بيع البتراء إشاعة عنيدة تشغل الأردنيين

يتردد سؤال على مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن مفاده “هل تم بيع موقع البتراء التاريخي؟»، مما دعا الحكومة الأردنية إلى الرد على تلك “الإشاعات”.
عمان - أثارت إشاعة في الأردن حول بيع موقع البتراء التاريخي لمستثمر يهودي أسترالي جدلا واسعا على مواقع التواصل. ونسب مصدر الخبر إلى صحافي بريطاني.
وعلّق رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة على الإشاعة قائلا إن “قلة قليلة من كارهي الوطن رددت ترهات وافتراءات تتعلق بمزاعم كاذبة تماما، لا تليق بالحكومة ولا بمجلس النواب ولا بالسواد الأعظم من أبناء الوطن، بالحديث عن التصرف بمقدرات الوطن”.
وجاء تعليق الخصاونة ردا على استفسار أطلقه النائبان البرلمانيان عائشة الحسنات ومحمد الهلالات، وعقدت بشأنه جلسة لمجلس النواب، حول ما وُصف بـ”إشاعات بيع البتراء”.
والبتراء مدينة أثرية وتاريخية تقع في محافظة معان في جنوب الأردن. وتشتهر هذه المدينة بعمارتها المنحوتة بالصخور، كما سميت بـ”المدينة الوردية” نسبة لألوان صخورها الملتوية.
كانت النائب عائشة الحسنات، قد تحدثت عن أن منشورات على مواقع التواصل تم تداولها تدعي بيع مدينة البتراء، في الوقت الذي تمت فيه مناقشة قانون الاستثمار، متسائلة ما الغاية والهدف؟ ورأت أن “هذه المنشورات تؤدي إلى فزع المستثمر المحلي”، ووجهت رسالة لمن وصفتهم بـ”الحاقدين”، قائلة “تراب الوطن أغلى من الروح”.
يشار إلى أن لواء البتراء قد شهد أعمال شغب محدودة قبل أسابيع، بسبب تنفيذ حملة أمنية في اللواء بالتنسيق مع سلطة إقليم البتراء لإزالة أي مخالفات في الإقليم. وآنذاك، حضرت قوة أمنية إلى المكان وتعاملت مع مجموعة قامت بإغلاق الطريق وتمت إعادة فتحه.
وقال رئيس سلطة إقليم البتراء التنموي السياحي سليمان الفرجات إن ما حدث مؤخرا في البتراء من تعامل مع أحداث الشغب، كان تطبيقا للقانون واحترامه. وأكد عدم المساس بأرزاق العاملين في البتراء، وإنما تنظيم العمل وترتيب بيئته لتكون جذابة للسياحة والاستثمار في هذا القطاع المهم.
وأكد خبراء في القطاع السياحي أن أعمال الشغب التي قد تحدث في المواقع السياحية والأثرية تحمل آثارا مدمرة على القطاع، الذي يعتمد على شعور السائح بالأمن بالدرجة الأولى.
وكشف وزير التعليم العالي الأردني الأسبق عادل الطويسي حقيقة بيع قرية أم صيحون الأردنية المجاورة لمدينة البتراء لمستثمر يهودي أسترالي. وقال الطويسي “تتعرض البتراء لهجمة إعلامية كبيرة كلما عُرض قانون سلطة إقليم البتراء على الجهات الدستورية المعنية للتعديل بما يسمح بالاستثمار في محيطها (وادي موسى)، وتصدر الهجمة من جهات ذات مقاصد مجهولة وجهات أخرى ساذجة صارت مهمتها نقل المعلومة دون تمحيص”.
وتساءل الطويسي في منشور على فيسبوك لماذا تحرم البتراء من الاستثمار من خلال الاستئجار؟ وأضاف أن مقالا وصله من إحدى الجهات غير المعلومة يحوي أكاذيب، ويزعم أن كاتب المقالة صحافي بريطاني يدعى بيني مارشال Penny Marshall ليس له وجود. وتابع الوزير الأسبق قائلا “المقال الذي وصلني من إحدى الجهات غير المعلومة، وهو محض أكاذيب”.
وعلى مواقع التواصل يواصل مغردون انتقاد “بيع البتراء”، وكتب مغرد:
وقال الكاتب الأردني فهد الخيطان “نظر الكثيرون منا إلى المنشورات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن نية الحكومة بيع البتراء ومواقع تاريخية وأثرية أخرى على أنها مجرد نكتة سخيفة لا تستحق التعليق أو الرد، لكن مع مرور الأيام تحولت إلى إشاعة، وكما هي العادة تغدو الإشاعة حقيقة لدى قطاع واسع من الناس، لا يكترث أبدا باختبار المصداقية، أو التحقق من المعلومة ومصادرها”.
وأضاف “عند هذا الحد اضطرت الحكومة إلى التدخل ونفي الإشاعة والتلويح بمعاقبة مروجيها. إذا شئنا البحث عن تفسير سهل ومريح لانتشار إشاعة لا يمكن لعاقل تصديقها، سنجد ضالتنا في الدارج من الكلام عن فقدان الثقة الشعبية بالحكومات والمؤسسات، وغياب المعلومات المؤكدة من مصادرها”. وتابع “لكننا بهذا التفسير نعفي أنفسنا كمواطنين ومهتمين من المسؤولية عن ترويج إشاعات لا يمكن تصديقها حتى في ظل انعدام الثقة. هنا أجد نفسي أكثر ميلا لرد الإشاعة وانتشارها إلى سوء تدبير وإدارة رافق المناقشات لتعديلات قانون إقليم البتراء تحت قبة البرلمان. وهي المناقشات التي أسست لتلك الإشاعات وحقنتها بمعلومات مفبركة وكاذبة”.
وفي فبراير 2020، أثار القانون المعدل لـ”قانون سلطة إقليم البتراء التنموي السياحي”، جنوب الأردن، جدلا واسعا داخل أروقة مجلس النواب، امتد إلى الشارع الأردني، وسط تخوفات من تملك إسرائيليين في مدينة البتراء.
نفي الإشاعة لا يحصل على صدى كبير على مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن كما تحصل عليه الإشاعة نفسها
مشروع القانون مؤجل النقاش فيه منذ سنوات عديدة، يسمح بموجب تعديلاته المقترحة، للأشخاص المعنويين بتملك الأموال غير المنقولة الواقعة في منطقة الإقليم، شريطة أن تكون نسبة تملك الأردنيين فيها أكثر من 51 في المئة.
ورفض مجلس النواب تعديلات مشروع القانون المقترحة من قبل لجنة السياحة والآثار النيابية، وتقررت إعادته إلى اللجنة نفسها من أجل دراسته وإجراء تعديلات مناسبة عليه، تضع حواجز قانونية أمام تملك الأجانب في إقليم البتراء.
ويخص مشروع القانون التملك في إقليم البتراء التابعة لمحافظة معان البالغة مساحتها إجمالي 755 كلم مربع، خارج المدينة الأثرية البتراء التي صنفت في عام 2007 كإحدى عجائب الدنيا.
وتطفو على السطح مخاوف نيابية وشعبية من تملك أجانب، خصوصا الإسرائيليين، أراضي وعقارات في إقليم البتراء، في ظل الاهتمام الإسرائيلي الواسع بالمدينة الأثرية ونسبها كإرث يهودي قديم. وانتشر حينها هاشتاغ #البتراء_ليست_للبيع وآخر بالانجليزية #Petra_not_for_sale.
وسخر مغرد:
وتندرج إشاعة بيع البتراء ضمن الإشاعات العنيدة. والخطير في هذه الإشاعات أنها تبقى مستمرة وتمتد دورة حياتها طويلا رغم نفيها أكثر من مرة ورغم إثبات عدم صحتها، إذ تبقى مزروعة في أذهان الأردنيين على أنها حقائق، ولا يحصل نفي الإشاعة على صدى كبير كما تحصل عليه الإشاعة نفسها، ولا يتم تعديل الصورة الكاذبة التي صدقها الرأي العام منذ البداية، فتعمل هذه الأكاذيب على الصعود في بناء تراكمي من المعلومات المغلوطة، والتي تكون محركا للمواطنين لتأزيم الوضع في الدولة.
ويسود اعتقاد عند قطاع كبير من مسؤولي الدولة بأن الإشاعات العنيدة “مبرمجة” وتستهدف تقويض وإضعاف الدولة الأردنية.
ويقول خبراء إن الإشاعات التي تهم الشأن العام باتت تتفوق على الإشاعات السياسية والأمنية، وأخذت صدى كبيرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعملت كذلك وسائل الإعلام الأردنية على المساهمة في نشرها وتداولها بنسبة لا يستهان بها. ويعتبر هؤلاء الخبراء أن مجالس النميمة السياسية تراجعت في الفترة الأخيرة لفائدة مجالس بث الجدل في المجتمع. وتشير ميساء الرواشدة أستاذة علم الاجتماع إلى أن للإشاعة تأثيرا خطيرا على الاقتصاد والأمن والتقليل من شأن مؤسسات الدولة.
ولم يخف العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني انزعاجه من حرب الإشاعات التي “تنخر” الأردن ولا تتوقف عند حدود، وقال “أنا أسمع إشاعات كثيرة بالداخل والخارج.. فمن أين يأتون بهذه الأفكار؟ لا نعلم!”. ويكمل الملك رسالته الواضحة “(...) من غير المسموح اغتيال الشخصية، والفتنة خط أحمر”.