بن قرينة يختبر صبر السلطة الجزائرية على مغامراته السياسية

تحقيق انتقال سياسي سلس يبدأ بعدم ترشح تبون لولاية رئاسية ثانية.
الاثنين 2024/02/19
الإسلاميون في الجزائر يحاولون تحريك المياه الراكدة بشأن الانتقال السياسي

الجزائر - صرح رئيس حركة البناء الوطني ومرشح الانتخابات الرئاسية السابقة عبدالقادر بن قرينة، بأن الانتخابات الرئاسية المنتظرة بعد أقل من عام، ستكون موعدا لتسليم المشعل القيادي لجيل الاستقلال، بعدما استلمه الجيل المخضرم في 2019 من جيل الثورة، وهي دعوة مبطنة إلى عدم ترشح تبون لولاية رئاسية ثانية، ستكون بمثابة اختبار من الرجل لصبر السلطة على مغامراته السياسية.

وشدد القيادي الإخواني وحليف السلطة عبدالقادر بن قرينة، على أن تكون الولاية الرئاسية القادمة محطة لتحقيق انتقال سلس للسلطة في البلاد إلى جيل الاستقلال، فالمرحلة الحالية التي يقودها جيل مخضرم، تستوجب أن تصل إلى تسليم المشعل القيادي خلال انتخابات 2029.

واعتبر متابعون للشأن السياسي الجزائري تصريح بن قرينة بأنه محاولة لتحريك المياه الراكدة، واختبار لردود فعل السلطة حول طرح الانتقال السياسي لجيل الاستقلال، ومدى استعدادها لقبول ذلك، خاصة وأنها ظلت متمسكة طيلة العقود الماضية بما يعرف بـ”الشرعية الثورية”، رغم الأصوات المطالبة بالتغيير، بما في ذلك انتفاضة الحراك الشعبي.

إعلان بن قرينة عدم ترشح عبدالمجيد تبون لولاية ثانية، هو بمثابة مفتاح لأبواب المشهد السياسي المسدود في الجزائر

وتبقى مسألة صراع الأجيال حول السلطة في الجزائر من بين مميزات مسار ستة عقود من الاستقلال، حيث عادة ما يتوقف قطار الطموح السياسي عند عتبة المناصب المفتاحية في مؤسسات الدولة، حيث لا يزال رموز ووجوه الزمن القديم يهيمنون على المناصب العليا، وهناك من يتجاوز سن التسعين، كما هو الشأن بالنسبة لرئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) صالح قوجيل.   

وأكد بن قرينة في تصريح أدلى به لوسائل إعلام محلية أن حركة البناء الوطني “لن تقاطع الانتخابات القادمة”، مما يؤكد مشاركة الحزب الإخواني في الاستحقاق المذكور، ووضع لذلك عدة سيناريوهات، كأن يشارك بمرشح للحركة، أو التحالف مع حزب آخر، أو إطلاق ائتلاف يدعم ترشيح شخصية معينة.

ويبدو أن السياسي الذي خاض غمار الانتخابات الرئاسية السابقة، وضع جميع الخيارات لتأكيد مشاركة حركة البناء الوطني، ولا يمانع في التحالف الضيق أو الجماعي لأجل مرشح معين، وهو ما يطرح فرضية تكرار سيناريو سابق، لمّا تحالفت جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم لدعم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، في ثلاث محطات رئاسية هي 1999 و2004 و2009.

كما يبدو أن السياسي الذي دأب في السنوات الأخيرة على نسق إطلاق بالونات الاختبار، بصدد جس نبض السلطة حول مدى استعدادها لتنفيذ مخطط انتقال سياسي سلس، تسلم خلاله قيادة البلاد ممن أسماهم بـ”جيل المخضرمين”، في إشارة إلى الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، إلى جيل الاستقلال.

ولم يوضح إذا كان الرئيس الحالي الطامح لولاية رئاسية ثانية، رغم عدم الإعلان عن ذلك إلى حد الآن، معنيا بالخطة، وإذا كان هو جزءا منها، أم أن مهمته تنتهي نهاية العام الجاري، وذكر بأنه “يجب أن يكون هناك انتقال سلس للسلطة بعد نهاية العهدة الرئاسية القادمة من سنة 2024 إلى سنة 2029”.

وذهبت تقارير محلية إلى أن “الإعلان الصريح لبن قرينة عن ضرورة عدم ترشح عبدالمجيد تبون لولاية ثانية في عام 2024، هو بمثابة مفتاح حقيقي لأبواب المشهد السياسي المسدود في الجزائر، وهو موقف شجاع وجريء قياسا بالسياق الاستبدادي السائد، حيث يمكن لأدنى انتقاد للسلطة أن يؤدي بصاحبه إلى مشاكل قانونية”.

كما يبدو أن السياسي بن قرينة الذي دأب على نسق إطلاق بالونات الاختبار، بصدد جس نبض السلطة حول مدى استعدادها لتنفيذ مخطط انتقال سياسي سلس

وتساءل موقع “راديو أم” المشمع، والذي يتواجد مالكه الإعلامي إحسان القاضي في السجن، “من الصعب ألا نتساءل عن الدوافع الحقيقية لزعيم حركة البناء الوطني لأن هذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها بن قرينة جدلا من خلال نزهات صاخبة تهدف إلى جذب انتباه وسائل الإعلام.. دعونا نتذكر تصريحاته اللاذعة ضد منطقة القبائل خلال انتفاضة الحراك الشعبي، أو تصريحاته الصاخبة بشأن التطبيع الوشيك المزعوم بين تونس وإسرائيل، والكثير من الألغام التي أطلقها كالخطر القادم من الجنوب، ودور المغرب وإسرائيل في تحريض دول الجوار الجنوبي، وتمدد النفوذ الإماراتي في المنطقة، وهي كلها تلقي بظلالها على جدية ومصداقية الرجل”.  

وألمح إلى أنه خروج يجمع بين الإستراتيجية السياسية والطموح الديمقراطي لتمهيد الطريق نحو الاستحقاق الرئاسي المنتظر نهاية العام الجاري، ولم يستبعد من جانب آخر أن يكون مجرد اختبار لحدود حرية التعبير التي يمنحها النظام السياسي القائم، من خلال إعطاء صورة بداية الحراك السياسي، لأن الصمت المطبق على الموعد يحرج السلطة أمام الرأي العام، ولذلك يسعى لتحريك المياه الراكدة لإعطاء صورة ملائمة، لاسيما وأن من هم في السلطة يسعدهم جدا الحفاظ على وهم التعددية السياسية في البلاد.

وخلصت التقارير إلى أنه “على أي حال، فقد أثبت المجادل بن قرينة نفسه للتو على أنه مفسد محتمل لولاية تبون الثانية، وسيكون ‘سيف داموقليس’ مسلطا على رأس الرئيس، الذي قد يقرر اتخاذ إجراءات صارمة لإسكات هذا الباحث عن الضجيج غير المناسب”.

4