بوادر تمرّد حكومي على تعسّف نواب بالبرلمان الكويتي

الكويت - أحال مجلس الأمّة (البرلمان) الكويتي، الثلاثاء، استجوابا برلمانيا موجّها من النائب شعيب المويزري إلى رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح بشأن “فشل وزارات الدولة في إدارة الكوارث ومواجهة الأزمات” إلى لجنة الشؤون القانونية والتشريعية البرلمانية، للنظر في مدى دستوريته، ما يفتح الباب لإمكانية إسقاطه وتجنيب الشيخ جابر الصعود إلى منصّة الاستجواب، وذلك للمرّة الثانية منذ بداية الدورة البرلمانية الجديدة.
وجاء اللجوء إلى هذا الإجراء القانوني بالتوازي مع بروز ملامح سياسة جديدة في إدارة العلاقة دائمة التوتر بين الحكومة والبرلمان، باتجاه “التمرّد” عما ما بات يعبّر عنه في الكويت بـ“تعسّف” النواب في استخدام آلية الاستجواب.
ونُقل، الثلاثاء، عن مصادر حكومية قولها إنّ “أي استجواب يقدم إلى رئيس الوزراء وتلمس فيه الحكومة أي شبهة ستتم إحالته إلى اللجنة التشريعية”، مضيفة لصحيفة الرأي المحلّية “إنّ من غير المقبول استمرار تعسف بعض النواب في استخدام الأدوات الدستورية”.
وترى أوساط سياسية كويتية أنّه لم يعد من الممكن التمادي في عمليات حلّ البرلمان مرارا وتكرارا وإجراء الانتخابات المبكّرة وإعادة تشكيل الحكومات جرّاء الصراعات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مشيرة إلى وجود إرادة على أعلى مستوى لتجاوز حالة عدم الاستقرار السياسي وتأثيرها على عملية التشريع واتخاذ القرار وتنفيذه.
ولا تستثني ذات الأوساط اللجوء إلى استخدام سلطات أمير البلاد في الحدّ من “فائض السلطة” التي يمنحها الدستور الكويتي لنواب مجلس الأمّة وبات البعض منهم يفرط في استخدامها خارج نطاق المصلحة العامّة ودفاعا عن مصالح ضيّقة وأحيانا لتصفية حسابات حزبية وشخصية وقَبَلية.
وشكّك البعض في دوافع النائب المويزري وراء إصراره على استجواب الشيخ جابر، مذكرين بأنّ النائب سبق له أن نافس على منصب رئيس مجلس الأمّة الذي آل في الأخير إلى مرزوق الغانم المصنّف ضمن معسكر الموالاة للحكومة. وجدّد الأمير الشيخ صباح الأحمد هذا الأسبوع “إنذاره” للبرلمان معبّرا عن استيائه من تعسّف بعض نوابه في استخدام أدواتهم الدستورية.
وقال رئيس مجلس الأمّة مرزوق الغانم في تصريحات للصحافيين إنّ أمير البلاد كلّفه بنقل رسالة للنواب “مفادها بأن هناك تعسفا وسوء استخدام لبعض الأدوات الدستورية وأن من مسؤولية أعضاء مجلس الأمّة التصدي لهذا التعسف وإساءة استخدام الأدوات الدستورية”. واستدرك الغانم بأن الأمير “يثق في عقلانية وحكمة أعضاء المجلس في التصدي لهذه الممارسات”.
وكان الشيخ صباح الأحمد قد حذّر في كلمته في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة في الثلاثين من أكتوبر الماضي من “التمادي بمخالفة الدستور والقانون”، معبّرا عن عدم رضاه من كثرة الاستجوابات وخصوصا استجواب رئيس الوزراء في أمور تدخل في اختصاص الوزراء.
وقال “لماذا كل هذا السباق المحموم على تقديم الاستجوابات، ولماذا الإصرار على تقديم الاستجوابات لرئيس مجلس الوزراء في أمور تدخل في اختصاص وزراء آخرين، بالمخالفة للدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمّة ولقرارات المحكمة الدستورية التفسيرية الواضحة”.
وأضاف “إذا كانت الحقوق الدستورية للنائب واجبة الاحترام، فإن من الضروري إدراك أن تلك الحقوق ليست حقوقا مطلقة فهي مقيدة بشروط”.
ويرى متابعون للشأن الكويتي أنّ تكرار التحذيرات الأميرية قد تمهّد لإجراءات عملية للحدّ من صراع السلطتين وهو ما لوّح به الشيخ صباح الأحمد بشكل أوضح في رسالة كان وجهها للنواب في نوفمبر 2017 دعا فيها إلى “وقفة تأمل وتقويم للمسيرة الديمقراطية ومعالجة سلبياتها ومظاهر الانحراف فيها بما انطوت عليه من هدر للجهد والوقت وتبديد للإمكانيات والطاقات وبما حملته من بذور الفتنة والشقاق”، معتبرا أنّ تصويب مسار العمل البرلماني أصبح استحقاقا وطنيا لا يحتمل التأجيل، ولافتا إلى أهمية المبادرة لإجراء هذا التصويب لتعزيز المكتسبات الوطنية.
ورغم التحذيرات أعلن النائب شعيب المويزري منتصف نوفمبر الجاري عن تقديم استجواب لرئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك الصباح عقب هطول أمطار غزيرة على البلاد خلّفت بعض الخسائر وكشفت ضعف البنى التحتية.
ورأت الحكومة إمكانية الطعن في دستورية الاستجواب، وقالت على لسان وزير العدل فهد العفاسي إنّ مواد الدستور حددت اختصاصات رئيس مجلس الوزراء بالسياسة العامة للدولة ونأت به عن أي عمل تنفيذي أو مساءلته في أي أعمال تخص وزارات بعينها.
ويُتوقّع أن تفضي خطوة إحالة الاستجواب إلى لجنة الشؤون القانونية إلى الطعن في دستوريته وإسقاطه، لتكون بذلك المرّة الثانية التي يتفادى فيها الشيخ جابر استجوابا نيابيا منذ انطلاق دور الانعقاد الجديد لمجلس الأمّة في أكتوبر الماضي، حيث تمّ سحب استجواب وجّه له آنذاك من قبل نائبين بشأن ما سمياه “التعدي على الدستور وحق المواطنة بسحب الجناسي وسجن نواب الأمّة”.