"بيزنس" التدين ينشط في مصر وسط تساهل حكومي وغضب مجتمعي

المتاجرة بالدين أسوأ تركات الجماعات الإسلامية التي ظهرت في مصر وتعبر عن استمرار سيطرة المزاج السلفي على شريحة من المواطنين.
الخميس 2023/09/07
عمرة البدل تقود الداعية أمير منير إلى السجن

القاهرة - ألقت السلطات المصرية، الأربعاء، القبض على الداعية وصانع المحتوى الديني أمير منير، والذي أثار جدلا واسعا بعد إعلانه إطلاق تطبيق إلكتروني لأداء العمرة، أو ما وصفه بـ"عمرة البدل"، نظير الحصول على مبلغ مالي بقيمة أربعة آلاف جنيه (مئة دولار) من دون أن يذهب الشخص إلى السعودية.

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بنقاش، شارك فيه رجال دين من مشارب مختلفة، بينما تبرأت وزارة الأوقاف من الداعية، وتسابق أزهريون في اتهامه بالتربح وجمع مبالغ مالية من خلال المتاجرة بالدين وما إلى ذلك من عبارات مطاطة، وغاب عن هؤلاء مواجهة الفكرة برؤية فقهية مقنعة.

ويستغل بعض الدعاة الدين في مصر بغرض جني مكاسب مالية، وسط صمت حكومي غير مفهوم، يقابله غضب مجتمعي من ترك الساحة مفتوحة أمام فئة درجت على المتاجرة بمشاعر الناس تحت مسميات دينية مختلفة، ما يدغدغ مشاعر الناس ويثير اللغط أحيانا.

وجاءت أزمة العمرة البديلة لتكشف إلى أي درجة توجد تجارة رابحة من وراء اللعب على وتر التدين الشعبي عند غالبية المصريين، لكنها أيضا عكست حجم الوعي عند شريحة معتبرة، مع أن المؤسسات الرسمية لم تتعاط بجدية لمواجهة هذا النوع من الاحتيال، ربما لأنها تعاملت مع الأمر كظاهرة سرعان ما تنطفئ، أو رأت فيها وسيلة لتسلية الناس بدلا من تركيز حديثهم عن غلاء المعيشة والأزمات الاقتصادية.

سعيد صادق: المتاجرة بالدين أسوأ تركات الجماعات الإسلامية
سعيد صادق: المتاجرة بالدين أسوأ تركات الجماعات الإسلامية

ونشر صانع المحتوى الديني عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك مقطع فيديو نصح فيه متابعيه بأداء العمرة بأقل تكلفة مالية بلا حاجة إلى دفع تذاكر طيران وتوفير مبالغ مالية ضخمة للسفر إلى السعودية في ظل الغلاء المتصاعد.

ولعب الرجل على وتر الغلاء ومشاعر الناس وشغفهم بالعمرة، واستطاع أن يجذب إليه شريحة منهم ليتابعوا ما قاله ويوسعوا دائرة انتشاره على مواقع التواصل. وحاول منير إقناع جمهوره بأن تطبيق "عمرة البدل" يتيح أداء الشعيرة الدينية عن الموتى والمرضى والعاجزين، ومن لا تسمح ظروفهم بالسفر، مقابل إنابة أشخاص لأداء العمرة عن طريق دفع مئة دولار، مبررا ذلك بالتسهيل على الناس.

تحول الرجل سريعا إلى قصة يتابعها المواطنون في مصر، ومادة دسمة للسخرية والتعليقات، لكن الأغلبية أجمعت على أنه يتاجر بشكل احترافي بدعوة الناس إلى دفع المال إليه وهم لا يعرفونه مستغلا شهرته.

وأمام الجدل المتصاعد، أبدت لجنة الحج والعمرة بالغرفة التجارية السعودية انزعاجها من فكرة تطبيق العمرة، ووصف حسين حجازي، عضو الغرفة، “هذه المبادرة لجمع الأموال من الناس بالباطلة وتجارة بالدين، واستغلال لضيوف الرحمن".

وقال سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة، في تصريحات لـ"العرب" إن المتاجرة بالدين أسوأ تركات الجماعات الإسلامية التي ظهرت في مصر، وتعبر عن استمرار سيطرة المزاج السلفي على شريحة من المواطنين، وهو ما يسمح باللعب على الهوس الديني وسط صمت رسمي للمواجهة الفكرية.

واتهم متابعون مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بأنه سهّل للداعية أمير منير أن يتاجر بالظروف الاقتصادية التي يعاني منها الناس، لأنه سن قاعدة تجيز أن ينيب الإنسان غيره عنه في العمرة أو الحج، إذا كان مريضا أو عاجزا، دون وضع قيود ومعايير.

واعتاد الأزهر إصدار فتاوى استنادا إلى تراث لا يزال محل جدل واسع بين مفكرين كثر، حيث يكرس تغييب الوعي والمنطق ويجعل الناس أسرى فتاوى شاذة، يستغلها إسلاميون ودعاة دين في الاحتيال على المواطنين.

وما ضاعف غضب واستنكار شريحة كبيرة من المصريين ضد عمرة البدل أنها تزامنت مع قضية أثيرت مؤخرا، وتتعلق بقيام مؤسسات خيرية تنشط في مجال ما يسمى بـ"سقيا المال"، بجمع مبالغ مالية من المواطنين بحجة توظيفها في إنشاء آبار مائية لسكان المناطق النائية والمحرومة من المياه.

وافتضح أمر الجمعيات التي تتاجر بالآبار الخيرية بعد قيام مؤسسة شهيرة بجمع مبالغ مالية بذريعة إنفاقها على حفر آبار ويتم تصوير البئر وعليه اسم فاعل الخير وإرساله له للتأكد من التنفيذ، ثم تبين لاحقا أن الصور نفسها ترسل للمتبرعين مع تغيير الاسم.

◙ الفقراء في مصر والمتاجرة بظروفهم المعيشية هم الحلقة الأضعف التي يستثمرها بعض الدعاة والمؤسسات الخيرية الإسلامية لجني مبالغ مالية طائلة

وتعتمد بعض الجمعيات الدعوية على أحد رجال الدين المشهورين إلكترونيا للترويج لها بدعوة الناس إلى التبرع لها بلا رقابة صارمة من الجهات الحكومية المعنية، ما يجعل بعض الناس يتعرضون لخديعة كبرى، باعتبار أن جني الأموال يكون عبر اللعب على وتر التدين وفعل الخير كوسيلة سهلة للاحتيال.

ويظل الفقراء في مصر والمتاجرة بظروفهم المعيشية هم الحلقة الأضعف التي يستثمرها بعض الدعاة والمؤسسات الخيرية الإسلامية لجني مبالغ مالية طائلة، وهو ما ظهر في تطبيق العمرة الجديد، حيث يستهدف بشكل أساسي البسطاء والحالمين بأداء الشعيرة بأقل تكلفة، كذلك آبار المياه للفقراء المحرومين من كوب ماء نظيف.

وما يثير امتعاض البعض أن الحكومة المصرية تبدو بعيدة عن الاهتمام بظاهرة التجارة بالدين، رغم محاولة دعاة ومؤسسات بعينها السعي لتوظيف الفقر وتقديم أنفسهم كبديل عن جهات رسمية من المفترض أنها حامية للبسطاء، وهو نفس النهج الذي تتبعه جماعات إسلامية لديها خصومة مع النظام المصري وتحاول ابتزازه بورقة الفقراء.

وأشار سعيد صادق لـ"العرب" إلى أن استغلال ظروف الفقراء والتربح منها معركة معقدة تواجهها الحكومة، لكن بعض مؤسساتها تتحمل جزءا من المسؤولية بترك الساحة أمام جمعيات مشكوك في توجهاتها، ودعاة يتربحون من وراء التدين الشعبي، ولا تتحرك الهيئات المعنية لمحاسبة هؤلاء أو البحث خلف مصادر أموالهم وأوجه إنفاقها.

ويعبر تشدد الحكومة مع أي جمعية أهلية في مسألة جمع التبرعات لأسباب سياسية، مقابل التساهل مع نظيرتها الدعوية، عن تخبط في النظرة للعمل الخيري، ما شجع دعاة وجمعيات أهلية على التمادي في المتاجرة بالدين والاحتيال من هذا المدخل.

2