بيرني ساندرز اليهودي العجوز الذي سيرأس أميركا

في حي بروكلين بنيويورك اعتلت المنبر السيدة ليندا سرسور تخطب في حشد جاء ليستمع إلى مناصري المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية للعام 2020، السيناتور بيرني ساندرز. قالت الناشطة السياسية الأميركية ذات الأصل الفلسطيني “سأكون فخورة للغاية إذا ما انتخبتْ أميركا في حدث لم تشهده البلاد قبل الآن أول رئيس للولايات المتحدة يهوديا”.
وأعربت سرسور عن تقديرها لبرنامج ساندرز الانتخابي، ولاسيما في ما يتعلّق بتحويل المجتمع الأميركي إلى مجتمع أكثر عدالة وإنصاف للطبقة المحدودة الدخل، وقالت “أومن بشكل كبير بسياسة ساندرز الخارجية التي ستحقق نقلة للعلاقات الأميركية الدولية والتي تعتمد على السلام والدبلوماسية”. أما ساندرز فقد غرّد على حساب حملته الخاص على تويتر شاكرا كل من حضر هذا التجمع الانتخابي معتبرا سرسور واحدة من الأنصار الذين يعتدّ بهم في حملته.
كاردي بي والمكتب البيضاوي
لا يعتمد ساندرز في حملته على السياسيين فقط لدعم ترشحه، بل قام مؤخرا بالتعاون مع المغنية الأميركية الشهيرة لغناء الراب، كاردي بي، وذلك بهدف تحريض وحث الشباب على التوجه إلى صندوق الاقتراع والانتخاب، حيث تكون هذه الفئة العمرية عادة من أقل الناخبين المسجلين رسميا حماسا للمشاركة في الاقتراع.
وكان ساندرز وبي قد التقيا مؤخرا في ديترويت شمال الولايات المتحدة لتصوير إعلان موجه للناخبين الشباب، وهو مكان مناسب لكاردي بي المعروفة هناك لأغانيها. وصرّح ساندرز قبل الشروع بتصوير الإعلان لوسائل الإعلام قائلا “نحاول تعبئة الشباب للاهتمام بالقضايا السياسية بشتى الطرق، الكثير منهم يذهب عادة للتصويت في الانتخابات لكن هذا ليس كافيا”. فمن هو ساندرز وما هي أصوله وكيف نمت لديه القابلية السياسية حتى وصل إلى الطموح بكرسي الرئاسة في البيت الأبيض؟
السيناتور ساندرز يتقدم حاليا إلى المرتبة الثانية بعد جو بايدن في ترتيب الأهلية لترشيح الحزب الديمقراطي الأميركي، ليكون ممثلا له، مقابل دونالد ترامب الجمهوري في السباق نحو كرسي البيت الأبيض.
ساندرز الذي يشغل حاليا مقعدا في مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت هو ابن لعائلة يهودية هاجرت إلى الولايات المتحدة من بولندا واستقرت في بروكلين بنيويورك حيث ولد ابنها بيرني في 1941.
نشأ ساندرز في عائلة من الطبقة المتوسطة حيث كان والده يعمل كبائع للطلاء. وقد شبّ وهو يتابع الدمار والموت والمظالم التي تسببت فيها الحرب العالمية الثانية، ومن هنا بدأ اهتمامه بالسياسة. وتحقيقا لهذا التوجه نحو النشاط السياسي انتقل إلى شيكاغو ليلتحق بجامعتها ويتخرج حاملا درجة البكالوريوس في العلوم السياسية.
بدأ بدخول المناخات السياسية حين كان طالبا في جامعة شيكاغو حيث شارك في الحركة الطلابية للحقوق المدنية وكان منسقا للجنة الطلاب. أما حصوله على أول منصب سياسي فكان حين تم انتخابه عمدة لمدينة برلنغتون في ولاية فيرمونت.
استطاع أن يثبت نفسه كسياسي قوي ووطني ومتميز بأفكاره الجديدة على المجتمع الأميركي وسياسييه بسبب ميوله الاشتراكية الواضحة. وحين ترشح لمقعد مجلس النواب فاز بالمقعد بيسر، بسبب شعبيته التي شيّدها خلال خدمته، وقدرته على الخطاب والتواصل مع طبقات الشعب العاملة.
فشل سابق
حين ترشح لمجلس الشيوخ كان يواجه رجل الأعمال الجمهوري ريتشارد تارانت، وحينها فاز في الانتخابات بعد أن حظي باهتمام كبير من وسائل الإعلام لقاء خطابه الذي دام 8 ساعات ونصف الساعة، وهو وقت قياسي لم ينجزه أحد قبله، وكان الخطاب موجها ضد الإعفاء الضريبي، ولدعم إعادة التأمين على البطالة، وقانون خلق فرص العمل، وحصل حينها على قدر كبير من الهتاف والتأييد.
أعلن ساندرز عن خطته للترشح للانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي الذي كان قد انتسب إليه في وقت مبكر من حياته السياسية، إلا أنه لم يفز بترشيح الحزب في هذه الدورة خاسرا الترشيح أمام هيلاري كلينتون.
وفي خريف هذا العام أعلن مجددا أنه سيرشّح نفسه من جديد عن الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية القادمة. وهذه ثاني انتخابات يخوضها للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي بعد حملته الانتخابية التمهيدية.
وهذه المرة أطلق حملته في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى أنصاره، وقد دخل الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الديمقراطي عام 2020 كمرشح بالغ الأهمية، مقارنة بحملته السابقة التي حصلت على زخم إعلامي أقل في عام 2016، ناهيك عن مزايا وجود قاعدة كبيرة من المتبرعين عبر الإنترنت، وبعد الوقوف على أفكاره السياسية المقبولة في التيار الرئيسي اليساري الليبرالي للحزب الديمقراطي، وفي غضون ثلاث ساعات ونصف الساعة بعد إعلانه، جمع ساندرز أكثر من مليون دولار من التبرعات الصغيرة من جميع الولايات الـ50، ليتجاوز بسرعة المبلغ الذي جمعته المرشحة المنافسة كامالا هاريس في أول يوم كامل بعد إعلانها الرئاسي. وفي غضون 12 ساعة استطاعت حملته جمع أكثر من 4 ملايين دولار من 150 ألف مانح.
أما الشعار الذي اعتمده على الموقع الإلكتروني لحملته لجذب المتبرعين من الطبقة المتوسطة ومحدودة الدخل ليتبرعوا لحملته ابتداء من 3 دولارات فقط، فهو “لا يوجد مرشح، ولا حتى أقوى مرشح يمكن أن تتخيله، يكون قادرا على مهاجمة طبقة أصحاب المليارات بمفرده. هناك طريقة واحدة فقط:
يمكننا أن نقوم بذلك معا. يرجى التبرّع لحملتنا”.وإذا انتخب ساندرز، سيكون أول رئيس يهودي يصل إلى البيت الأبيض، وأول رئيس يولد أثناء الحرب العالمية الثانية، وسيكون الرئيس الأكبر عمرا يشغل المنصب حيث سيكون له من العمر حين نجاحه، إن حدث، 79 عاما.
تبدو الأجندة السياسية التي اعتمدها ساندرز في السياسة الخارجية جديدة ولافتة وتسترعي اهتمام شريحة واسعة من المجتمع الأميركي والمناهضة لسياسات الرئيس ترامب، التي كثيرا ما وصمت بالانعزالية لكونها تهدف إلى إبعاد أميركا عن محيطها الأوروبي، واتخاذ سياسات منفصلة عنه تماما، لا بل أحيانا كانت سياسات ترامب مضادة لتوجهات الحليف الغربي الأوروبي القديم.
برنامج للسياسة الخارجية
وفي حوار مفتوح أجراه “مجلس السياسة الخارجية” في واشنطن شرح ساندرز نقاطا رئيسية من خطته للسياسة الخارجية إذا ما أصبح رئيسا للبلاد، مثل موضوع الصين والقضايا العالقة معها والتي أدت إلى اصطدام بدرجات مختلفة بين الحكومتين الصينية والأميركية.
وحين سُئل من قبل محاوره في مجلس السياسة الخارجية عن قضايا معاملة أقلية الإيغور المسلمة والاضطهاد الذي تعاني منه من قبل الحكومة في الصين وكذلك الوضع في هونغ كونغ وموقفه من الأزمة التي تمر بها، أفاد ساندرز “حكومة الصين تقوم بعمل شائن على المستوى الإنساني والدولي، إذ أنها بشكل منهجي تتعمد احتجاز مجموعة بشرية بعينها وتمارس عليها الإبادة الجماعية هم الإيغور المسلمون؛ وفي طرف آخر تقوم بتقويض الديمقراطية الليبرالية في هونغ كونغ. يجب أن تكون للولايات المتحدة خيارات قوية عندما يتعلق الأمر بالضغط على الصين لتغيير سياساتها”.
وتابع ساندرز منتقدا سياسة ترامب “الضغط على بكين لا يعني بأي حال من الأحوال السير في نهج إدارة ترامب والتخلي عن دور الولايات المتحدة في الدفاع عن حقوق الإنسان في كل مكان وكل محفل، سواء في الأمم المتحدة أو في المفاوضات التجارية الجارية مع الصين. إذا انتخبت رئيسا ستعمل حكومتي مع الحلفاء لتعزيز المعايير العالمية لحقوق الإنسان وبذل كل جهد ممكن لإخبار بكين بأن سلوكها يضرّ بمكانتها الدولية ويقوض العلاقات مع الولايات المتحدة”.
وحين سئل ساندرز عن موقفه من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وهل يؤيد حل إقامة دولتين من أجل إنهاء هذا الصراع الذي زاد عن نصف قرن بين الطرفين، قال ساندرز “نعم، أؤيّد حل الدولتين بقوة، ومقومات هذا الحل معروفة بشكل واسع، وهي تستند إلى القانون الدولي والعديد من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما يدعمها إجماع دولي ساحق؛ دولتان تستندان إلى خطوط العام 1967، وتكون القدس عاصمة لكلتا الدولتين. في النهاية، الأمر متروك للفلسطينيين والإسرائيليين أنفسهم لاتخاذ الخيارات اللازمة لاتفاق نهائي، ولكنّ للولايات المتحدة دورا رئيسيا تلعبه في التوسط بهذا الاتفاق”.
السيناتور بيرني ساندرز يواجه، اليوم، تحديين أساسيين في قبول حزبه الديمقراطي لترشيحه لمنافسة ترامب، أولهما هو التصور القائم بين أعضاء الحزب بأنه لا يستطيع التغلب على دونالد ترامب في الانتخابات العامة؛ والثاني هو سعي السيناتور إليزابيث وارن للحصول على نصيبه من أصوات اليسار التقدمي للحزب. لكن هذا الأسبوع بدا أن ساندرز حقق خطوات كبيرة في التغلب على كلا التحديين.