بوريل يسعى لجر الجزائر إلى المعسكر الغربي: فهل تستجيب

الجزائر - شكلت دعوة جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، للجزائر إلى المساهمة في وقف الحرب الأوكرانية، استفزازا لروسيا، فهي إلى جانب كونها محاولة جديدة لفك الارتباط بين موسكو وأحد أهم حلفائها في شمال أفريقيا، وزرع الشكوك بينهما، حملت قالبا يدعم المقاربة الغربية في حل النزاع الأوكراني، فضلا عن أن مفردة التعويل التي رددها بوريل على الجزائر في علاقة بقضية الساحل، هي بمثابة محاولة لاستمالة البلد المغاربي في صراع النفوذ الروسي - الغربي الجاري في المنطقة الأفريقية.
وتعكس دعوة بوريل الاثنين الجزائر إلى الانضمام إلى الجهود المبذولة لوقف ما وصفه بـ"الحرب غير المبررة" ضد أوكرانيا، جهودا أوروبية حثيثة لعزل روسيا، لكن من غير المنتظر حصول تجاوب من الجانب الجزائري مع هذه الدعوة.
وعزز المسؤول الأوروبي رسالته بالقول "الحرب في أوكرانيا ليست نزاعا أوروبيا فحسب، بل تمثل تحديا للعالم بأسره، لأنها عدوان ينتهك القانون الدولي، لهذا السبب فالاتحاد الأوروبي يدعم أوكرانيا سياسيا وعسكريا وماليا، وسيبقى كذلك قدر الإمكان، وأدعو الجزائر إلى الانضمام إلى الجهود المبذولة لوقف هذه الحرب غير المبررة، وتخفيف تداعياتها الاقتصادية والإنسانية على العالم".
وكرس تصريح المسؤول الأوروبي الصراع القائم بين الطرفين على استقطاب قوى الصف الثالث، وسعي كلاهما إلى دعم حلفاء لهما من خارج القارة الأوروبية، لاسيما تلك التي تملك أوراقا ثقيلة، كما هو الشأن بالنسبة للجزائر التي يعتمد عليها الأوروبيون في توفير حاجيات الطاقة لأسواقها المحلية لتعويض الإمدادات الروسية، بينما يسعى الروس إلى الاستثمار في ما يصفونه بـ"العلاقات التاريخية" و"التعاون الإستراتيجي".
وفي هذا الإطار تدخل الزيارة التي ستؤديها رئيسة مجلس الاتحاد الروسي فالنتينا ماتفينكو إلى الجزائر وتدوم ثلاثة أيام، وستلتقي خلالها مع الرئيس عبدالمجيد تبون، إلى جانب مسؤولين برلمانيين وحكوميين، في خطوة تعكس قلقا روسيا من إمكانية تأثر حليفتها في شمال أفريقيا بالضغوط الغربية.
وينتظر أن تستعرض المسؤولة الروسية مع نظرائها الجزائريين الملفات المفتوحة بين البلدين، خاصة الزيارة المنتظرة للرئيس تبون إلى موسكو في مايو المقبل، والمؤجلة منذ العام الماضي، فضلا عن اتفاق الشراكة الإستراتيجية، وصفقات التسليح، الأمر الذي يترجم حدة التنافس القائم بين الطرفين حول استقطاب الموقف الجزائري.
وردد بوريل مفردة "التعويل" الأوروبي على الجزائر في العديد من الملفات، على غرار الطاقة ومكافحة الإرهاب والوضع الأمني في الساحل الأفريقي، وتأثير القطيعة مع إسبانيا في تفعيل مجلس الشراكة الأوروبي مع الجزائر. وفي الوقت ذاته أبدى المسؤول الأوروبي عدم تحمس الاتحاد لتمويل مشروع خط الغاز المزمع تشييده بين الجزائر ونيجيريا، وركز في تصريحه على دعمه للطاقة الهيدروجينية والشمسية، مما يعطي الانطباع بأن الأوروبيين يريدون نفض أيديهم من صراع قائم بين الجزائر والمغرب حول خط الغاز المذكور.
وذكر ممثل السياسة الخارجية الأوروبية بأن "نحو 90 في المئة من صادرات الغاز الجزائرية وجهت إلى أوروبا، ونعلم أنه يمكننا الاعتماد على الجزائر التي هي شريك موثوق به، وقد كانت كذلك في أوقات عصيبة". وأضاف "التكتل الأوروبي يسعى لتوطيد الشراكة مع الجزائر بالنظر إلى المستقبل، من خلال إعطاء الأولوية للاستثمارات الأوروبية في قطاع الطاقة المتجددة".
ولفت من جانب آخر إلى أن "الجزائر شريك موثوق به ولاعب أساسي في مكافحة الإرهاب في جوارنا المشترك"، مشيدا بـ"تاريخ حافل للجزائر على صعيد مكافحة الإرهاب، وهو ما يدعو إلى بلورة رؤية عالمية وإستراتيجية من أجل التصدي للمخاطر، خصوصا في منطقة الساحل". وقال بوريل إن الاتحاد الأوروبي يعول على الجزائر في إرساء الأمن والاستقرار بمنطقة الساحل، منوها بدور الجزائر العسكري في محاربة جيوب التنظيمات الجهادية المهددة للمصالح الغربية، حيث صرح أمير تنظيم القاعدة أبويوسف العنابي مؤخرا، في تصريح لقناة "فرانس 24"، بأن تنظيمه لا يستهدف الداخل الأوروبي، لكن مصالحه وجيوشه في القارة السمراء هي هدف له.
وكانت تقارير غربية تحدثت عن رغبة الفرنسيين الذين انسحبوا من عدة دول أفريقية، تحت ضغط تيارات سياسية وشعبية مناهضة لنفوذها التاريخي، في أن تؤدي الجزائر دور البديل العسكري لمساعدتهم على الحفاظ على مصالحهم، وفرملة التغلغل الروسي اللافت خلال الأشهر الأخيرة، وهو الأمر الذي يكون أحد أسباب تغيير عقيدة الجيش الجزائري بموجب دستور 2020، الذي يسمح له بأداء مهام له خارج حدوده الإقليمية. لكن مراقبين يستبعدون ذلك، لاسيما وأن الجزائر نفسها لعبت دورا رئيسيا في إفساح المجال لموسكو لتعزيز نفوذها في المنطقة.