بيئة الأعمال الطاردة تقوّض فرص الجزائر في جذب الاستثمار

استمرار مظاهر الفساد والبيروقراطية ينفّر بشكل أكبر رؤوس الأموال الأجنبية.
السبت 2022/02/12
يافطة الإصلاح.. الحاجز الذي نصنعه بأنفسنا

تواجه السلطات الجزائرية تحديات معقدة لإقناع المستثمرين الأجانب بضخ أموالهم في السوق المحلية بالنظر إلى مناخ الأعمال غير الملائم للقيام بأي نشاط نتيجة عدم استقرار المنظومة التشريعية الاقتصادية، وخاصة في ظل التذبذب السياسي والتذمر الاجتماعي.

الجزائر - تترسخ معضلة مناخ الأعمال الجزائري بوضوح يوما بعد يوم رغم ما تسوق له السلطات للرأي العام الدولي عن الانتهاء من حزمة الاصلاحات الاقتصادية بدليل أن مجرد وجود رجال أعمال في السجن يعد مؤشرا على أن الوضع غير مطمئن للاستثمار.

وتختزل الرسالة التي وجهها رجل الأعمال الكندي بيار دوبراس، مؤخرا إلى الرجل الأول في المؤسسة العسكرية الجزائرية الجنرال سعيد شنقريحة، عبر منصة اليوتيوب، أحد أوجه المناخ الاقتصادي الذي ينغص الرأسمال الأجنبي وحتى المحلي.

وطالب دوبراس في رسالته إنصافه وتعويض الخسائر التي تكبدتها شركته بعد تعرضه للسجن وحتى محاولة الاغتيال، الأمر الذي اعتبره متابعون مرآة عاكسة للممارسات التي تعيق أي انفتاح أو نهضة اقتصادية في البلد النفطي العضو في أوبك.

وكانت شركة سكات الكندية للإنشاءات والبنية التحتية قد تقدمت خلال العقد الأول من الألفية الحالية للاستثمار بالجزائر لإنجاز مرافق ومنشآت تابعة للمؤسسة العسكرية، لكنها اصطدمت بضغوط وحصار من مسؤولين في القطاع، انتهت بإدانة دوبراس بالسجن لأربع سنوات وإفلاس شركته.

ودعا دوبراس الذي استعرض في مقطع الفيديو تفاصيل مثيرة عن تحول مشروعه الاستثماري إلى كابوس حقيقي، السماح له بدخول الجزائر للدفاع عن نفسه لأن المصالح القنصلية لا زالت ترفض منحه التأشيرة.

وتمثل تجربة رجل الأعمال الكندي عينة من مناخ الاستثمار السائد بالجزائر جراء هيمنة البيروقراطية الإدارية والفساد، ما جعل رأس المال الأجنبي يتوجس من القدوم للبلاد ويفضل وجهات آمنة، رغم خطاب الحكومة حول مراجعة المنظومة التشريعية للاستثمار.

وزاد من تعقيد الأمر تفشي مظاهر الفساد والبيروقراطية وفشل محاولات الإصلاح المتكررة لتنضاف إليها أيضا متاعب أخرى بسبب الأوضاع السياسية والاجتماعية، كما أن نذر تفجر الاحتجاجات في أي لحظة لا يشجع المستثمرين على المغامرة برؤوس أموالهم في بلد يسجن رجال المال والأعمال.

أحمد الحيدوسي: تدخل الدولة يؤثر على صورة الجزائر في عالم الأعمال

ويعد نفور المستثمرين الأجانب وحتى المحليين من النشاط في السوق الجزائرية وليد تراكمات ترسبت على المشهد الاقتصادي للبلاد، يعود بعضها إلى الخيار السياسي الذي تبنته منذ الاستقلال إلى غاية بداية الانفتاح في ثمانينات القرن الماضي.

ويؤكد خبراء أن التباس الخطاب السياسي مع البراغماتية الاقتصادية يساهم في ضياع فرص النهضة الاقتصادية رغم العائدات، التي حققتها الخزينة العامة خلال العقدين الأخيرين.

وتتداول دوائر مالية جزائرية حجم الإيرادات التي تم تحقيقها في تلك الفترة والتي تصل إلى أكثر من 1.5 تريليون دولار، لكن لا أثر لها في التنمية بعدما فشلت كل الحكومات المتعاقبة في وضع البلد على سكة التنمية والتي لا يزال يترقب قطارها المواطنون.

ويرى أحمد الحيدوسي أستاذ الاقتصاد في جامعة البليدة أن “تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي يؤثر كثيرا على صورة الجزائر في عالم الأعمال الدولي".

وقال في تصريح لـ"العرب" إن "الجزائر تظهر في ثوب الطارد للاستثمار الأجنبي، وهذا ما حدث سابقا لعدد من المستثمرين الأجانب الذين غادروا البلاد من الباب الضيق على غرار رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس".

ولفت إلى أن “المشكلة ليست في الطرف الأجنبي الذي يريد مضاعفة أرباحه بأي طريقة، وأن العبء اليوم تتحمله الحكومة الحالية، لأن سابقاتها لم تحسن التفاوض مع الطرف الأجنبي، وتجد نفسها في كل مرة أمام تحكيم دولي خاسر”.

ومنذ الهجوم الإرهابي على حقل الغاز في منطقة تيقنتورين بأقصى جنوب البلاد في العام 2013، بدأ نزيف الشركات والمستثمرين الأجانب حيث غادرت شركات نفطية بريطانية ونرويجية ويابانية مواقع التنقيب والإنتاج بحجة الأوضاع الأمنية.

ولتنضاف هذه المشكلة إلى قانون الاستثمار المكبل والذي يفرض للشريك المحلي حصة أغلبية في أي مشروع يدخل مستثمر أجنبي ما جعل البلد في عزلة اقتصادية تجلت في عزوف الشركات عن عروض طرحتها الحكومة في أكثر من مرة للتنقيب وإنتاج النفط والغاز.

ولكن حتى قبل ما يحصل في حقل تيقنتورين كانت ثمة الكثير من المؤشرات على أن البيئة الاستثمارية في الجزائر حيث يعد ما حصل لشركة جازي التي تعد أول مشغل شبكة الهاتف المحمول بالبلاد وهي فرع لشركة فيمبلكوم الروسية مثال آخر على ذلك.

وكما ذهبت جازي للاتصالات التي تأسست في 2001 ضحية ضجة كروية بين المنتخبين الجزائري والمصري لكرة القدم في 2010، تحول أنبوب الغاز المغاربي الرابط بين الجزائر وأوروبا مرورا بالمغرب إلى آلية للضغط وتصفية الحسابات في إطار الأزمة المستفحلة بين الرباط والجزائر منذ الصيف الماضي.

وبين الالتباس بين الفساد والبيروقراطية، وشعارات السيادة الوطنية وممارسة حق الشفعة، تبقى الجزائر من الدول الضعيفة في مجال استقطاب رأس المال الأجنبي، وفوق ذلك تشهد حالة من الهروب، خاصة بعد دخول التجاذب السياسي والدبلوماسي بينها وبين فرنسا مرحلة أكثر قتامة.

تجربة رجل الأعمال الكندي بيار دوبراس عبر شركته سكات عينة من مناخ الاستثمار السائد بالجزائر جراء صعوبة النشاط بحرية

وبسبب الأزمة التي عرفتها العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وباريس خلال الأشهر الأخيرة أضحت الشركات الفرنسية الناشطة في السوق الجزائرية أكبر الخاسرين من هذه الوضعية.

واضطر العديد من المستثمرين الفرنسيين إلى المغادرة بعد فض الشراكة وإنهاء العقود من طرف واحد وذلك على غرار شركة راتيبي باريس التي كانت مكلفة بتسيير وصيانة ميترو الأنفاق والميترو، وشركة سيوز لتسيير وتوزيع الماء.

كما فشل عملاق الطاقة توتال في الاستحواذ على أصول شركة أناداركو الأميركية بعد انتقالها إلى شركة أوكسيدنتال بتروليوم، حيث استعملت الجهات التنظيمية الجزائرية حق الشفعة المنصوص عليه في قانون المحروقات والذي يتضمن أن تكون للدولة حصة 51 في المئة من أي مشروع.

ونفس الشيء بالنسبة إلى بنك كريدي أغريكول الفرنسي الذي غادر البلاد، بعدما سحب البنك المركزي الجزائري الاعتماد منه في أبريل 2020.

وتعتبر خسارة الجزائر للكثير من قضايا التحكيم الدولي المرفوعة ضدها من طرف شركات ورجال أعمال أجانب، مؤشرا قويا يكرس حالة النفور والتخوف من المغامرة في السوق الجزائرية.

وكانت آخر هذه النزاعات قضية باخرة نقل البضائع التي كبدت شركة كنان-ماد الحكومية غرامة مالية بنحو 21 مليون دولار بقرار من التحكيم الدولي وهو المبلغ الذي يفوق تكلفة شرائها المقدر بنحو 19 مليون دولار.

10