بيئة تشريعية رخوة تعيق مساعي الأردن في مكافحة الفساد

رواتب خيالية لموظفين بلا دوام.
السبت 2022/11/19
محاربة الفساد في الأردن ظاهرة صوتية

عمان - تكرّس البيئة التشريعية الرخوة الفساد في الأردن خاصة داخل المؤسسات الحكومية رغم وجود هيئات رقابية يقول محللون إن مهامها معطلة بسبب تحالف المال والسلطة.

وكشف تقرير ديوان المحاسبة في الأردن عن تحصل موظفيْن (رجل وسيدة) على رواتب كبيرة من عدة جهات حكومية على مدار عدة سنوات دون أن يتواجدا على رأس عمليهما. وكشف التقرير عن عقود موظفين مخالفة في مشروع بوزارة البيئة.

وفي العقد الأول، يعمل الموظف بوظيفة مستشار مالي وبراتب شهري منذ تاريخ الأول من يناير 2014 ولغاية تاريخه، وبلغ مجموع الرواتب السنوية التي حصل عليها منذ بداية تعيينه وحتى تاريخه 55.200 دينار.

وتبين أن الموظف المذكور يعمل بموجب عقد لدى وزارة الإدارة المحلية منذ تاريخ الأول من مارس 2015 ولغاية تاريخه، حيث بلغ مجموع الرواتب التي حصل عليها من الوزارة منذ بداية تعيينه وحتى تاريخه مبلغ 197.839 دينار.

ولم يلتزم الموظف بالدوام الرسمي طيلة فترة العقود ويظهر ذلك من خلال كشوفات الدوام الرسمي لدى وزارة البيئة ووزارة الإدارة المحلية لبنك تنمية المدن والقرى. كما تبين أن الموظف لم يقدم أي إقرار ضريبي إلى دائرة ضريبة الدخل والمبيعات عن الفترة المذكورة.

◙ الفساد يمثل أحد أهم أسباب تعثر الاقتصاد وتردّي الأوضاع المعيشية للمواطنين الأردنيين داخل المملكة

وأما الموظفة الثانية، فتعمل بموجب عقد لدى وزارة البيئة على حساب مشروع بوظيفة مسؤول مشتريات وبراتب شهري منذ تاريخ الثالث عشر أغسطس 2014 وحتى تاريخه، حيث بلغ مجموع الرواتب السنوية التي حصلت عليها منذ بداية تعيينها وحتى تاريخه ما قيمته 43.773 دينار.

وتبين من خلال كشوفات الدوام الرسمي لدى وزارة البيئة وبنك تنمية المدن والقرى عدم التزام المذكورة بالدوام الرسمي طيلة فترة العقود. وأوصى التقرير بتشكيل لجنة بمشاركة ديوان المحاسبة لتدقيق كافة العقود على المشروع وكافة المشاريع الأخرى واتخاذ الإجراءات اللازمة لاسترداد المبالغ المصروفة دون وجه حق.

وتصطدم مساعي الحكومات الأردنية المتعاقبة لمكافحة الفساد بعقبات تكبح استشراءه، خاصة داخل المؤسسات الحكومية، إذ أن البيئة التشريعية الرخوة وتحالف المال والسلطة من أهم عوامل فشل الإستراتيجيات الأردنية في محاصرة الظاهرة.

ويمثل الفساد أحد أهم أسباب تعثر الاقتصاد الأردني وتردّي الأوضاع المعيشية داخل المملكة. ولم تتمكّن الحكومات الأردنية المتعاقبة من كسر ظهر الفساد الذي يستمر في النمو نتيجة لتشابك المال والسلطة بين أيدي الفاسدين.

ويشكل الأردن بيئة وظيفية واجتماعية حاضنة للفساد، إذ أنه رغم الضرر الكبير الذي يهدد الدولة وأمنها الاقتصادي وما يترتب عليه من خلل في الأمن على كافة الأصعدة، إلا أن الفساد يحظى بشبكة علاقات اجتماعية حاضنة له، فالكثير من المسؤولين والسياسيين الأردنيين يرتبطون بعلاقات قرابة ومصاهرة في ما بينهم، مما يجعل هناك حزام أمان يحمي من يمارس الفساد من المحاكمة أو أن يطاله القضاء. ويؤكد محللون أن الحل الأنسب لمعالجة الفساد المالي والإداري في الأردن هو تشديد الرقابة ووضع قوانين صارمة للحد من الفساد والوساطات.

ويشير هؤلاء إلى ضرورة إصلاح البيئة التشريعية الرخوة، فمثلا تشكل نصوص الدستور الأردني عائقا وعقبة أمام القضاء على الفساد، إذ ينص على أنه لا يجوز تقديم أي وزير أو رئيس وزراء إلى المحاكم عن الجرائم والمخالفات التي وقع فيها الوزير أثناء تأديته لمنصبه، إلا بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب الذي يحق له فقط اتخاذ قرار باتهام الوزير إذا وجد أن في أعماله ما يخالف القانون.

◙ الحكومات الأردنية المتعاقبة تواجه تهما بعدم بذل جهود لمحاربة المحسوبية والفساد اللذين أثرا سلبا على النموذج الاقتصادي والاجتماعي

كما ينص الدستور الأردني على الجواز للنائب أن يكون شريكا في المؤسسات التي يزيد عدد المساهمين أو المالكين للحصص فيها عن عشرة أشخاص، فسمح هذا الاستثناء للسلطة التشريعية بممارسة التجارة بشروط يسهل تحقيقها، فنتج عن هذا النص باب للتزاوج الحقيقي بين فساد السلطة التشريعية وفساد السلطة التنفيذية.

وتواجه الحكومات الأردنية المتعاقبة تهما بالتواطؤ وعدم بذل جهود لمحاربة المحسوبية والفساد اللذين أثرا سلبا على النموذج الاقتصادي والاجتماعي في المملكة.

ويقول خبراء إن سبب وجود الفساد في الأردن يُعزى إلى عوامل عدة، أهمها ضعف أداء الأجهزة الرقابية الرسمية لعدم استقلاليتها إداريا وماليا، ووجود تنازع نوعي في الاختصاص بين هذه المؤسسات، مما يشتت الجهود ويعيق التنسيق والتشاركية في ما بينها في قضايا الفساد.

ويعزو هؤلاء ذلك أيضا إلى وجود اختلالات في دور بعض مؤسسات المجتمع المدني المعنية بمكافحة الفساد لافتقارها إلى القدرات والاختصاصات وآليات الحوكمة، واعتماد بعضها على التمويل الخارجي، وابتعادها عن الشفافية في الإفصاح عن تقاريرها الإدارية والمالية، إلى جانب تقييد الوصول إلى المعلومات وعدم إتاحتها لتمكين المواطنين من المشاركة في الحياة السياسية.

ويعود ذلك أيضا إلى ضعف بعض التشريعات الإجرائية الناظمة لملاحقة الأموال المنهوبة والحاجة إلى تعديل بعض القوانين لهذه الغاية، وقصور التشريعات الوطنية الناظمة لمكافحة الفساد وعدم مواءمة بعضها للاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد مثل الرشوة واستغلال النفوذ.

2