بول كاغامي.. زعيم المتمردين الذي أخرج رواندا من النفق

يستعد رئيس رواندا بول كاغامي لخوض السباق من أجل الفوز بولاية رابعة في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة ليوم 15 يوليو القادم.
وقال في مقابلة صحفية “أنا سعيد بالثقة التي منحني إياها الروانديون. سأكون في خدمتهم على الدوام، طالما كان بإمكاني ذلك”، مشيرا إلى أنه يفكر في البقاء في منصبه لمدة 20 عاما أخرى.
وفي عام 2015، قام كاغامي بتغيير الدستور، وسمح له بالبقاء حتى عام 2034، وفي الانتخابات الرئاسية للعام 2017 أظهرت الأرقام الرسمية أنه حصل على 99 في المئة من الأصوات، وهو ما وصفه الكثيرون خارج البلاد بأنه نوع من العار الذي لا يمكن التغافل عنه.
والأحد الماضي، السابع من أبريل، قاد كاغامي مراسم إحياء ذكرى مرور 30 عاما على الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994 وأودت بحياة أكثر من مليون شخص. وقال إنه لن يسمح بتكرار الظروف التي أدت إلى المذبحة مرة أخرى في سياسة بلاده.
وأضاف خلال المراسم التي تمت بحضور 37 من القادة الزائرين أن “الإبادة الجماعية هي شعبوية بحتة لأن الأسباب سياسية ويجب أن تكون الحلول كذلك. ولهذا السبب، فإن سياستنا ليست قائمة على أساس العرق أو الدين ولن تكون هكذا مرة أخرى أبدا… شعبنا لن يُترك للموت مرة أخرى”.
وتابع أن “التقدم الهائل الذي حققته بلادنا واضح للعيان وهو نتيجة للخيارات التي اتخذناها معا لإحياء أمّتنا”.
وكاغامي المعروف بأنه رجل البلاد القوي الذي كان زعيم المتمردين إبان حرب الإبادة قبل أن يتحول إلى رئيس للدولة وقائد زمن النهضة والبناء، وإلى مهندس مرحلة إعادة الإعمار، ولد على تلة نياروتوفو، بالقرب من قرية تامبوي التوتسي، في جنوب البلاد.
في 23 أكتوبر 1957، فتح عينيه على حالة الاضطهاد التي تواجهها أسرته كبقية أبناء شعبه من التوتسي، فاتجه وهو في الثانية من عمره، لاجئا مع أسرته إلى أوغندا وعاش في مخيمات اللاجئين، مثل الآلاف من التوتسي الآخرين، فرارا من القمع الذي استهدفهم قبيل نيل البلاد استقلالها عام 1959، حيث جرت إعدامات وتصفيات ودمرت منازل بذريعة وجود مخطط للتوتسي يرمي إلى الإمساك بالسلطة.
درس كاغامي ببراعة وحقق درجات متميزة وأكمل تعليمه الثانوي على التوالي في مدرسة نتاري في مبارارا، ثم في المدرسة القديمة في كمبالا من عام 1972 إلى عام 1976، وذلك قبل أن ينضم في العام 1979 إلى التمرد الذي قاده يوري موسيفيني الذي أصبح رئيسا لأوغندا عام 1986، وعندئذ تم تعيين الرائد الشاب كاغامي رئيسا لأجهزة المخابرات الأوغندية، وهو ما جعله يتجه إلى التخطيط بجدية لخدمة قضيته الأولى، وهي نصرة التوتسي وتمهيد الطريق أمامهم لحكم رواندا.
تم إرسال كاغامي للتدريب على القيادة العسكرية بالولايات المتحدة، ولكن اضطر للعودة إلى أوغندا بسبب وفاة فريد رويجيما، زعيم الجبهة الوطنية الرواندية، ليحل محله في قيادة الجبهة المكونة من المنفيين الروانديين، وهاجم جيش الهوتو في عام 1990. وصادف أن انطلقت في ذلك العام حرب أهلية خلفت عشرات الآلاف من القتلى في أقل من أربع سنوات.
وفي 6 أبريل 1994، اغتيل الرئيس الرواندي هباريمانا بإسقاط طائرته لدى هبوطها في كيغالي لدى قدومها من تنزانيا، وعلى متنها رئيس بوروندي المجاورة وعدد من كبار مسؤولي البلدين، وأعقب ذلك قيام المتطرفين الهوتو في النظام بتصفية المعتدلين من أبناء عمومتهم مؤكدين رفض أيّ تقارب مع التوتسي.
دخلت البلاد في دوامة حرب الإبادة الجماعية والتي تسببت في مقتل ما يقرب من مليون شخص وتعرض نصف مليون امرأة للاغتصاب، ونزح نصف الشعب داخل البلاد وخارجها، ورفضت الأمم المتحدة طلب زيادة قوات حفظ السلام لوقف الإبادة.
أبادت الحرب ما يقرب من 90 في المئة من التوتسي داخل رواندا. واستغل كاغامي المجازر لحشد التعاطف الإقليمي والدولي، كما سرَّعت المجازر بهجوم الجبهة الوطنية التي تمكنت من الوصول إلى كيغالي في يونيو 1994.
بعد انتصارها العسكري، أنشأت الجبهة حكومة وحدة وطنية، على أساس اتفاقيات أروشا، ولكن مع استبعاد الأحزاب التي دعمت قوى الإبادة الجماعية مثل مجلس الإنماء والديمقراطية والحركة الوطنية من أجل الديمقراطية والتنمية. وتم الاختيار على القس بيزيمونجو رئيسا للجمهورية في 19 يوليو 1994، وعلى فوستين تواجيرامونغو رئيسا للوزراء، فيما أصبح بول كاغامي، الذي يطلق عليه غالبا “رجل رواندا القوي”، نائبا للرئيس ووزيرا للدفاع.
سيطر كاغامي من خلال ذلك الموقع على الجيش الوطني وكان مسؤولا عن الحفاظ على سلطة الحكومة، بينما بدأ مسؤولون آخرون في إعادة بناء البلاد. ونفّذ العديد من جنود الجبهة الوطنية الرواندية عمليات قتل انتقامية. وقال كاغامي إنه لا يؤيد عمليات القتل هذه لكنه فشل في وقفها. وتشكلت معسكرات لاجئي الهوتو في الكونغو الديمقراطية وبلدان أخرى وهاجمت الجبهة الوطنية الرواندية المخيمات في عام 1996، لكن المتمردين واصلوا مهاجمة رواندا. وكجزء من الغزو، قام كاغامي برعاية حربين متمردتين في الكونغو ولا يزال إلى حد الآن يدعم الثالثة.
انتخب كاغامي رئيسا للبلاد في أبريل 2000، ليصبح مهندس إعادة إعمار بلد مدمر، وليعمل على إنجاز مصالحة صعبة، فاتجه إلى العديد من المسؤولين عن الإبادة الجماعية، وأعلن دستورا جديداً في عام 2003 تضمن التنصيص على العديد من المبادئ الحديثة: مكافحة الفساد منقطعة النظير، و”الحكم الرشيد” و”المثالية” للزعماء السياسيين، ومكافحة الانقسامات العرقية، حتى أنه حظر استخدام مصطلحات “التوتسي – الهوتو” في بطاقات الهوية.
بداية من عام 2002 تم تشكيل أكثر من اثنتي عشرة محكمة في كل مناطق رواندا، وفي كل محكمة تسعة قضاة يختارهم السكان، وتقام المحاكمات في الساحات، أمّا تمويلها فكان بأن يدفع كل متهم مستطيع دولارا واحدا. وفي سنة 2012 تم الانتهاء من محاكمة مليونين من المتهمين، وأدين 65 في المئة منهم، وتفاوتت العقوبات من السجن إلى العمل في حقول الضحايا أو تنظيف القرية.
سعى كاغامي إلى إعادة هيكلة المجتمع سياسيا واجتماعيا وثقافيا، وهو لا يتبنى الديمقراطية ولا يمارسها، ويعلم جيدا أن السلطات المركزية القوية يمكن أن تحمي المجتمع من أيّ صراعات عقائدية أو قبلية موروثة. وتعتبر رواندا أول دولة أفريقية تخلت عن تدريس اللغة الفرنسية في مدارسها واستبدلتها بالإنجليزية عام 2003 التي تحولت إلى لغة رسمية في البلاد. وفي عام 2010 أصبحت الإنجليزية لغة التعليم الوحيدة في المدرسة بينما كانت الفرنسية تحتل المرتبة الأولى في التدريس.
وكان دستور 2003 يمنح الرئيس فترة ولاية مدتها سبع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. ولكن تم تعديله في استفتاء مثير للجدل في عام 2015 لتسمح التغييرات، التي تمت الموافقة عليها بنسبة 98 في المئة من الأصوات، للرئيس بالترشح لولاية ثالثة مدتها سبع سنوات ثم يخدم فترتين أخريين مدة كل منهما خمس سنوات تبدأ في عام 2024.
ويقود كاغامي حاليا بلاده نحو المزيد من التطور في شتى المجالات، ويسعى إلى إعادة تأسيسها على ثوابت جديدة تعتمد مبادئ العدل والمساوة بين مكوّنات المجتمع وتحقيق الرفاه الاقتصادي المبني على نهضة علمية وثقافية وهوية وطنية موحدة.
واليوم يعتبر معدل النمو الاقتصادي فيها من بين الأعلى في أفريقيا وبلغ خلال العقدين الماضيين حوالي 8 في المئة سنويا. واستند هذا النجاح إلى أرباح الصادرات الزراعية مثل الشاي والقهوة، واستخراج المعادن والسياحة والقطاع العام الكبير. في الوقت نفسه نجحت جهود تنويع مصادر الاقتصاد مؤخرا في صعود قطاع التكنولوجيا، ومبادرات تطوير القوة العاملة.
كما شهدت البلاد تحسنا كبيرا في الناحية الصحية بفضل نظام التأمين الصحي الذي غطى حوالي 90 في المئة من السكان. وزاد متوسط العمر المتوقع للمواطن الرواندي إلى الضعف خلال عقدين بعد المذبحة. وانخفضت معدلات وفيات الأطفال والإصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز). علاوة على ذلك تعاملات رواندا مع جائحة فايروس كورونا المستجد بطريقة جيدة وسجلت أحد أعلى معدلات التطعيم ضد الفايروس على مستوى أفريقيا، وضخت استثمارات كبيرة في المنشآت الصحية الريفية.
وبحسب البنك العالمي فإن رواندا صاغت رؤية جريئة لتصبح محايدة للكربون بحلول عام 2050، مع تدخلات طموحة للتكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره، بتكلفة تبلغ 11 مليار دولار بحلول عام 2030، لكن البلاد تواجه تحديات في تعبئة التمويل الخاص بسبب ارتفاع احتياجات رأس المال الأولية للمشاريع الرئيسية، والتمويل، من حيث أن التكاليف من البنوك ومتطلبات الضمانات.
وبحسب منظمة دول تجمع السوق الأفريقية المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا (كوميسا)، فإن رواندا تعتبر الآن واحدة من الدول الأفريقية الرائدة في مجال النمو الاقتصادي، حيث سجل اقتصادها النمو الأكبر على مستوى العالم منذ عام 2005 بمتوسط بلغ 7.5 في المئة.
وتضيف كوميسا أن توافر القوى العاملة كان عاملاً أساسيًا وراء هذا النجاح لدولة رواندا، وانعكس بوضوح في تقرير البنك الدولي الذي جاء تحت عنوان «ممارسة أنشطة الأعمال»، الذي خلص إلى أن اقتصاد رواندا كان الاقتصاد الذي شهد التطور الأكبر على مستوى العالم منذ عام 2005، إلى جانب ارتفاع قيمة الناتج الإجمالي المحلي للبلاد بنحو 1.17 مليار دولار في الأعوام الخمسة الأخيرة.
وفي مارس الماضي، أكد مسؤولون من وزارة المالية ومكتب الإحصاء الرواندي أن اقتصاد رواندا نما بنسبة 8.2 في المئة في عام 2023، فيما قال وزير المالية أوزييل نداجيجيمانا ومحافظ البنك المركزي جون روانجومبوا في رسالة إلى صندوق النقد الدولي، إنه من المتوقع أن ينمو اقتصاد رواندا بنسبة 6.6 في المئة في عام 2024.