بوركينا فاسو البلد الفقير في منطقة الساحل يعاني من الانقلابات

واغادوغو- ظهر عسكريون مسلحون على شاشات التلفزيون في بوركينا فاسو مساء الجمعة لتأكيد الإطاحة بالرئيس بول هنري داميبا في ثاني انقلاب في الدولة المضطربة الواقعة في غرب أفريقيا هذا العام.
وجاء الإعلان في ختام يوم بدأ بإطلاق النار بالقرب من معسكر للجيش في العاصمة واغادوغو وانفجار بالقرب من قصر الرئاسة وانقطاع برامج التلفزيون الحكومي.
وأصبح هذا نمطا مألوفا بشكل متزايد في غرب أفريقيا ووسطها في العامين الماضيين مع إثارة متمردين إسلاميين فوضى عبر المساحات القاحلة من منطقة الساحل مما أسفر عن مقتل الآلاف وتآكل الثقة بالحكومات الضعيفة التي لم تجد طريقة للتغلب عليهم.

◙ الإطاحة بالرئيس بول هنري داميبا في ثاني انقلاب في الدولة المضطربة
وشهدت مالي وتشاد وغينيا انقلابات منذ عام 2020 مما أثار مخاوف من حدوث تراجع في اتجاه الحكم العسكري في منطقة حققت تقدما ديمقراطيا على مدار العقد الماضي.
وقائد بوركينا فاسو الجديد هو الكابتن إبراهيم تراوري، الذي ظهر على شاشة التلفزيون محاطا بالجنود ليعلن حل الحكومة وتعليق الدستور وإغلاق الحدود وحظر التجول ليلا.
وقال تراوري إن مجموعة من الضباط الذين ساعدوا داميبا في الاستيلاء على السلطة في يناير قرروا عزل زعيمهم بسبب عجزه عن التصدي للتمرد المتزايد للإسلاميين المتشددين. وكان داميبا قد أطاح بالرئيس السابق روش كابوري في يناير لدواع من بينها هذا السبب.
وجاء في البيان الذي وقعه تراوري وتلاه ضابط آخر على شاشة التلفزيون وسط مجموعة من الجنود بالزي العسكري المموه “في مواجهة الوضع المتدهور، حاولنا عدة مرات إقناع داميبا بإعادة تركيز المرحلة الانتقالية على المسألة الأمنية”.
وقال البيان إن داميبا رفض مقترحات الضباط بإعادة تنظيم الجيش واستمر بدلا من ذلك بالهيكل العسكري الذي أدى إلى سقوط النظام السابق. وأضاف “أقنعتنا تصرفات داميبا تدريجيا بأن طموحاته كانت تبتعد عما شرعنا فيه منذ البداية. قررنا اليوم الإطاحة بداميبا”.
وقال تراوري إنه تم تعليق الدستور وإلغاء الميثاق الانتقالي وإغلاق الحدود إلى أجل غير مسمّى وتعليق جميع الأنشطة السياسية وأنشطة المجتمع المدني. وأعلن حظر التجول اعتبارا من الساعة 21:00 بتوقيت غرينتش حتى الساعة 05:00 بتوقيت غرينتش.
وأدانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) استيلاء العسكريين على السلطة في بوركينا فاسو.
وقالت إيكواس إن الانقلاب جاء في وقت غير مناسب بعد أن أحرزت بوركينا فاسو تقدما نحو العودة إلى الحكم الدستوري عقب استيلاء الجيش على السلطة في يناير من حكومة مدنية.
وتقع بوركينا فاسو التي شهدت الجمعة انقلابا عسكريا هو الثاني خلال ثمانية أشهر في منطقة الساحل وتعد من أفقر دول العالم. وهي تواجه منذ 2015 هجمات جهادية متواصلة.
وتقع بوركينا فاسو التي لا منفذ لها على البحر، بمحاذاة ساحل العاج ومالي والنيجر وبنين وتوغو وغانا.
ويتألف سكانها البالغ عددهم 21.5 مليون نسمة (أرقام البنك الدولي في 2021) من ستين مجموعة عرقية يشكل الموسي الأغلبية بينها. و60 في المئة من السكان مسلمون وحوالب ربعهم من المسيحيين.
واستقلت فولتا العليا، المستعمرة الفرنسية السابقة، في الخامس من أغسطس 1960. وفي 1966 أطاحت انتفاضة شعبية بأول رئيس هو موريس ياميوغو، تلتها سبعة انقلابات عسكرية.
◙ مجموعة من الضباط الذين ساعدوا داميبا في الاستيلاء على السلطة قرروا عزله بسبب عجزه عن التصدي للتمرد
وفي 1983 تولى ضباط ثوريون شباب السلطة بقيادة توماس سانكارا، الذي أعاد تسمية البلد بوركينا فاسو (“بلد الرجال الشرفاء”) وحاول أن يقودها على طريق التنمية الاقتصادية. لكنه طبق سياسته بقبضة من حديد.
وفي 15 أكتوبر 1987 تولى بليز كومباوري السلطة بعد انقلاب اغتيل فيه “أبوالثورة”. ولا يزال “تشي سانكارا” موضع تقدير كبير في بوركينا فاسو وأفريقيا.
في 1991، أعاد بليز كومباوري تأسيس نظام التعددية الحزبية بعد حكم عسكري دام أحد عشر عاما. وانتُخب رئيسا في 1991 وأعيد انتخابه في 1998 و2005 (في مواجهة المعارضة التي قدمت مرشحين للمرة الأولى) و2010.
في 31 أكتوبر 2014 أطيح بليز كومباوري من السلطة تحت ضغط الشارع بسبب سعيه لتعديل الدستور من أجل البقاء في الحكم. وطلب “المغفرة” في 2022 من “شعب بوركينا فاسو” بسبب “المعاناة” التي لحقت به خلال سنواته الـ27 في السلطة.
في 29 نوفمبر 2015، تم انتخاب روش مارك كريستيان كابوري أحد كبار مسؤولي نظام كومباوري رئيسا للبلاد، ثم أعيد انتخابه في 2020.
وأطيح بكابوري بانقلاب في 24 يناير 2022 وباشر رجل البلد القوي اللفتنانت داميبا عملية انتقالية تستمر حتى صيف 2024. وأطاح به هو نفسه انقلاب عسكري الجمعة.
وتشهد بوركينا فاسو منذ 2015 عمليات خطف وهجمات تنفذها العشرات من الجماعات الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي 15 يناير 2016 أدى هجوم على فندق “سبلينديد” ومطعم “كابوتشينو” في واغادوغو إلى مقتل ثلاثين شخصا، معظمهم من الغربيين. وكان هذا الاعتداء الأول من نوعه في البلد بمثابة صدمة حقيقية.

◙ المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) أدانت استيلاء العسكريين على السلطة في بوركينا فاسو
وفي يونيو 2021، قتل 132 شخصا على الأقل حسب الحكومة و160 حسب مصادر محلية، في هجوم على قرية سولهان (شمال شرق).
وفي 14 نوفمبر قُتل 57 شخصا على الأقل بينهم 53 من رجال الدرك، في هجوم على مفرزة للدرك في إيناتا (شمال).
وأدت أعمال العنف الجهادية التي اشتدت في 2019 وتداخلت مع نزاعات بين مجموعات سكانية إلى سقوط الآلاف من القتلى ونزوح حوالى مليوني شخص.
وتبدو قوات الأمن عاجزة عن وقف هذا العنف. واعتبر وسيط المجموعة الاقتصاديّة لدول غرب أفريقيا (إيكواس) رئيس نيجيريا السابق محمدو يوسفو في يونيو أن حوالي نصف أراضي البلد خارجة عن سيطرة الدولة.
ويثير وجود فرنسا في منطقة الساحل منذ 2013 لمحاربة الجهاديين احتجاجات.
وبوركينا فاسو من أفقر دول العالم، وصنفها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المرتبة 191 عام 2021.
وتهدد الأزمة الغذائية حوالى 2.3 مليون شخص، وقد يرتفع هذا العدد إلى 3.5 ملايين خلال الفترة المرحلية بين المحاصيل، وفق تقرير أصدرته وزارة الزراعة في مارس.
وفي 2009، تقدم الذهب على القطن كأول مادة للتصدير. وبلغ إنتاج بوركينا فاسو من الذهب 66.6 طن عام 2021 ويستفيد البلد من ارتفاع أسعار هذا المنتج في العالم. وشكل هذا القطاع 13.13 في المئة من إجمالي الناتج المحلي عام 2019.
وتشهد سوق العمل في بوركينا فاسو تحولا. فبعدما كان قطاع الزراعة يمثل 80 في المئة من الوظائف عام 2000، تراجعت هذه النسبة إلى 26 في المئة فيما ارتفعت نسبة الوظائف في قطاع الخدمات من 13 في المئة إلى 50 في المئة، وفق أرقام منظمة العمل الدولية.
وكانت هذه الدولة سياحية في الماضي لكن الغربيين باتوا يمتنعون عن زيارتها بسبب الهجمات الجهادية.