بيروت تحتفي بالكاتبة والشاعرة والرسامة الراحلة إيتيل عدنان

على امتداد نصف قرن قدمت الشاعرة والكاتبة والرسامة إيتيل عدنان (1925-2021) للثقافة العربية الكثير، سواء في ما كتبته أو في ما رسمته كفنانة وأديبة انتصرت للإنساني ولم تعر اهتماما لاصطفاف أيديولوجي أو سياسي أو حتى جمالي، ويُحتفى بالراحلة هذه الأيام في مدينتها بيروت، في لفتة من الجامعة الأميركية.
بيروت - تكرّم الجامعة الأميركية في بيروت الكاتبة والشاعرة والرسامة الراحلة إيتيل عدنان بندوة تحمل عنوان “في الليل في الليل سنجد المعرفة والحب والسلام”، وذلك يومي الخميس والجمعة الثالث والعشرين والرابع والعشرين من فبراير الجاري في معهد عصام فارس في الجامعة، في قاعة محاضرات بازيل أنطوان مغرديش.
وأشارت الجامعة في بيان لها إلى أنه “تكريما للكاتبة عدنان، ستجمع هذه الندوة بين البحث الأكاديمي والشهادات الشخصية والممارسات الثقافية لاستكشاف حياتها وعملها عبر اللغات والثقافات والمنفى”.
وأضاف البيان “لقد أحرزت إيتيل عدنان شهرة دولية كبيرة كفنانة بصرية طوال العقد الماضي لعملها في مجموعة من الوسائط بما في ذلك اللوحات والرسم والنسجيّات. وإلى ذلك، كانت أيضا أستاذة جبّارة في الكلمات، وسَبَرت مجموعة واسعة من الأشكال، كصحافية وروائية وكاتبة مقالات وناشطة وفيلسوفة شاعرة. وارتكزت كل كتاباتها بعمق على مقاربة إنسانية، مع احتضان للكون بأنماط نقدية ومرحة ورؤيوية”.
الندوة تكرّم الكاتبة والفنانة وتجمع بين البحث الأكاديمي والشهادات الشخصية لاستكشاف حياتها وعملها
وستترافق الندوة مع معرض لأوراق إيتيل عدنان الخاصة، والتي أورثتها بسخاء للجامعة الأميركية في بيروت. كما ستترافق مع عروض أفلام، وقراءة مسرحية، وأداء موسيقي. وأكدت الجامعة أن هذه الندوة مفتوحة الحضور للجميع.
وودعت عدنان الحياة في الحادي والعشرين من نوفمبر من عام 2021، تاركة فراغا كبيرا في الساحة الثقافية العربية، ونعتها الدوائر الثقافية والفنية الفنانة التي رحلت في العاصمة الفرنسية باريس عن عمر ناهز الـ96 عاما.
ونعاها مدير معهد العالم العربي في باريس جاك لانج على حسابه بفيسبوك قائلا “علمت ببالغ الأسى برحيل إيتيل عدنان. هذه الروح الشاعرة الملونة فائقة العذوبة التي عبّرت عن معاناتنا وفرحنا وحبنا”.
وأضاف “كانت فنانة نادرة ومتكاملة، ذات موهبة متّقدة وذكاء مذهل. هذه الرحالة غير العادية جعلتنا نهتزّ للقوافي الجريئة القادمة من أرجاء البحر المتوسط”.
والشاعرة الفنانة إيتيل عدنان، وُلدت في بيروت عام 1925 من أب سوري دمشقي وأم يونانية، وعاشت ضمن تنوّع عرقي وثقافي سليم، وكان والداها يتكلمان مع بعضهما باللغة التركية، وأمها تتكلم معها باليونانية، وكان الناس في بيروت يتكلمون معها بالعربية، وفي مدرستها بالفرنسية، ودرست بالجامعة بالإنجليزية، فتحدثت كل هذه اللغات بطلاقة، وألّفت أولى قصائدها باللغة الفرنسية في سن العشرين، وصارت خريجة جامعات السوربون، ثم بيركلي وهارفارد، ودرّست الفلسفة من العام 1958 وإلى غاية العام 1972.
اشتركت بحملات في كاليفورنيا ضد حرب فيتنام، وحروب أخرى، كحرب الجزائر والحرب اللبنانية حيث كانت تقيم في لبنان في العام 1970، قبل أن تغادر إلى ولاية كاليفورنيا لتحصل على اللجوء هناك.
وللراحلة العديد من الأعمال الأدبية، ونشرت عشرين كتابا بالفرنسية والإنجليزية، شعرا ونثرا، وعن علاقة الكتابة بالفن والرسم عندها، تتحرّك لوحتها في موقع آخر غير الذي تتحرك فيه أعمالها الأدبية، بينما يحضر لبنان الحرب الأهلية في روايتها “الستّ ماري روز” (1977) أو في كتابها “يوم القيامة العربي” (1989)، وبينما تحضر أحداث التاريخ المعاصر في شعرها، من فلسطين ولبنان إلى سوريا والعراق، كاشفة عن وجه المبدعة الملتزمة، يغيب هذا المنحى بصورة عامة عن أعمالها الفنية. عندما ترسم، تنتصر لجانب آخر في نفسها، لوجه آخر من وجوهها، هو الوجه الذي يلتفت إلى الطبيعة وعناصرها، الوجه الذي يقبل بحب على العالم.
لا تُصنّف أعمال إيتيل ضمن مدارس ونظريات فنية، وهي أعمال مسافرة مثلها، في الزمان والمكان، من بيروت إلى باريس ثم نيويورك، وتجتمع لتضع حصيلة عقود من العمل والإبداع، وتصف هي إبداعها التشكيلي بأنه نوع من الشعر، شعر بصري، قادر على إيصال الصوت والمعنى.
تنتمي عدنان إلى جيل لا يستطيع فصل السياسة وهموم البشر عن همّه الشخصي، فهي لم تتردد في ما مضى بتوجيه النقد للعالم العربي، في شعرها، الذي ينطق بلغة كونية فلسفية لا عرقية، وتتحدث عن كفاح الإنسان ضد الحروب والظلم، وفي لوحاتها، التي تصوّر فيها الجمال والسلام والتفاؤل، وكتبت رواية “الست ماري روز” (1977) باللغة الفرنسية عن الحرب الأهلية اللبنانية التي شهدتها، وفازت بجائزة جمعية الصداقة الفرنسية العربية، وأدانت الإمبريالية والوحشية في ديوانها “بحر وضباب”، وساندت الثورة الفلسطينية شعرا ورسما.
وقال عنها الشاعر الأميركي روبرت بلاي “إن موهبة الشاعر السويدي توماس ترانسترومر تكمن في إدراكه متى يتوقف عن الكتابة ليتردد صدى البلاغة في هوامش القصيدة، شأنها شأن النغمات الموسيقية، ويتراءى لي أن عدنان تَنعم بالموهبة نفسها، لا تصوغ المقطع الأخير كي يُعبِّر متعاليا عن حكمة أخلاقية، وإنما تتيح للقارئ فرصة لإتمام ذلك المقطع المتواري عمدا”.
إيتيل عدنان تنتمي إلى جيل لا يستطيع فصل السياسة وهموم البشر عن همّه الشخصي ولم تتردد بتوجيه النقد لأي كان
خلال رحلة حياتها، ترجمت ونشرت في العديد من البلدان، كما عرضت أعمالها الفنية المختلطة في لندن ونيويورك، وفي متحف الفن الحديث في الدوحة بقطر، واقتنيت أعمالها في العديد من المتاحف، ومن كتبها الأخيرة “سماء بلا سماء”، و”باريس عندما تتعرى” و”قصائد الزيزفون”.
وعملت عدنان بتدريس الفلسفة في جامعة الدومينيكان بكاليفورنيا، وهناك اكتشفت حبها للرسم بتشجيع من الفنانة الأميركية آن أوهانلون، وبدأت لاحقا في دمج اللغة العربية بأعمالها.
ومن أعمالها الأدبية الشهيرة نذكر “سفر الرؤيا العربي” و”عن مدن ونساء.. رسائل إلى فواز” و”قصائد الزيزفون” و”سيد الكسوف” و”باريس عندما تتعرّى”.
أما لوحاتها فاتسمت بالصفاء والهدوء والميل إلى تصوير الطبيعة البشرية، وجاءت معبّرة عن الحياة والحب والنقاء، فاقتنتها العديد من المتاحف الكبرى حول العالم.