بي.بي.سي تجسد المقاطعة الغربية الإعلامية لمونديال قطر

مقاطعة هيئة الإذاعة البريطانية "المحايدة" تعكس أزمة لصورة قطر في العالم.
الثلاثاء 2022/11/22
عرض آخر ينتقد قطر

لندن - أنفقت الحكومة القطرية الملايين من الجنيهات الإسترلينية على حفل افتتاح كأس العالم قطر 2022 بمشاركة مورجان فريمان وجونغ كوك نجم “بي.تي.إس” والمئات من الفنانين، آملة أن يكون هذا الحفل هو النقطة التي تبدأ فيها وسائل الإعلام العالمية أخيرا بالتركيز على كرة القدم بدلا من حقوق الإنسان.

ما لم تكن تتوقعه قطر أبدا هو أن هيئة الإذاعة البريطانية ستتجاهل الحدث برمته، وتستعيض عنه ببث مقدمة مطولة لغاري لينيكر مذيع “بي.بي.سي” وأحد أساطير كرة القدم الإنجليزية، سلط خلالها الضوء على بعض القضايا الحقوقية التي تواجهها الدولة الخليجية، بما في ذلك سجل حقوق الإنسان في البلاد، ومعاملة العمال المهاجرين، وحظر المثلية الجنسية. وكان ذلك في أول دقيقتين فقط.وتوج تجاهل هيئة الإذاعة البريطانية “المحايدة” لحفل افتتاح المونديال، تعامل الإعلام الغربي مع الحدث الرياضي الأكبر في العالم، مستعيضة عنه بسيل من الانتقادات للدولة الخليجية الصغيرة، ما جسد وجهة نظر غالبية وسائل الإعلام الغربية التي تناولت الجانب السياسي فيه أكثر بكثير من الجانب الرياضي الرئيسي، وغاب الجانب الإيجابي فيه أمام سيل الانتقادات الإعلامية له.

وتوجه لينيكر قبل أيام إلى قطر لتغطية فعاليات المونديال، وقالت “بي.بي.سي” حينئذ “لينيكر يتوجه إلى قطر للتغطية الصحافية وليس من أجل الدعم”.

وعرضت بي.بي.سي حفل الافتتاح عبر الإنترنت فقط.

بي.بي.سي لديها حقوق عرض أكبر حدث رياضي في العالم لكنها اختارت التخلص بشكل شامل من المنتج

وقال لينيكر بينما رحب بالمشاهدين في بداية تغطية “بي.بي.سي وان”، “إنها كأس العالم الأكثر إثارة للجدل في التاريخ ولم يتم ركل الكرة حتى الآن”. وأضاف “منذ أن اختار الفيفا قطر مرة أخرى في عام 2010، واجهت أصغر دولة استضافت أكبر مسابقة لكرة القدم بعض الأسئلة الكبيرة، من اتهامات بالفساد في عملية تقديم العطاءات، إلى معاملة العمال المهاجرين الذين بنوا الملاعب حيث فقد الكثير منهم حياتهم، والمثلية الجنسية غير قانونية هنا. وأيضا حقوق المرأة وحرية التعبير في دائرة الضوء، ثم القرار قبل ست سنوات بتغيير كأس العالم من الصيف إلى الشتاء”.

وختم بالقول “في ظل هذه الخلفية، هناك بطولة ستقام، واحدة ستتم مشاهدتها والاستمتاع بها في جميع أنحاء العالم. وتقول الفيفا التزم بكرة القدم، حسنا، سنقوم بذلك، لبضع دقائق على الأقل”.

وبحسب الغارديان، التي أفردت أيضا الكثير من التقارير للحديث عن السجل القطري في مجال حقوق الإنسان، رفضت “بي.بي.سي” تفسير سبب تحويلها لتغطية حفل الافتتاح إلى بث مباشر عبر الإنترنت فقط، وهي فرصة تقليدية للبلدان المضيفة لإبراز القوة الناعمة في جميع أنحاء العالم، وشاهد الجمهور في بلدان أخرى جونغ كوك، أحد أشهر المطربين في العالم، وهو يؤدي أغنيته الجديدة الملهمة “انظر من نحن، نحن الحالمون/ سنحقق ذلك لأننا نؤمن به”، في ملعب مزدحم.

وسخرت الصحيفة كغيرها من الصحف البريطانية من هزيمة المنتخب القطري ووصفته بأنه “مجموعة من العمال الباحثين عن الفرص”، حتى أنها سخرت أيضا حتى من تميمة كأس العالم وقالت إنها تشبه “شبحا”.

وقالت التايمز البريطانية إنه “يمكن لمئات المليارات من الجنيهات الإسترلينية الحصول على كأس العالم وبناء مدينة في الصحراء وجذب الانتباه العالمي، لكن لا يمكنها أن تشتري فريق كرة قدم دولي نصف لائق”، في إشارة إلى المنتخب القطري الذي أصبح وفق الصحيفة أول منتخب لدولة مضيفة لكأس العالم يخسر المباراة الافتتاحية.

وسلطت صحيفة وول ستريت جورنال الضوء على حفل الافتتاح الذي قالت إنه تم أمام العائلة القطرية المالكة ومقاعد فارغة.

واستضافت هيئة الإذاعة البريطانية لاعبي كرة قدم سابقين لتحليل الرياضة وفق وجهة نظر الهيئة البريطانية، وقاموا بكسر أي ادعاء بأن السياسة يجب أن تبقى بعيدة عن كرة القدم. فسخر أليكس سكوت اللاعب الدولي الإنجليزي السابق من رئيس الفيفا جياني إنفانتينو، لأنه أشار إلى أنه يمكن أن يشعر بالتضامن مع العمال المهاجرين وتكاليف حضور كأس العالم. وقال “لن تعرف أبدا كيف يكون الحال عندما تكون عاملا مهاجرا. الاستمرار في القول إن كرة القدم للجميع، إنها ليست كذلك”. وأعرب سكوت “لا يمكنك القول إن كرة القدم للجميع”.

وذهب كابتن إنجلترا السابق آلان شيرر إلى أبعد من ذلك، وأفاد “إذا كان يشعر بالقوة تجاه العمال المهاجرين وعائلاتهم، فإن منظمة العفو الدولية تطلب من الفيفا أكثر من 400 مليون دولار لصندوق التعويضات. لم يوافقوا على ذلك. لماذا؟” سأل شيرر.

وبدلا من رواية الدوحة المفضلة أن دولة عربية صغيرة توحد العالم بكرة القدم، لم تترك تغطية “بي.بي.سي” أدنى شك لدى المشاهدين في المملكة المتحدة في أن كأس العالم غارقة في اتهامات بالرشوة وأن قطر كانت دولة مضيفة معيبة للغاية.

وكان هناك، بالطبع، بديل لتغطية “بي.بي.سي”، إذ يمكن للمشاهدين في المملكة المتحدة عبر “فريفيو” مشاهدة قناة الجزيرة، القناة الإخبارية التي تبث باللغة الإنجليزية والتي تمولها الحكومة القطرية، التي اعترفت بوجود الانتقادات ولكن تم تقديمها في سياق “التقدم المذهل في البنية التحتية” في الدوحة.

وبينما سلطت “بي.بي.سي” الضوء مرارا وتكرارا على وفاة العمال المهاجرين، عرضت قناة الجزيرة عمال البناء وهم يجتمعون مع الفريق البريطاني، مع تعليق صوتي يقول “لولا اللعبة الجميلة، فإن هاتين المجموعتين من الرجال، بلغاتهم وخلفياتهم المختلفة، ربما لم يلتقوا أبدا. لكن كرة القدم جمعتهم”.

لكن “بي.بي.سي” لم تورد أيا من هذه التفاصيل، أو أيا من الجوانب الإيجابية لمونديال قطر، على الرغم من أن لينيكر حاول دفع شيرر إلى ذكر أوجه التشابه مع نادي طفولته نيوكاسل يونايتد الذي بات استثمارا سعوديا. وأجاب شيرر “نحن كمشجعين لا يمكننا اختيار مكان كأس العالم، تماما مثلما لا يمكننا اختيار من يستثمر في أندية كرة القدم لدينا”، مسلطا الضوء على بعض الفروق الدقيقة المرتبطة بكونك مشجعا في عصر حملات الغسل الرياضي.

وبعد ذلك، بحوالي نصف ساعة، تحولت تغطية “بي.بي.سي” حول المونديال بسرعة كبيرة نحو مناقشة كرة القدم، التكتيكات، والتشكيلات والفائزين المحتملين، والخاسرين المحتملين، وإعلانات رعاة الكحول الذين لا يستطيعون بيع الكحول.

واعتبرت الغارديان أن مشاهدي “بي.بي.سي” تابعوا أمرا غير عادي: مذيع تلفزيوني لديه حقوق عرض أكبر حدث رياضي في العالم يختار التخلص بشكل شامل من المنتج الذي كان على وشك تقديمه.

يذكر أن إعلاميين انتقدوا “بي.بي.سي”. وقال الإعلامي بيرس مورغان، إن “ما قامت به بي.بي.سي، فيه عدم احترام شديد لقطر، وبدلاً من ذلك وضعت المزيد من إشارات الفضيلة حول مدى فظاعة الأمر”. وأضاف “إذا شعروا بالفزع، عليهم إعادة جيشهم الضخم من الموظفين إلى الوطن، وتجنيبنا هذا النفاق السخيف”.

16