بي.بي.سي بعد تخليها عن الجمهور العربي تعود إليه من بوابة سوريا

أثبتت التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط أن قرار راديو "بي.بي.سي" بالتخلي عن القسم العربي جعلها تخسر جمهورا عريضا في المنطقة وإمكانية التأثير وتحاول تدارك هذا الخطأ بتخصيص بث موجه لسوريا مع الاهتمام المركز عليها حاليا.
لندن - أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” إطلاق بث بعض خدماتها الإذاعية والتلفزيونية عبر موجات إذاعية موجهة إلى سوريا ودول الجوار في جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط، وذلك بعد أكثر من عامين على إغلاق إذاعة “بى.بى.سى” العربية وملايين المستمعين العرب.
وقالت الشبكة في بيان؛ إن الخدمة تبدأ اعتبارا من الجمعة 13 ديسمبر، موضحة أن هذه الخطوة تأتي “استجابة للتطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة.”
وأشارت إلى أنه يجري بث الخدمة عبر الموجة المتوسطة في فترتين يوميا، ووفقا للشبكة البريطانية، فإن الخدمة الإذاعية تشمل مجموعة من البرامج الموجهة للمشاهدين في المنطقة، بما في ذلك برنامج “غزة اليوم” إلى جانب عدد من البرامج الأخرى من تلفزيون “بي بي سي” العربي، ومجموعة مختارة من برامج الخدمة العالمية باللغة الإنجليزية.
يأتي ذلك في ظل تطورات متسارعة في المنطقة، وسقوط النظام السوري بعد دخول فصائل المعارضة المسلحة إلى العاصمة دمشق.
وتردد صوت “بي.بي.سي”، على مسامع أجيال عدّة من العرب عبر الراديو لكنها اعتبرت أن الشرق الأوسط ليس ذي أولوية لديها لتحتمل كلفة الإنتاج، فيما غالبية العاملين لديها معرضون للتسريح وإنهاء الخدمات، خاصة مع التحول الرقمي.
وكان إعلان الهيئة، وقف البث الإذاعي بعدة لغات من أبرزها اللغة العربية، قد أثار تفاعلا واسعا على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر كثيرون عن حزنهم لهذا الخبر، مودعين صوت “لندن” الذي رافقهم لسنوات طويلة.
بي.بي.سي خسرت جمهورا عريضا وسط الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط يصعب تعويضه من خلال التلفاز أو الإنترنت
ويشير اهتمام “بي.بي.سي” بالاستجابة إلى التطورات في سوريا إلى أن قرار الإغلاق لم يكن موفقا بالنظر إلى أهمية الشرق الأوسط وطبيعة الأحداث فيه التي أثرت على العالم كله، كما أن الإذاعة تتمتع بجمهور كبير في عدة دول عربية أهمها السودان والعراق وعدد من دول الخليج، فيما رفض الكثيرون القول بأن زمن الإذاعة قد انتهى.
ورغم أنها حافظت على اللغة العربية عبر موقعها الإلكتروني، والاستثمار في تطوير بعض الخدمات الصوتية التي كانت تقدمها إذاعة “بي.بي.سي عربي” وتصلح للتحول إلى الإنتاج الرقمي، إلا أن الإذاعة التقليدية تعتبر إرثا لدى المستمعين لا يمكن استبداله.
ويرى متابعون أن الهيئة التي تأسست عام 1938، قررت التجديد ومواكبة العصر عبر التحول إلى “الديجيتال – الإعلام الرقمي” و”البودكاست”، لكنها تجاهلت أن قسما كبيرا من متابعيها لا يمكن الوصول إليهم عبر التقنيات الحديثة خصوصا الجيل الذي تربى على صوت “هنا لندن.”
واعتبر متابعون أن الهيئة البريطانية خسرت جمهورا عريضا وسط الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط إذ أن إغلاق خدمات الراديو يعني التخلي عن جمهور يقدر بالملايين من العرب الذين نشأوا على برامج الهيئة وهذا الجمهور يصعب تعويضه من خلال التلفاز أو الإنترنت أو حتى التحول إلى “الديجيتال”، ويضيف هؤلاء أن عملية التحول في خدمات الإذاعة نحو “الديجيتال” بدلاً من الراديو التقليدي، إذا بدأت في المنطقة العربية، ستؤدي إلى تغيرات جذرية في الجمهور المتابع لـ”بي.بي.سي”، والمستهدف من قبل خطة الهيئة لرقمنة الإنتاج عموماً، ليس فقط على مستوى الاهتمامات وإنما الفئات العمرية أيضاً.
وفي بيان رسمي قالت مديرة خدمة “بي.بي.سي” العالمية، ليليان لاندور، إن الهيئة لن تتخلى عن دورها في تقديم المعلومة لملايين المتابعين حول العالم. ولن تتوقف أيضاً عن الإنتاج بجميع اللغات التي تعتمدها اليوم، ولكن شكل الإنتاج وتقنياته هو ما سيتغير ليواكب التقنية التي وصل إليها الإعلام، وباتت ميدان المنافسة اليوم.
وأوضحت لاندور أن هيئة الإذاعة البريطانية حققت نجاحاً كبيراً على منصاتها الرقمية حيث باتت خدمات المنصات تصل إلى نحو 150 مليون شخص تقريباً حول العالم.
اهتمام بي.بي.سي بالاستجابة إلى التطورات في سوريا يشير إلى أن قرار إغلاق القسم العربي لم يكن موفقا بالنظر لأهمية الشرق الأوسط
وزادت حصة تلك المنصات في انتشار الهيئة عالمياً، بأكثر من الضعف منذ 2018، فصعدت من 19 في المئة إلى 43 في المئة.
وتلخصت خطوات التغيير في 9 نقاط رئيسية، تبدأ بتقليص الإنتاج التلفزيوني والإذاعي لصالح خدمات المنصات الرقمية، حيث الجمهور الذي تستهدفه الهيئة وتريد توسيع مشاركته التفاعلية.
وعملت الهيئة على إنشاء مركز واحد للإنتاج الرقمي يخدم جميع منصاتها الناطقة بغير اللغة الإنجليزية، ونقل جزء من عملياتها إلى دول تتحدث باللغات المستهدفة في عملية الانتقال الرقمي. هذا بالإضافة إلى التركيز على أنواع معينة من الإنتاج الإعلامي الجاذب للمهتمين بخدمات الصوت، “الديجيتال” و”البودكاست.”
يبدو أن كبار السن هم الفئة الأكثر تضرراً من عملية الانتقال الرقمي للهيئة في خدماتها الدولية، ليس على مستوى الجمهور العربي فقط، وإنما الموظفين في أقسام اللغات الأخرى. حيث أن العاملين وفق مفاهيم وقواعد العمل للراديو التقليدي منذ عقود، يصعب عليهم الانتقال إلى الإنتاج بأدوات “الديجيتال” و”البودكاست” المنتشرة حالياً.
وأبدت الهيئة انفتاحا على مقترحات العاملين فيها بشأن عملية الانتقال نحو الرقمنة، وهي مدركة لما قد تحمله هذه العملية من تغيرات سلبية وإيجابية، سواء على بيئة العمل، أو الجمهور المستهدف، أو حجم انتشار الخدمات الدولية للهيئة حول العالم.
ولفت عدد من العاملين في القسم العربي للهيئة، أنه قد تكون أمامهم فرصة لمواكبة التغير المنشود نحو رقمنة الإنتاج في الهيئة. وخاصة أولئك الذين يتابعون التطورات التقنية في الإعلام، ويحرصون دائماً على مجاراتها سواءً في ثقافتهم ومعرفتهم العامة، أو في مواقع عملهم الحالية.
وتشير أرقام هيئة الإذاعة البريطانية إلى أن راديو “بي.بي.سي عربي” هو الأوسع حضوراً في المنطقة العربية. أما على مستوى خدماتها الرقمية فقد شهدت زيادة بنسبة 131 في المئة في انتشارها خلال العام 2020 مقارنة بالعام السابق، حيث وصلت هذه الخدمات إلى نحو 13 مليون شخص يسكنون المنطقة أو يتحدثون اللغة العربية.
وأوضحت الأرقام أن أكبر جمهور رقمي لـ”بي.بي.سي عربي” كان يتركز في مصر والسعودية. كما شهد هذا الجمهور زيادة قدرها 200 في المئة في كل من الجزائر والمغرب خلال العام 2020 مقارنة بسابقه. أما إجمالي متابعي الهيئة بمنصاتها المختلفة في المنطقة العربية فقد تجاوز عددهم 42 مليون شخص في العام المشار إليه.
وفي أواخر شهر مارس عام 2020، ومع انتشار فيروس كورونا، تزايد الطلب على مصادر موثوقة للمعلومات، حيث سجلت “بي.بي.سي” أعلى حضور لمؤسسة إعلامية دولية في العالم مع وصول عدد متابعيها إلى 310 ملايين شخص يستخدمون 42 لغة، ويتوزعون على عشرات الدول في قارات الأرض المختلفة.