا.
◄ الأعمال المُعارة تتضمن تحفا أثرية وقطعا تاريخية ومقتنيات إسلامية ثمينة، وأعمالا فنية من مؤسسات كبرى مثل متحف اللوفر باريس
وتشرف على البينالي نخبة من المديرين الفنيين العالميين، كما يتضمّن فريق القيمين الفنيين للبينالي كوادر تتمتع بخبرات عميقة في الثقافة الإسلامية، بما في ذلك الفنون الجميلة والعلوم والفلسفة والحرف وعلم الآثار، من بينهم أفراد من خلفيات ومناطق جغرافية متنوعة، وفي رصيدهم خبرة واسعة في إنشاء معارض عالمية مع مؤسسات رائدة على مستوى العالم.
ويتكون الفريق الفني المشرف على النسخة الثانية من البينالي من الدكتور جوليان رابي والدكتور أمين جعفر والدكتور عبدالرحمن عزام، إلى جانب القيم الفني لأعمال الفن المعاصر الفنان السعودي مهند شونو.
وتشرف على تنظيم بينالي الفنون الإسلامية مؤسسة بينالي الدرعية، وهي مؤسسة غير ربحية تأسست عام 2020 بهدف تعزيز التعبير الإبداعي وغرس قيم التقدير للثقافة والفنون في المملكة العربية السعودية.
وتتولى المؤسسة أيضا مهمة تنظيم بينالي الدرعية للفن المعاصر في الرياض، بالتناوب مع بينالي الفنون الإسلامية بجدة، إلى جانب إشرافها على تطوير حي جاكس، الذي يحتضن مقر أعمال مؤسسة بينالي الدرعية.